المراهقاتُ يؤذين أنفسَهنّ باطّراد؛ ما هو السبب؟
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
الأسباب الاجتماعيَّة:
يكشف البحثُ ازدياد معدّلِ الإقدام على إيذاء النفس في المناطق والمجتمعات الفقيرة أكثرَ منها في المجتمعات الغنيَّة، ويُعزَى ذلك إلى أنَّ معظمهم لا يتلقى العلاج النفسيَّ المناسب في السنة الأُولى من تعرضّهم لهذه الحوادث مقارنةً بالمجتمعات الغنيَّة.
الأسباب النفسيَّة:
لُوحظ أنَّ معظم المراهقين يرتكبون أفعالًا كهذه ليخبرونا عن ألمهم الداخليِّ؛ فيجرحون أنفسهم كنايةً عن الجُرح الداخليِّ الذي يعتمل في نفوسهم؛ فتكونُ بمثابة الصَّرخة التي يطلبون بها العون؛ فيقول الكاتب وطبيب النفس الأمريكيِّ Armando Favazza: (إيذاء النفس شكلٌ مَرضيٌّ لمساعدة النفس)؛ لمعرفةٍ أكثر عن إيذاء النّفس يمكنك زيارة مقال سابق لنا .
وتُشيرُ العديد من الأدلة إلى أنَّ الذكريات المؤلمةَ للصدمات العاطفيَّة التي يتعرض لها المرء في الطفولة تبقى عالقةً في النصف الأيمن من دماغ الطّفل، والتي لا يمكن الولوج إليها بالمعنى المجازيِّ عن طريق التعبير اللغويِّ؛ فتبقى هناك إلى أن تتجسَّدَ لدى بعض الأطفال -ممَّن تعرضوا للأذى وسوء المعاملة- على شكل جروحٍ خارجيَّة يرسمونها على أجسادهم كناية عن جروحهم الداخليَّة لتراها؛ إذ إنّهم لا يستطيعون التعبير عنها بالكلام.
وتتميز المراهقة بأنَّها مرحلة الشكّ والتقلّبات المِزاجيَّة وخاصَّةً لدى الفتيات؛ فهي جزءٌ لا يتجزَّأ من دورتهنّ الشهريَّة، والضّغط الذي يُمارَس عليهنَّ ضِعف ما يُمارَس على الذكور، وخاصَّةً في بعض المجتمعات، وذلك بسبب التزام آدابٍ معيَّنةٍ وتأخُّر اعتمادهنَّ على أنفسهنّ.
ولا يَخفى على أحدٍ اليوم ثقافةَ التوتُّر والقلق الّتي يتسم بها عصرُ الإنترنت؛إذ نقضي معظمَ الأوقات في التّصفح والدردشة؛ فيغفل الآباء عن أبنائهم ويضعُف التواصل فيما بينهم؛ والأخطر من هذا كلِّه؛ وجودُ العديد من المواقع والمنتديات التي تشرحُ هذه الأمور وتُشجِّعُ على القيام بها؛ فقد وجدت صلة قوية بين منتديات الإنترنت والمراهقين الذين يؤذون أنفسهم.
وعالمُ وسائل التّواصل الاجتماعيِّ المهووس بالصّور وتحديثات الحالة ونشر صور "السيلفي" الذي يخلق بيئةً من التوتُّر والتّنافس بين المراهقين؛ وتُؤثِّر هذه الأجواءُ بشدة في المراهقات أكثر من المراهقين؛ فيقوى التنافس بينهنّ على الجمال والرّشاقة وعدد المعجبين والمتابعين، وتتضارب المشاعرُ فيشعرن بالعارِ من أجسادهن أو الخجل من بدانتهن؛ ممَّا يؤدِّي إلى توتُّرهن وقلقهن؛ الأمر الذي يجعلهمنَّ يؤذين أنفسهن للتخلص من هذه المشاعر السلبيَّة.
وباستبانةٍ بسيطةٍ؛ تجدُ أنَّ أكثرَ مَن ينشرون الصور مراهقات؛ ناهيك عن التّنمر والضغط والتحرُّش الذي قد يتعرَّضن له على هذه الوسائل، والذي يفوق ما يتعرض له الذكور، والذي لا ينتهي -كالتنمر والتحرُّش في الحياة الواقعيَّة- حالما تصل إلى بيتك بل يرافقك حتَّى سريرك دون أن يشعر به من حولك إذا لم تُخبرهم أنت به.
ولا يَخفى على أحدٍ التّنافس الأَبويّ في هذه الأيام على مدى روعة أبنائهم وذكائهم وتحصيلهم الدّراسيِّ والذي يُؤثِّر على المراهقين والمراهقات على حدٍّ سواء؛ فنحن لا نتركهم يعيشون مرحلتهم؛ بل نُريدهم راشدين مثلنا ونحاسبهم دومًا وكأنهم هكذا!
وفي رسالةٍ كتبها Patrick Turner -مراهقٌ يبلغ من العمر ستَّة عشر عامًا- قبل انتحاره؛ يلخِّص فيها ضغط التّوقعات التي تفوق قدرة أبنائنا الذين لكلٍّ منهم طاقته وذاته وأناه: "لم أرغب يومًا أن تنتهيَ الأمور هكذا؛ ولكن كان عليَّ أن أفعل هذا؛ فالعيش في Newport Beach يُشبه العيش في فقاعة، ويُمارَس الكثير من الضغط على الأولاد هنا ليكونوا جيدين، زلكنَّ كثيرًا منهم يُخطئ وهفوة واحدة من أي ولد تجعله يشعر كم هو صغير في هذا العالم (....) الجميع يتحدَّث هنا عن مدى روعته ومدى روعة أولاده؛ لكنَّ المغزى هو كم أنا رائع وليس عن روعة الغير، والناس هنا لا يعرفون معنى أن تكون معدوم الأنا؛ معدوم الذات؛ فالفشل هنا يعني ألّا تذهب إلى الجامعة أو تحصل على معدل عالٍ(....) يُمارَس كثيرٌ من الضغط هنا على الأولاد ليحسنوا الأداء وهذا ما لم أعد أستطع فعله أبدًا(.........) الأمر الوحيد الذي كان يُسعدني هنا هو لعب البيسبول وكرة القدم؛ شكرًا لمنحي هذه الفرصة(....) عش والعب كل يوم كأنَّه يومك الأخير........"
وأخيرًا؛ يَظهر أنَّ الأولاد يحصلون على كثيرٍ جدًّا ممَّا لا يحتاجون، وعلى قليلٍ جدًا ممَّا يحتاجون، ويترافق هذا مع عدم توافر الخدمات الصحيَّة النفسيَّة المناسبة والكافية؛ إذ يُحال من يُؤذون أنفسهم إلى مرافق العلاج السلوكيِّ المعرفيِّ، والذي لن يُجديَ نفعًا ما دام الأمرُ ناجمًا عن صعوباتٍ عاطفيَّة لا يُفيد معها هذا النوعُ من العلاج.
وإنَّ هذه النّسب المتزايدة لأعداد الفتيات المراهقات اللواتي يُؤذين أنفسهنّ تُشير إلى صعوبة نشأة الفتيات في هذه الأيام.
المصادر :
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا