آثارُ الانعزالِ على صحّة وحياة الفرد.
علم النفس >>>> الصحة النفسية
البشرُ كائناتٌ اجتماعية، قوامُ حياتِهم مجموعاتٌ واسعةٌ من العلاقاتِ المُنشأَة بين الأفراد، والجزءُ الأعظمُ من الحياةِ وأحداثِها قائمٌ على التواصلِ مع الآخرين، إما للحصول على ما نريد أو للوصول إليه.
إلّا إن بقاء الفردِ لوحده بعضًا من الوقت أمرٌ جيد أيضاً؛ فقد تساعدُ الوحدةُ على إعادة تنظيم الأفكار، واستعادةِ القليل من النشاط، ويحتاجُ بعضُ الناس لقضاء مزيدٍ من الوقتِ مع أنفسهم، حتى إنَّهم يستمتعون بوقتهم هذا، وقد يشعرون باستنزافٍ عاطفيّ عندَ قضائِهم الوقتَ مع الآخرين، وهؤلاء هم مَنْ يُطلَقُ عليهم: "الانطوائيون"، وبالمقابل؛ فإن الاجتماعيين يستمتعون بصحبة الآخرين ويستعيدون طاقتهم عند لقائهم مَن يحبون؛ وما ذلك إلا تنوّعٌ واختلافٌ طبيعي في أنواع الشخصيات.1
وأما الانعزال عن المجتمع؛ فهو أمر أكثرُ اختلافًا؛ لأنه يعني انقطاع التواصل والتفاعل مع الآخرين على نحوٍ إرادي أو لا إرادي؛ 2. فقد تُضطرّ للانتقال إلى مكانٍ بعيد؛ ما يمنعك عن التواصل مع من هم في محيطك.1
يُعدُّ الانعزالُ العاطفي نتيجةً للانعزالِ عن المجتمع، وقد يكونُ نتيجةَ الانتقال وتغيير مكان الإقامة؛ ما يؤدي إلى تقلُّص دائرةِ المعارف، أو إلى إضعافِ الثقةِ بالنفس، وقد يشعرُ أحد الأفراد بالانعزال وإنْ كان ضمن علاقةٍ عاطفية، بسببِ خيانةِ أحد الطرفين للآخر أو لسوء المعاملة أو لضعفِ الثقة بالنفس وبالطرف الآخر؛ فيشعرُ أحدهما أو كلاهما بالانعزال عن بعضهما البعض؛ ما يدفعهما للانغلاق على نفسَيهما، والامتناع عن مشاركةِ مشاعرهما مع الناس وحبسها في خزائن الأسرار.1
وإنّ معاناة الفرد من مشاكلَ صحية وإعاقاتٍ جسدية، والتمييزِ والتفرقة ضد الفرد وفقدانِ أحد الاحباء والفقرِ وقلة الموارد؛ جميعها أعراضٌ ترافقُ الانعزالَ عن المجتمع والكفَّ عن تواصل الفرد مع أقرانه 3.
وإن للانعزالِ آثارًا سلبيّة على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، خاصةً إن تُجوهِلَ أو تُرِك دون علاج. ويُعدُّ تأثيرُه مشابهًا لتأُثير تدخين 15 سيجارةً يوميًّا؛ إذ تترافقُ حالاتُ الانعزال مع ارتفاعٍ في معدّل أمراض القلب والأوعية الدموية -كارتفاع التوتر الشرياني-، ويزيدُ من معدّلِ حدوث البدانة، وقد يؤدي إلى الإصابة بالذهان لاحقًا 4، وتُتّهَمُ العزلةُ بأنّها تزيد من خطورة الإصابة بمرض ألزهايمر أو إدمان الكحول، وقد تسبّبُ إضعافَ جهاز المناعة، وتؤدي إلى الاكتئاب في كثيرٍ من الأحيان 5.
وعلى الرّغم من تُشابه العزلةُ مع الاكتئابَ في بعض الأمور؛ إذ إنَّ كليهما يدفعُ الفردَ إلى أن يكون أقلّ سعادةً وأكثر تشاؤمًا وأقلّ شعوراً بالرضا والاكتفاء، وقد يفضيان إلى الشعور بالألم والعجز أيضًا؛ إلَّا أنَّ الانعزال يختلف عن الاكتئاب أيضًا؛ لأن الذين يعانون من العزلة غالبًا ما يكون لديهم أملٌ بأن كل شيءٍ سيكون على ما يرام في نهاية المطاف، وأنَّ المحنة ستنتهي، وسوف تعودُ حياتُهم إلى حالتها الطبيعية، وهو ما لا نراه عند مرضى الاكتئاب؛ إذ مريض الاكتئاب غالبًا ما يكون متشائمًا وفاقدًا للأمل؛ ما قد يؤدي في بعض حالات الانعزال الشّديد إلى الميول الانتحارية، وكلَّما ازداد الانعزال وانقطاع التواصل مع الآخرين؛ ازدادت الميولُ الانتحارية شدّةً ووطأة.5
وهكذا نجدُ أن العزلةَ مختلفةٌ تمامًا عن إمضاء الفرد لبعضِ الوقت وحيدًا، ويجدر بنا هنا أن نطرح على أنفسنا السؤال الآتي بين الحين والآخر:"هل الوقتُ الذي أمضيهِ بمفردي مفيدٌ لصحّتي النفسية؟ أم هو منحدَرٌ يقودُني إلى هوّةِ العزلة؟".
مصادر المقال:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا