العلاج بالتعرض للتحرر من اضطراب ما بعد الصدمة
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
يُعدُّ اضطراب ما بعد الصدمة (Posttraumatic stress disorder (PTSD أحدَ أنواع اضطرابات القلق (anxiety disorder)، وقد يُصاب به الشخص بعد حدثٍ مُهدّدٍ للحياة أو مُخيفٍ بشدّة. حتى إن لم يكن الشخص متورّطاً في هذا الحدث مباشرةً، فإن الصدمة قد تكون كبيرةً إلى درجةٍ يصعُب معها مواصلة الحياة الطبيعية.
قد يعاني المصابون باضطراب ما بعد الصدمة الأرقَ، وومضات ذكريات flashbacks، تقديراً منخفضاً للذات، والكثيرَ من المشاعر المؤلمة والمزعجة.
قد يشعر المصاب أنه يعاود معايشة الحدث باستمرار، أو قد يفقد الذاكرة تماماً في ما يتعلّق بالحادث. وقد يظنُّ المصاب أنه لن يستعيد وقع حياته الطبيعية أبداً.
وربما يكون من الصعب جداً التعامل مع الأحداث الصادمة، ولكنّ مواجهة المشاعر وطلب المساعدة المهنية تُعدُّ غالباً الطريقة الوحيدة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة بفعالية.
من الممكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بنجاحٍ حتى بعد سنواتٍ عديدةٍ من وقوع الحدث أو الأحداث المسبّبة للصدمة، ما يعني أن الأوان لم يفُت لطلب المساعدة.
الانتظار اليقظ Watchful waiting
إذا كنت تعاني أعراضاً خفيفةً لاضطراب ما بعد الصدمة، أو أعراضاً لمدّةٍ تقلُّ عن 4 أسابيع، فقد يُوصى باتّباع ما يُسمّى الانتظار اليقظ.
ينطوي الانتظار اليقظ على متابعة الأعراض بعنايةٍ لمعرفة ما إذا كانت تتحسّن أو تسوء، ويُوصى بها في بعض الأحيان لأن شخصين من كلِّ ثلاثة أشخاصٍ ممن يعانون مشاكل بعد تجربة الصدمة، يتحسّنون في غضون بضعة أسابيع دون علاج.
العلاجات النفسية Psychological therapies
إن كنت تعاني من حالةٍ تتطلّب العلاج من حالات اضطراب ما بعد الصدمة، فعادةً ما يكون العلاج النفسي هو ما يُوصى به أولاً، وقد يٌوصى بمزيجٍ من العلاج النفسي والدوائي في حال كنت تعاني اضطرابَ ما بعد الصدمة الحادّ أو المستمر.
منها:
العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive behavioural therapy (CBT:
العلاج السلوكي المعرفي هو نوعٌ من العلاج يهدف إلى مساعدتك في إدارة مشاكلك عن طريق تغيير طريقة تفكيرك وسلوكك.
يستخدم العلاج المعرفي السلوكي الذي يتناول الصدمة مجموعةً من التقنيات النفسية لمساعدتك على التأقلم مع حدث الصدمة.
يُعدُّ التعرّض (Exposure) خطةً فعّالةً وناجعةً لإحداث التغيير المعرفي والسلوكي للمصاب، ويمكن أن يؤدّي إلى شفاءٍ طويل الأمد من اضطراب ما بعد الصدمة.
علاج التعرّض طويل الأمد: (Prolonged Exposure Therapy (PE
إذا كنت تتجنّب الأشياء التي تذكّرك بحدث الصدمة، فإن العلاج بالتعرّض الطويل الأمد سوف يساعدك على مواجهتها.
يشتمل العلاج على 8 إلى 15 جلسة، مدّة كلٍّ منها عادةً 90 دقيقة.
في بداية العلاج، سوف يعلمك المعالج تقنيات التنفّس لتخفيف القلق عند التفكير في ما قد حدث ولاحقاً سوف تضع قائمة الأشياء التي كنت تتجنّبها وسوف تتعلّم كيف تواجهها. ويليها سرد تجربة الصدمة إلى معالجك يتلوها بعض التعليمات التي يوصيك بها المعالج لاتباعها في المنزل.
التعرّض التخيلي Imaginal Exposure
يشير التعرّض التخيلي إلى عملٍ مطوّلٍ ومتكرّرٍ في إعادة محاكاة ومعالجة ذكرى الصدمة.
عادةً يؤدّى ذلك في جلساتٍ بزيادات 30-45 دقيقة عن الجلسة السابقة، يُوجّه خلالها المصاب من قِبل المعالج لمحاكاة سرد الصدمة بالتفصيل.
(Narrative exposure therapy (NET وهو ما يُسمّى بالعلاج بالتعرّض السردي:
ينطوي العلاج بالتعرّض السردي على جعل المريض يعيد سرد القصّة الكاملة للصدمة باستخدام الزمن المضارع، متضمِّناً أكثر ما يستطيع تذكّره من تفاصيل الحدث، وما كان يحيط به، والمشاعر والأفكار المرتبطة به.
وعندما يكمل المريض إعادة محاكاةٍ واحدةٍ كاملةٍ لسرد الصدمة، يُطلب منه البدء من جديدٍ منذ البداية، ويُكرَّر ذلك عدّة مرّاتٍ على مدار الجلسة.
إحدى الوظائف الرئيسية لهذا التكرار تقليلُ الاستجابة للخوف بالاستعانة بعملية الإخماد extinction processes. يهدفُ العلاج بالتعرّض السردي إلى تسهيل عملية تحويل ذكريات السيرة الذاتية المرتبطة بالحدث الصادم إلى شهادةٍ سرديةٍ مترابطة، ومن خلال هذه العملية تُحلَّل العواطفُ المؤلمة بطريقةٍ موجهةٍ تُسهّل الشفاء العاطفي من الصدمة.
باستخدام إعادة المحاكاة يساعد المعالج على توجيه المريض نحو اكتشاف أكثر نواحي الذاكرة إثارةً للمشاعر، بواسطة طرح أسئلةٍ تحقيقيةٍ مُصمَّمةٍ لاستخراج المشاعر والأفكار.
يتحوّل التركيز خلال جلسات إعادة المحاكاة إلى أكثر جوانب الذاكرة إثارةً للحزن، والتي تُدعى بالنقاط الساخنة (Hot spots). وبعد كلِّ تعرّضٍ تخيّليٍّ توجد فرصةٌ لمعالجة تجربة الصدمة. ويتحدث المريض والمعالج عن الكيفية التي جرى بها التعرض ويناقشون أية أفكارٍ أو معتقداتٍ لا فائدة منها قد تنشأ خلال التعرض.
قد يساعدك المعالج على التحكّم في الخوف والحزن عن طريق تغيير الطريقة السلبية التي تفكّر بها في تجربتك (على سبيل المثال: الشعور بأنك المسؤول عن ما حدث، أو الخوف من تكرّر الحادث.).
من الميّزات المهمّة لعلاج التعرّض السردي أن معالجة الصدمة لا تشكّل أبداً حدثاً معزولاً؛ إذ إنها دائما ما تتضمّن في سياقها الحدث الصادم وقصّة الحياة عامةً.
وفقًا لتوجيهات المعالج، يكوّن المريض سرداً زمنيّا لحياته مع التركيز تحديداً على فترة الصدمة. في البداية، يُرسَم شريطُ الحياة، وهو يتألّف من حبلٍ وورود (الأحداث السعيدة)، ومن أحجار (الأحداث الصادمة)، وأحياناً الشموع (الحزن)، ومؤخراً استُخدمَت العصيُّ أيضاً للإشارة للأحداث العدوانية. تُرسَم هذه الرموز على طول الحبل وفق ترتيبٍ زمني. ويلي ذلك- في جلسات العلاج التالية- معالجة شريط الحياة وفق ترتيبٍ زمني مع إيلاء الانتباه إلى كلِّ الأحداث المهمّة التي عاشها الشخص في حياته، بنوعيها: الأليمة والسعيدة. ويُختَم السرد على شكل شهادةٍ مكتوبة.
التعرّض في وَسَطٍ حيّ /In vivo Exposure:
هي طريقةٌ منهجيةٌ في التفاعل مع مُذكّرات (آمنةٍ في البيئة موضوعياً) على الصدمة، وذلك بواسطة العمل على تسلسلٍ هرميٍّ للصعوبة والاضطراب المميّزَين مسبقاً.
عادةً يعمل المعالج والمريض معاً- قبل التعرّض التخيلي والاستمرار في الجلسات المتبقية- لتحديد المواقف التي يتجنّبها المريضُ باستمرار، التي يعي المريض أهمية قدرته على التعامل معها.
غالباً ما تستهدف هذه الحالات موضوعاتٍ كتحسين الأداء الشخصي أو المهني للمريض في كلِّ جلسة، ويتعرّف المعالج والمريض على المواقف التي يجب التعامل معها، ويُطلَب من المريض التعامل مع هذه المواقف كواجبٍ منزليٍّ خارج الجلسة، مع مراقبة مستويات الضيق والشدة.
كما هو الحال مع التعرّض التخيّلي، ينتقل تركيز التعرّض في الواقع -طوال فترة العلاج- إلى الأنشطة والحالات الأكثر إثارةً للقلق.
يُعدّ التعرّضُ التخيّلي والتعرّض في وسطٍ حيٍّ الأداة الأساسية للحدّ من تجنّب المريض للذكريات والعواطف والمواقف، ولتصحيح الأفكار والمعتقدات غير المفيدة عن الذات والآخرين والعالم، التي تُبقي اضطراب ما بعد الصدمة قائماً. من خلال هذه العناصر تقلُّ استجابةُ الخوف وينشأ تعلّمٌ تثبيطيٌّ جديدٌ حاسمٌ يتضمّن تغيير المعتقدات.
مهما بدت الصدمة والاضطراب الذي يليها حدثاً مؤلماً وعسيراً؛ فإن الأوان لم يفت أبداً لتصحيح ذكراها والتحرّر التدريجي منها لاستعادة حياةٍ طبيعيةٍ مجدّداً بمساعدة العلم و مختصيه.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا