الاكتئابُ لدى مرضى السرطان
علم النفس >>>> الصحة النفسية
بعض النقاط الرئيسية المتعلقة بالاكتئاب لدى مرضى السرطان:
أولاً: الاكتئاب يختلف عن الحزن الطبيعي:
قد يكون الحزنُ والحسرة من ردود الفعل المشتركة لدى المرضى عند تشخيص إصابتهم بمرض السرطان. وهي قد تكون مظاهرَ عابرة أو قد تستمرّ وتتفاقم لتكوّن أعراضَ مرض الاكتئاب المُشخّص مع وجود جميع أو بعض الأعراضِ الإضافية التالية: مشاعرُ عدم التصديق أو الإنكار أو اليأس وشعورالعجز، بالإضافة إلى الأرق (اضطرابات النوم) وفقدان الشهية والقلق، والخوف المَرضي وعدم التركيز وضعف الذاكرة والتفكير الزائد بشأن المستقبل، وقد يكون العَرض الأكثر تأثيراً هو انعدامُ الرغبة في الحياة وتسلّطِ الأفكار الانتحارية.
ثانياً: قد يكون بعضُ مرضى السرطان أكثرَ عرضةً للإصابةِ بالاكتئاب:
إنّ وجود بعض العوامل المحددة، والتي تُدعى اصطلاحاً بعوامل الخطورة، لدى بعض مرضى السرطان يجعلُ من فرص إصابتهم بالاكتئاب أمراً أكثر رجوحاً أو حتى أمراً محتّماً. ومن عواملِ الخطورةِ هذه نذكر:
عواملُ خطورةٍ مرتبطةٌ بالإصابة بالسرطان: كأن يتم تشخيص الإصابة بمرض السرطان لدى شخصٍ يعاني أصلاً من الاكتئاب، أو معاناة مريض السرطان من آلام مزمنة (مستمرة) وغير معالجةٍ بشكل جيد، أو من آلامٍ لا ينفعُ معها العلاج، أو أن يسبّب نمطُ السرطانِ المصابُ به المريض ضعفاً جسدياً شديداً، أو عند الإصابةِ بسرطان البنكرياس بشكل خاص (كما أشارت الدراسات)، أو عند التشخيصِ المتأخر للإصابة بالسرطان، وقد تسبب بعضُ علاجاتِ السرطان نفسُها الاكتئاب (مثل دواء بروكاربازين).
أما عواملُ الخطورة غير المرتبطة بالإصابة بالسرطان نذكر منها: السوابقُ العائلية أو الشخصية للإصابةِ بالاكتئاب أو وجود قصةٍ سابقة لمحاولات انتحار، أو الاصابة باضطرابات نفسية أخرى، أو الإدمان على الكحول والعقاقير، وغياب شبكةِ الأمان الداعمة المتمثلة بالأسرة والأصدقاء أو وجودهم الذي يُشعرُ المريض بأنه عبء على من يحب أو على الآخرين عموماً أو حتى على المجتمع. كما أن التعرّض لبعض المشاكل الصحية المرافقة كالذبحة القلبية يؤدي دوراً هاماً في الإصابة بالاكتئاب، وبالمثل التوترُ الناجمُ عن مصاعب الحياة التي لا علاقة لها بمرض السرطان.
ثالثاً :الإصابةُ بالاكتئاب مرتبطةٌ بوجود بعض الأمراض والاضطرابات الجسدية الأخرى التي لا علاقة لها بالسرطان :
كاضطراب هرمونات الجسم، كهرمون الغدة الدرقية والأدرينالين، ومرتبطةٌ بالإصابة بفقر الدم، وارتفاع أو انخفاض الكالسيوم والبوتاسيوم في الدم، وعوز بعض الفيتامينات كفيتامين B12 وحمض الفوليك، وبالتأثيرات الجانبية لتناول بعضِ الأدوية المُعالِجة أو الآلامِ المعندة على العلاج.
رابعاً :يزدادُ خطرُ الإصابة بالاكتئاب لدى أفراد الأسرة والمقرّبين من المريض المصاب:
يتعاظمُ تركيز الطاقم الطبي والدائرة الاجتماعية المحيطة عند إصابة أحدهم بمرض عضال كالسرطان على المريض نفسِه، ناسين أو متناسين أفرادَ الأسرةِ المقرّبين الذين يشكّلون عاملاً مهماً في حمايةِ المريض من الإصابة بالاكتئاب أثناءَ فترةِ تشخيصِ وعلاجِ المرض. وتشيرُ الدراسات إلى أنهم أيضاً معرّضون للإصابة بالاكتئابِ الناجم عن شعورِهم بالعجز أمام الآلامِ التي يعاني منها من يحبّون، وخاصةً إن لم يكونوا مؤهلين طبياً للعنايةِ بالمريض ويجهلون السبيلَ لعونِه. إن تسليط الضوء على هذه النقطة والحوار الدائم يملكُ تأثيراً إيجابياً على كِلا الطرفين.
لماذا نعتقدُ أن تشخيص الاكتئاب لدى مرضى السرطان يحملُ أهميةً كبيرة؟
تتوفر في وقتنا الحالي بياناتٌ عن تأثير العواملِ النفسية على تشخيص وتوقع الشفاء من مرض السرطان. إذ يبدو أن الحالة النفسية تتنبّأ بطول فترة البقاء على قيد الحياة، وبقدرة مكافحةِ السرطان لدى المرضى المصابين بأنواعه المختلفة كالورمِ القيتامينيّ، سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة، سرطان الثدي، وسرطان الكلى. والجديرُ بالذكر أن المتابعةَ لفتراتٍ أطول تشيرُ إلى أن الروح القتالية العالية لا تكتسب أية ميزةٍ في إطالةِ فترة البقاءِ على قيدِ الحياة، أي أنّه في الحالات الشديدة للمرض لا يمكن للروح المعنوية أن تؤدّي إلى الشفاءِ أو إطالةِ فترة البقيا. في المقابل أشارت بعضُ الدراسات إلى أن المرضى الذين شُفوا من السرطان وكانوا خالين من الأورام لمدةِ 5 سنواتٍ امتلكوا صفةً مشتركةً وهي الروحُ معنويةُ العالية والشعور بالأمل والسيطرة، وعلاوةً على ذلك تبيّنُ الدراساتُ المجراةُ على مدىً أطول أن لمشاعرهم تأثيرٌ مباشرٌ على إطالةِ فترةِ الشفاء لفتراتٍ تصلُ إلى أكثر من 10 سنوات.
من المهم جداً أن نذكر أيضاً أن نتائج دراسة مُتابِعة لمدة 8 سنوات على 10.000 مريض قد أظهرتْ أن وجودَ هذا الترافق بين مرضَي السرطان والاكتئاب يرتبطُ بزيادة خطر الموت.
إنّ مثل هذه النتائج يتم الحصول عليها عادةً من خلال أدواتٍ للتحقق كالاستبياناتِ الصحيّةِ العامة وغيرها.
أفكارٌ إيجابيّةٌ لمحاربٍ أفضل :
إنّ معرفةَ المشكلةِ أو المرضِ وتشخيصَه نصفُ العلاج، هذا ما يعتقدُه الطبّ. وقد يكونُ مبدأً جيداً في الحياة عموماً. وبما أنّنا قد تحدّثنا سابقاً في مقالِنا عن التشخيصِ والتعرّفِ على الخصم أو المرض فقد حان الوقت للحديثِ عن الجزء الثاني من العبارةِ الشهيرة السابقة: أي العلاج، والذي قد يتعدّدُ ويتنوّع، ولكن لابدَّ من وجوده. وعن هذا الحقل نوردُ ذُكِرتْ النقاط الرئيسية التالية:
أولاً: عن العلاج الدوائي:
يصفُ أطبّاءُ الأورام غالباً مضادّات الاكتئاب لما لها من فائدةٍ محتملة في تخفيف أعراضٍ أخرى مرافقةٍ لمرض السرطان، كالهبّات الساخنة والألم، دون أن نتعرض لذكرِ فعالية هذه الأدوية في علاجِ أعراض الاكتئاب. ورغم فوائدها فإن وصفَ مضادّات الاكتئاب لمرضى السرطان يحتاجُ معرفةً وحذراً كبيرَين.
على سبيل المثال، يجب أن تُأخَذ الآثارُ الجانبيّةُ لمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقةِ في الحسبان، وكذلك التأثيراتُ الإيجابيةُ لزمرةِ SSRIs وتأثيراتُها المحتملةُ على الحرائكِ الدوائية للأدوية الأخرى. لذلك قد يكون الخيارُ الأفضل أن تكونَ هذه القراراتُ بيدِ الطبيبِ النفسي الاستشاريّ بسبب معرفتِه الخاصة بها.
ثانياً:عن العلاج النفسي:
تتعددُ الدراساتُ المتعلّقةُ بطريقةِ العلاج النفسي الأفضل التي يجب اتباعها لدى مرضى الأورام المكتئبين. تفضّلُ بعضُ الدراسات العلاجَ الذي يستهدفُ التغيير السلوكيّ المعرفيّ الموجّه، في حين يعتقدُ بعضُها الآخرُ بجدوى وفعالّيّة العلاجاتِ ضمنَ المجموعات. إلا أن جميعها يتفق على أن العلاجاتِ يجب تأخذَ بعين الاعتبار الحالةَ الفردية المميزةَ والخاصةَ لكلّ مريضٍ، كما أنها تؤمنُ بجدوى استشارة مختصين عند وجودِ أعراضِ الاكتئابِ لدى مرضى السرطان، إذ أن هؤلاء المرضى ليسوا مجبرين على معاناةِ اعراضِ الاكتئاب إلى جانبِ أعراضِ مرضهم العضال.
ثالثا ً:ملاحظاتٌ للمحاربين الشّجعان المنتصرين:
بعد الشفاء وتحقيق الهدأة في مرض السرطان والشعور بالارتياح، قد لا يكون هناك شفاءٌ من الاكتئاب. فالاكتئابُ شائعٌ بين الناجين من السرطان أيضًا، وأحيانًا يكونُ موجوداً بعد فترة طويلة من إكمال العلاج حتى. الخوفُ من تكررِ الإصابةِ بالسرطان، أو من الآثارِ الجسدية التي تركتها العلاجاتُ السابقة، أو الشعورُ بالذنب، كلها قد تجعلُ المريضَ الناجيَ عرضةً للأفكارِ أو العواطفِ الباعثةِ على الكآبة. قد يكونُ قضاءُ الوقتِ من الأشخاص المحبّبين مساعداً في تخفيفِ وطأِ هذه المشاعر. كما أن تخصيصَ الوقتِ لعملِ شيءٍ ممتعٍ بشكل يومي وممارسةُ التمارينِ الرياضية بانتظام تساعدُ أيضاً في التخفيف من المشاعرِ السلبية. ومن المعروفِ أيضاً دورُ مشاركةِ المشاعرِ مع الآخرين في درءِ وعلاجِ هذه المشكلة. وكما يقول المثلُ الألماني: "الألمُ الذي تشاركه مع الآخرين نصفُ ألم".
المصدر:
هنا
هنا
هنا