العقود المؤقتة والصحة النفسية
علم النفس >>>> الصحة النفسية
وقد أقرَّتْ الدول الأطراف -في المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية- الحقَّ في العمل في ظروف عادلة ومُرضية، ذاك العمل الذي يشمل إتاحة الإمكانية لكل فرد في كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبَله بحرية.
ثم اتجه هذا العمل نحو عدم الاستقرار في أوائل الثمانينيَّات وحتى تاريخه الحالي -بحسب تقرير منظمة العمل الدولية عن ظروف العمل عام 2011- عندما ازدادت باطراد نسبةُ الأفراد العاملين في العمل المرن (المؤقت)، وفضلًا عن ذلك؛ فقد أكد التقرير أنَّ غالبية العقود الجديدة هي عقود قصيرة الأجل ومؤقتة.
فهل تحقق العقود المؤقتة الأمان الوظيفي؟ وما أسبابها وتأثيراتها؟
في دراسة أجراها الكونغرس الإيرلندي لنقابات العمال عُرِّفت العقود المؤقتة كالآتي: "هي العمالة غير الآمنة وغير المؤكدة والتي لا يمكن التنبؤ بها من وجهة نظر العامل“، إذ إنَّ من يعملون بعقود مؤقتة لا يضمنون استمرار العمل، وعقودهم عامة قابلة للفسخ بسهولة أكثر من العقود الدائمة.
وأظهرت الدراسة زيادةً بنسبة 25٪ في عدد العمال الذين يعملون في وظائف مؤقتة في الفترة ما بين عام 2008 و 2016.
وتُعزى أسباب ازدياد العمالة بالعقود المؤقتة إلى:
العولمة: يُعَدُّ ﻧﻤﻮ ﺳﻼﺳﻞ اﻟﺘﻮرﻳﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة من العواﻣﻞ الرﺋﻴﺴﻴﺔ التي ﺗﺆدي إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮة بسبب المنافسة الشديدة في الأسعار بين شركات التوريد لتحقيق التسليم السريع بأقل التكاليف، إذ أصبحت العديد من الشركات تتبع نهج "الطرق الملتوية" في العمالة على حساب الأمن الوظيفي.
التطور التكنولوجي: إنَّ زيادة توحيد الإنتاج وتبسيط المهام الناجمة عن اختراعات التكنولوجيا الجديدة هو عامل رئيسي في التوظيف غير المستقر أيضًا، لأنَّه يوفر زيادة في المهام الروتينية في آلية الصنع التي يمكن العمل بها من قبل العمال الأقل مهارة، الذين يحتاجون إلى تدريب أقل، وبذلك يحصلون على رواتب أقل، ويمكن إحضارهم في وقت قصير لفترة مؤقتة من الزمن.
التغيرات في قوانين العمل: لقد كان للاتحاد الأوروبي مؤخرًا دورٌ رئيسيٌ هنا فيما يتعلق بتفعيل أفكارٍ لمرونة سوق العمل وإلغاء الضوابط التنظيمية.
وقد أظهرتْ أدلةٌ مهمة الآثارَ السلبية للعقود المؤقتة على الصحة البدنية والنفسية للعمال، عدا عن آثارها الاقتصادية السيئة على كل من العمال وأرباب العمل والشركات وعلى الاقتصاد عامة.
والمثير للقلق أن بعض الدراسات وجدت أن مدى التأثير السلبي لانعدام الأمن الوظيفي على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية يمكن أن يكون كبيرًا كتأثير البطالة!
وهذا بدوره يتناقض مع المَثَل القديم القائل: "أي عمل أفضل من لا عمل".
إذ خلَصَتْ دراسة إيطالية -أجراها الباحثون "موسكون" و"فيتاديني" و"توسيتي" في عام 2015 بعنوان " أثر العقود المؤقتة على الصحة العقلية "- إلى أنَّ هناك زيادة في احتمال تطور مشكلات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب التي تحتاج إلى علاج طبي لمن هم في وضع العمالة المؤقتة.
وهذا يتوافق مع دراسة أُجريتْ في العام نفسه لعدد من الباحثين اليونانيين على مجموعة من الموظفين ذوي العقود المؤقتة، الذين أظهروا مستويات أعلى من الإجهاد والقلق والمشاعر السلبية والاكتئاب فضلًا عن فقدان احترام الذات، وهذا يتفق مع دراسات أخرى سابقة على مجموعتين من العمال ذوي العقود المؤقتة إذ صُنِّفَ 97% و86 % من المجموعتَين على أنهم حالات سريرية للقلق والاكتئاب، إضافةً إلى كثيرٍ من الأعراض الجسدية كالآلام في الصدر، والإحساس بالاختناق، وزيادة معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب التاجية، وموت عضلة القلب، وتقييد النشاط البدني بسبب الاضطرابات العضلية الهيكلية مثل آلام أسفل الظهر وآلام الرقبة.
أمَّا من حيث السلوكيات الصحية لأصحاب عقود الأعمال المؤقتة؛ فإنَّ هناك زيادةً في معدلات التدخين واستخدامًا للمسكنات وانخفاضًا في ساعات النوم (أقل من 6 ساعات في الليلة).
ومن تأثيرات انعدام الأمن الوظيفي أيضًا: عوارضُ تظهر على علاقات العمال الاجتماعية، فقد تبيَّن أن العمل غير المستقر له تأثير سلبي على العلاقات الاجتماعية للعائلة، فتكوين الأسرة صعب عند العمال ذوي العقود المؤقتة، فهم يعانون تأخُّرَ الزواج وتشكيل الأسرة حتى يتمكنوا من العثور على عمل آمن. وفضلًا عن ذلك؛ قد تواجه الإناث اللاتي يعانين ظروف عمل غير مستقرة صعوباتٍ في الحصول على إجازة في الأمومة.3
وعليه؛ فقد أصبح رفع مستوى الأمان في الوظائف المؤقتة حاجةً مُلِحَّة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والصحي.
وأمَّا على الصعيد الشخصي فإذا كنت ممَّن عليهم التعامل مع العقود المؤقتة وانعدام الأمن الوظيفي، إليك بعض النصائح التي قد تساعدك في تقبل هذا الوضع وحتى تغييره:
تعزيز مهاراتك:
تطوَّعْ لأي تدريب أو دورات جديدة، فكلما زادت مهاراتك زادت فرصك في الحصول على وظيفة جديدة.
ويمكنك الموافقة على تحمل مسؤوليات جديدة في عملك أيضًا، وفي الوقت نفسه؛ تعلَّمْ مهاراتٍ جديدة يمكن إبرازها في سيرتك الذاتية.
إنَّ معرفة أنك تتخذ خطوات لإثبات مهنتك في المستقبل قد يساعد في تقليل القلق من عدم اليقين الوظيفي أيضًا.
شبكات التواصل:
إذا كنتَ لا تستفيد من الشبكات، فقد حان الوقت للبدء في بناء علاقات مع الأشخاص والمؤسسات التي يمكن أن تساعدكَ إذا كنت بحاجة إليها في أي وقت.
اعتن بنفسك:
إن تناول الطعام الصحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وقضاء حياة خارج المكتب؛ كلها أمور ضرورية إذا كنت ترغب بإتمام عملك على نحو جيد.
كن مستعدًّا:
إذا حدث الأسوأ تأكد أنَّ سيرتك الذاتية مُحدَّثة وأنك مستعد لتقديم طلب للحصول على وظيفة جديدة في أية لحظة.
ادَّخر:
يقلق الجميع بشأن كيفية تعاملهم مع المال إذا فقدوا وظيفتهم فجأةً، لذلك حاوِلْ تجميع المبلغ الذي ستحتاجه لتمويل نفقات المعيشة مدَّة ثلاثة أشهر، وقد لا يكون الأمرُ سهلًا، ولكن امتلاك احتياطي جيد من المال قد يمنحك بعض الراحة في حال استُغنيَ عنك في العمل.
إعداد: Sanaa Qrytem
مصادر المقال
هنا
هنا---
هنا
هنا#!
هنا
هنا