السندات الخضراء الصديقة للبيئة
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
شهدت أسواقُ المال تطوُّرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وتحوَّلت من أسواقٍ تُعرَك بمستثمرين لم يهتموا بما تدعمه استثماراتُهم (أي همُّهم تحقيق المكاسب فحسب) إلى أسواق باتت الغايةُ فيها عنصرًا ذا أهمية. ومن هنا نشأت الحاجة إلى وجود ما يُطلَق عليه اليوم "السندات الخضراء".ما السَّندات الخضراء؟
السندات الخضراء هي السندات المخصصة للاستخدام في المشاريع التي تهدف إلى حماية البيئة والمناخ، وتدعم السندات الخضراء الطاقةَ المستدامة وأنواعًا أُخرى من المشاريع البيئية المتعلقة بالمناخ؛ إذ تموّل السندات الخضراء المشاريعَ التي تهدف إلى كفاءة الطاقة ومنع التلوُّث ودعم الزراعة والغابات والأنظمة البيئية البرية والمائية والنقل النظيف والإدارة المستدامة للمياه ودعم التكنولوجيات الصديقة للبيئة.
وتأتي السندات الخضراء مع حوافز ضريبية مثل الإعفاء الضريبي والائتمانات الضريبية، مما يجعلها استثمارًا جذابًا مقارنةً بالسند الخاضع للضريبة القابل للمقارنة، فيوفر دفعًا ماليًّا لمعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية البارزة مثل التغير المناخي، ويحفّزُ التحرُّكَ نحو مصادر الطاقة المتجددةِ وحماية الغابات ودعم التشجير وغيرها من الأنشطة البيئية.
وقد أصبح اسمُ "الاستثمار الواعي اجتماعيًّا" أكثر شيوعًا بين المستهلكين، وهو يمثلُ استثمارَ الأموال في الشركات التي تتخذ القرارات بوعي اجتماعي، وتعزّز الجهودَ المبذولة لحماية البيئة بسبب زيادة الوعي البيئي والتمويل الفيدرالي الأكبر للطاقة البديلة والبرامج البيئية الأخرى.
مَن المسؤول عن إصدار السندات الخضراء؟
البنك الدولي هو المصدر الرئيس للسندات الخضراء، إذ بلغت إصداراتها (500) مليون دولار في الولايات المتحدة وحدَها، وفي عام 2017 ارتفعَ إصدار السندات الخضراء إلى مستوىً قياسي، إذ بلغ حجم الاستثمار (161) مليار دولار في جميع أنحاء العالم وفقًا لتقرير صادر عن وكالة التصنيف الائتماني موديز. وتُعزى الزيادة الكبيرة في الإصدارات إلى المقترضين الصينيين، الذين يمثلون (32.9) مليار دولار من المجموع، أو أكثر من ثلث جميع الإصدارات. لكنَّ الاهتمام بهذا النوع من السندات كانَ عالميًّا، إذ كان كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الريادة أيضًا.
تموّلُ السنداتُ الخضراءُ التابعةُ للبنك الدولي مشاريعَ متنوّعة في أنحاء العالم؛ مثل مشروع (Rampur) للطاقة الكهرومائية في الهند، الذي يهدف إلى توفير الطاقة الكهرومائية المنخفضةِ الكربون لشبكة الكهرباء في شمال الهند.
وقد تطوّرت سوق السندات الخضراء من سوقٍ يهيمن عليها البنك الدولي إلى سوقٍ تشملُ مجموعة متنوعة وواسعة النطاق من المصدّرين مثل الشركات الخاصة والبنوك والحكومات.
هل تستحق السندات الخضراء الاستثمارَ بها؟
قد لا يبدو الاستثمارُ في الشركات الصديقة للبيئة مُغريًا للمستثمرين الذين يركّزون على الربح، فقد يشعرون بالقلق من أنَّ تبني ممارساتٍ صديقة للبيئة قد يضرُّ بسعر سهم الشركة، إلَّا أنَّ الاهتمام باستدامة الشركات المُقيَّدة بالمعايير البيئية والاجتماعية يمكن أن يُحسّن بالفعل من سعر السهم؛ إذ يرى رافي جاغاناثان (Ravi Jagannathan) أستاذ العلوم المالية في جامعة كيلوغ للإدارة في بحثه العلمي أنَّ الشركات التي تحظى بدرجة عالية من الحوكمة تعمل على نحو أفضل، وأنَّ المستثمرين أصبحوا يهتمّون بالشركات الصديقة للبيئة ولا سيما في عصر التواصل الاجتماعي، إذ يمكن للمستهلكين التواصل بسهولةٍ أكبر وذمّ الشركات وفضح ممارساتها المضرّة، ويتوقع جاغاناثان أنَّ القوانين البيئية الجديدة ستصبح أكثر صرامة مما كانت عليه في الماضي.
ووفقًا لدراسة نشرتها جامعة واشنطن؛ فإنَّ "الاستثمار الأخضر" له تأثيرٌ على الشركات غير البيئية أيضًا، فالشركات الملوّثة تحصل على عدد أقل من المستثمرين، ممَّا يزيد من تكلفة رأس المال. ويُعتقَدُ أنَّه إذا استمر الضغط من ارتفاع تكلفة رأس المال فإنَّ الشركات الملوثة سوف تستثمر في طرائق لخفض الانبعاثات، ومن ثَمَّ تصبح "أكثر خضرة".
هل تتفوق الشركات الصديقة للبيئة على الشركات غير الصديقة للبيئة في الأسواق المالية؟
في خلال القرن الماضي زادت الأحداث التي جعلت البشرية تفتح أعينها أمام الآثار السلبية للبشر في البيئة، وأمام إمكانية ما سيحدث إذا لم نغيّر أسلوبَ حياتنا؛ مثل إعصار كاترينا في عام 2005، نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر وتدهور الأراضي الرطبة. وأصبحَ تطبيقُ معيارِ الاستدامة مبدأً -إن لم يكن ضرورة- في عالم الشركات إذا كانت الشركة ترغب في الازدهار طبعًا، فهي تسعى سعيًا حثيثًا لتحقيق مكاسب أرباح خاصة، ولكنها في الوقت نفسه تهتم بنظرة المستهلكين والمستثمرين إليها، وبذلك ينبغي للشركات دمجُ الممارسات الصديقة للبيئة في العمليات اليومية، والاستفادةُ من تسويق هذه التطورات بطريقة تجذب المستهلكين.
ما تزال الطريق طويلة أمام السندات الخضراء، ولكن إذا كان التحرك قويًّا نحو حماية البيئة وسألَ المستثمر قبل دفع أمواله في أسواق المال:
ما هو أثر استثماراتي؟؛ فسوف تكون خطوة مهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا