لماذا يتعفن طعامنا؟ الرطوبة والنشاط المائي في علوم الأغذية
الغذاء والتغذية >>>> رحلة الغذاء
النشاط المائي Water Activity:
ويعرَّف بأنَّه النسبة بين ضغط بخار الماء في الغذاء (P) وضغط بخار الماء النقي (P0) في الظروف نفسها، وكما ذكر أعلاه، هو مقياس يعبر عن مدى توفر الماء للتفاعلات البيولوجية ويسمح بالتنبؤ فيما بإمكانية انتقال الماء من المادة الغذائية إلى خلايا الأحياء الدقيقة التي قد تكون موجودة فيه، وكلما كانت قيمته منخفضة في غذاءٍ ما انخفضت قدرة الأحياء الدقيقة على النمو في هذا الغذاء.
ويعد اختبار النشاط المائي على درجةٍ كبيرة من الأهمية، فهو يفيد في معرفة مدى سلامة الغذاء واستقراره في أثناء فترة صلاحيته وتخزينه، في حين يكون اختبار الرطوبة ضروريًا عند الرغبة معرفة الوزن الجاف للمادة الغذائية أو المكون الغذائي وحساب الوارد الفعلي وتحديد نقطة نهاية عملية التجفيف.
تتراوح قيمة النشاط المائي بين 0 و1، علمًا أن القيمة 1 خاصةٌ بالماء النقي، وتتأثر بعدة عوامل منها ارتفاع درجة الحرارة التي تسبب تغيرًا طرديًا نتيجة التغيرات التي تطرأ على خواص الماء، مثل قابلية ذوبان المادة المنحلة فيه، كذلك يتأثر النشاط المائي بعمليات التجفيف (أو نزع الماء فيزيائيًا) والتجميد، وإضافة المواد الذوابة مثل السكر والملح.
تبلغ قيمة وسطيًا قرابة 0.2 للأطعمة الجافة و0.99 للأطعمة الرطبة، وعند ضرب تلك القيمة بـ100 يحصل المرء على الرطوبة النسبية المتوازنة ERH أو رطوبة التوازن النسبية؛ وهي الرطوبة التي تُنتجها المادة الغذائية عند وضعها في عبوة محكمة الإغلاق غير مفرَّغة من الهواء وعند درجة حرارة ثابتة.
تحدثنا عن النشاط المائي، لكن ما علاقته بالرطوبة الكلية؟
ترتبط الرطوبة مع النشاط المائي بعلاقةٍ معقدةٍ تتوسطها الرطوبة النسبية للغذاء، وفي الواقع لا يمكن تحديد مدى سلامة غذاء ما أو التنبؤ بفترة صلاحيته من خلال معرفة نسبة رطوبته فقط، بل لا بدَّ من مؤشرٍ آخر أكثر دقة. ويؤكد ذلك الاختلاف بين المصطلحين أن الأغذية التي تمتلك الرطوبة نفسها قد لا تمتلك النشاط المائي ذاته، ومن الأمثلة على ذلك السلامي و ولحم البقر المطبوخ، إذ يمتلك كلاهما رطوبةً قدرها 60% لكن النشاط المائي في السلامي يبلغ 0.82 تقريبًا في حين يرتفع إلى 0.98 في لحم البقر المطبوخ.
وفيما يأتي بعض الأمثلة عن قيمة النشاط المائي والرطوبة لبعض الأغذية.
Image: syr-res
عمليًا، تمتلك معظم الأغذية نشاطًا مائيًا أكبر من 0.95، وتكمن المشكلة في أن أغلب أنواع البكتيريا والفطور والخمائر تنمو في ذلك المجال بل وتفضله أيضًا، وهو ما يؤكد على أهمية تحديد قيمة النشاط المائي عند وضع خطة نظام تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة HACCP. ويوضح الجدول الآتي قيم النشاط المائي الملائمة لنمو الأحياء الدقيقة المختلفة.
Image: syr-res
ونظرًا لما سبق، فإن تجفيف الأغذية (سحب الماء منها) يسهم في إطالة فترة حفظ الغذاء نتيجة الحد من الماء المتاح لنمو الكائنات الحية الدقيقة التي تسبب فساد الأغذية أو الإصابة بالأمراض. ويتبين من الجدول السابق أنَّ نمو معظم الفطور يتطلب نشاطًا مائيًا أقل من البكتيريا والخمائر، علمًا أن هنالك بعض الأنواع القليلة من الفطور والخمائر التي تصنف من الأحياء القادرة على النمو في الأغذية الجافة Xerophilic moulds والخمائر المحبة للضغط الأسموزي العالي Osmophilic yeasts والقادرة على النمو في نشاط مائي منخفض جدًا قد يصل إلى 0.60.
التنبؤ بفساد الغذاء؟
يعد التنبؤ بمعدل نمو البكتيريا والخمائر والفطور أكثر تطبيقات النشاط المائي أهميةً، وخصوصًا فيما يتعلق بالأغذية التي تخزَّن دون تبريد. ولا بدَّ هنا من أخذ عاملٍ آخر بالحسبان؛ وهو درجة الحموضة pH، إذ تضمن هاتان الخاصيتان سلامة المُنتَج ميكروبيًا وخصوصًا عند الجمع بينهما.
وتحتل الأطعمة المنخفضة الحموضة أهميةً خاصةً في هذا المجال، إذ تتصف تلك الأغذية بكونها ركيزةً سهلةً لنمو الكائنات الحية الدقيقة على عكس الأغذية الحامضية التي يعد محتواها من الحموض عامل حمايةٍ لها، لذا فقد كان لا بدَّ من أخذ الحيطة في الأغذية التي تقل درجة حموضتها pH عن 4.5 وخصوصًا إذا كان نشاطها المائي أكثر من 0.86، إذ يمكن أن تكون مصدرًا للعديد من أنواع البكتيريا المسببة للتسممات الغذائية مثل المكورات العنقودية الذهبية Staphylococcus aureus والمطثيات الوشيقية Clostridium botulinum اللذان يصادفان في الجبن والسجق المخمر عند تخزينهما في درجات حرارة عالية نسبيًا.
أخيرًا، من الجدير بالذكر أن مراعاة سلامة مكونات الغذاء أولًا وظروف تصنيعه ثانيًا يعدَّان من أهم العوامل المؤثرة في سلامة المنتج النهائي، وتشكل هذه الخطوات معًا الوسيلة الأهم في الحصول على منتجٍ ذي فترة صلاحية طويلة وخاليةٍ من حالات نمو الاحياء الدقيقة من بكتيريا وخمائر وفطور بما يتلاءم مع خصائصه ومواصفاته.
المصادر:
هنا;
هنا