ذبابٌ طائرٌ في عينَي!
الطب >>>> طب العيون
وتعودُ حقيقةُ هذهِ الأجسامِ في أصلِها إلى السَّائِل الهُلامي الذي يَملأُ جوفَ العين مِنَ الدَّاخل (الجسمِ الزُّجَاجِي)؛ والذي يسمحُ بدورِه بِمرورِ الضَّوءِ إلى الشَّبكيَّة، وإنّهُ يُعطي العينَ قوامَها وشكلَها المُكوَّر، وتزيدُ بعضُ العَوامِل من سيولَة هَذا السَّائلِ تدريجيًّا؛ فيتكدَّسُ عددٌ مِن جُزيئاتِه علَى هيئةِ كُتلٍ أو خيوطٍ بروتينيَّةٍ صغيرةٍ تسبحُ ضمنَ السَّائل، وإنّ مانَراهُ فِي حقيقةِ الأمرِ هُو انعكَاسُ ظلِّ هذهِ الكُتلِ عَلى الشَّبكيَّة عندَ دخولِ الضَّوءِ إلى العَين.
ويؤثِّرُ العمرُ عَلى الجسمِ الزُّجاجي جدًّا؛ إذْ ينكمِشُ معَ التَّقدُّم في السِّن مشكِّلًا تلكَ الكُتل، ولُوحظَ أنّ 25% مِمَّن تجاوَزُوا عامَهم الـ 60 يعانُونَ مِنْ ظَاهرةِ الذُّبَابِ الطَّائِر العينيّ، وتزدَاد النّسبَةُ مَع تجاوزِ عمرِ الـ 80 عاماً؛ فتصلُ إلى قرابَةِ 65%، ولُوحظَ شيوعُ هذِه الحَالة لدى الأشخاصِ الذينَ خضعوا لجِراحَة "ساد"* سَابقَةٍ، أو تَعرَّضُوا لأذيَّةٍ عينيَّةٍ سابِقة، أو لدى مرضَى السُّكَّريّ، ويعدُّ حَسيرُو البصر مِنْ أكثرِ الفئاتِ عُرضةً لظاهرةِ "الذُّبابِ الطَّائرِ العينيّ".
والسُّؤالُ الأَهمُّ هُنا؛ هلْ ينبغِي لي أنْ أقلقَ إزاءَ هذِه الظَّاهِرة؟
يجدُرُ بِنَا القولُ أنَّ ظاهرةَ "الذُّبابِ الطَّائرِ العيني" هيَ عَرَضٌ سليمٌ كُليًّا؛ وذلكَ إنْ لمْ يتفَاقَم مع الوقت، ولمْ يترافَق مع أعراضٍ أُخرى، وإنّ أهمَّ ما يستدعِي مراجعةَ طبيبِ العينيَّة هوَ الظُّهورُ المُفاجِئ لأعدادٍ وفيرةٍ مِنَ الأجسَامِ العائمةِ، ورؤيَةُ بريقٍ لامعٍ أوَّلَ مرَّةٍ أيضًا، وإليكَ عزيزي القارئ ما تدلُّ عليهِ هذه الأعراض:
قدْ يدلُّ ظهورُ أعدادٍ كبيرةٍ من الذُّبابِ العينيّ - خاصَّةً بعدَ عمر الـ 50 عاماً - علَى مُشكلةٍ خطيرةٍ يجبُ عدمُ إهمالِها؛ وهيَ انفصَالُ الجسمِ الزُّجاجيّ عنِ الشَّبكيَّة، والذي يُسبِّبُ انفصالَ الشَّبكيَّة أو تمزُّقًها لاحقًا. ولا بُدَّ مِنَ الإشَارَةِ إلَى أنّ انفصَالَ الشَّبكيَةّ لا يُسبِّبُ الألم؛ ممّا يستدعِي ضرورةَ الانتباهِ إلى الأعرَاضِ التي تُنذِرُ بحدوثِه؛ وأهمُّها البريقُ اللامعُ المُفاجِئ، أو فقدانُ الرُّؤيَة الجانِبيّ التَّدريجِي، أو الفقدانُ المُفاجِئ للرُّؤيَة المَركزيَّة.
وبالعَودَةِ إلى الحَالاتِ المَرضيَّةِ الأُخرَى المُرافِقَة لظاهرةِ "الذّبابِ الطائرِ العينيّ"؛ والتي تستدعي زيارةَ الطَّبيبِ؛ فلا بُدَّ مِن الإشارَة إلى خصوصيَّةِ مرضى السُّكَّري؛ إذْ يستلزِمُ كلُّ عرضٍ عينيٍّ جديدٍ لَدى مريضِ السُّكّري المراجعةَ الطِّبيَّة الفَوريَّة، فقدْ يدلُّ وجودُ الذَّبابِ الطَّائِر في مجالِ الرُّؤيَة عَلَى حدوثِ نزيفٍ فِي الجِسمِ الزُّجاجِيّ.
وإنَّ ظُهورَ الذُّبَابِ الطَّائرِ بعدَ العملِ الجراحيّ العينيّ؛ قَد يكونُ لَه دلالةٌ سيِّئَة، وتقتضي المُراجعةَ الفوريَّة أيضًا.
وتنقصُ مُلاحظةُ هذه الأجسامِ العائِمَةِ - عادةً - مع الزَّمَن؛ إذْ تظهرُ بدايةً بوضوح مزعِج، ثُم لا يلبثُ الدماغُ أنْ يبدَأَ بتجاهُلِهَا مَع الوقت. وللجاذبيَّة دورٌ في هبوطِها نحو الأسفل أيضًا، وانطلاقاً مِنْ ذلك؛ ينصحُ الأطبَّاءُ بتحريكِ العينِ إلى الأعلى والأسفل، أو إلى اليمين واليسار، وهذا يُساعِدُ على انسحابِ الأجسَامِ العائمةِ مِنْ مجالِ رؤيتِنا مُؤقَّتاً، ولكونِها تزدادُ وُضوحاً فِي ظروفِ الإضاءَةِ القويَّة؛ فيمكنُنا اللجوءُ إلى ارتداءِ النَّظّاراتِ الشَّمسيَّةِ في الخارج، أو تخفيفُ سطوعِ الحاسوبِ عَلى سبيلِ المِثال.
ونستنتِجُ ممّا سبق؛ أنَّ الذُّبابَ الطَّائر العينيّ حالةٌ تتطلَّبُ تَعوُّدَ المريضِ علَيهَا طَالَما كانَت سليمةً وغيرَ مصحوبةٍ بالأعراضِ السَّابقَة الذِّكر، ويُمكِنُ للمريضِ أنْ يعتَادَ عَلَيها مَع الزَّمن، وأمّا فيما يخصُّ التدبير الجِراحيّ؛ فلا يُنصَحُ بِه عادةً؛ لِمَا لَه مِنْ مخاطرَ علَى الرُّؤيَة تفوقُ الفَائدَةَ المَرجُوَّة منهُ بِأضعَاف، وتجدر بنا الإشارةُ إلى وجودِ تِقنيَّة ليزر لإزالَة "الذُّبابِ الطَّائر العيني"؛ ولكنّها لمْ تخضعْ بعدُ للتَّجارُبِ والمراقبةِ السَّريريَّة الكافِية.
*السَّاد: هُو مَا يُعرَفُ بالمَاءِ الأبيض فِي العَين شَعبيًّا.
المصدر:
هنا
هنا
هنا
هنا