مفهوم الثقافة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم الاجتماع
تكمن صعوبة تعريف الثقافة أوّلاً بتشعّبها وشموليتها؛ إذ تحتوي الثقافة كلَّ ما يتعلّق بحياة أهلها من لغةٍ مشتركة وأنماطٍ سلوكية وقيمٍ وأعرافٍ اجتماعيّة، وتشكّل الإنتاجات أو الأعمال المنبثقة من ثقافةٍ ما (كالأدب والفن والموسيقا) مكوّناً لا يقلُّ أهميّة من مكوّنات الثقافة السابق ذكرها. ثانياً؛ تُعد الثقافة مفهوماً ديناميكياً؛ مما يعني أنَّها ليست شيئاً ثابتاً عبر العصور، بل هي صيرورة تخضع للتغيير اللامنقطع طبقاً للمعاني والتصوّرات المختلفة التي تكتسبها باستمرار من أفرادها.[2]
هنا يجب أن نشير إلى أنَّ الطبقات التمتلك فائضاً من النفوذ والقوة في المجتمع تُحدِثُ تحكّماً وتغييراً غائيّاً في الثقافة، وتسعى تلك الطبقات إلى استغلال نفوذها لفرض قيمٍ وأعرافٍ تتناسب مع مصالحهم وإن كان ذلك على حساب بقيّة طبقات وأفراد المجتمع، نستنتج من ذلك أنَّ الثقافة عاملٌ مهمٌّ في إضفاء خاصيّة الهيراركية أو الهرميّة على المجتمع.[2]
الثقافة والمجتمع:
نستطيع تجاوز صعوبة صياغة تعريف دقيق للثقافة -أو كسب المزيد من الوضوح على أقلِّ تقدير- من خلال الاستعانة بالعلوم الاجتماعية، التي تَعدُّ دراسةَ الأوجهِ المختلفةَ للثقافة وتحرّيها من أهم -إن لم تكن الأهم- الأمور لفهم المجتمعات البشرية.
يرى علماء الاجتماع أنَّ الثقافة هي الحجر الأساس للمجتمع، بسبب قدرتها على تزويد بنيته بأطرٍ سلوكيّة وتنظيميّة ومعانٍ وأهدافٍ مشتركة، التي تساعد على توحيد المجتمع نسبيّاً، وعلى قولبة شخصيّته المتميّزة عن باقي المجتمعات.[1]
هنا يمكننا تشبيه الصّلة بين المجتمع والثقافة بالعلاقة بين اللغة المجرّدة والمعنى الذي نضفيه عليها؛ إذ يمثّل المجتمعُ اللغةَ ببنيتها، وتمثّل الثقافة المعنى المضاف إلى تلك البنية. ويعتقد بعض علماء الاجتماع أنَّ هناك علاقةً عضويةً متينة بين المجتمع والثقافة؛ إذ لا يمكن وجود أحدهما دون الآخر.[1]
الثقافة والإنسان:
يُنظر إلى الثقافة على أنّها من أهم ما يميّز النوع البشري عن باقي الأنواع والفصائل الأخرى، فهي تمنحنا القدرة على خلق حياة اجتماعية تتّصف بالدّقة والتعقيد الشديدين وذلك بتزويدنا برموزٍ وسبل للتواصل والفهم المشترك، وذلك بالمقارنة مع أشكالٍ أبسط من الاجتماع والتعاون عند باقي الأنواع، مثل ذلك الذي نشهده عند النحل أو النمل، على سبيل المثال لا الحصر.[3]
ويرى علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا أنَّ كل ثقافة تمتلك خصوصيّتها، مما يساهم في تكوين هويّة مميّزة للمجتمع. وهنا يكمن الاختلاف بين الثقافات؛ إذ تمنح الهويّة الثقافيّة حق العضويّة لأفرادها الذين يجسّدونها من خلال أنماط حياتهم، وفي الوقت نفسه نجد أنها تستبعد الأفراد الذين لا يتبعون تلك الأنماط، لأنهم يملكون بالأصل أنماطاً مختلفة آتية من هويّات ثقافيّة أخرى.[1][3]
الصدمة الثقافيّة:
أخيراً؛ يمكن لظاهرة الصدمة الثقافية التي يعيشها كثير من السيّاح (أو المهاجرين الذين يسافرون إلى وجهةٍ ثقافيّةٍ أول مرة) أن تبيّن لنا عمق الاختلاف بين الثقافات، وهو الذي يؤثّر كثيراً في أفرادها؛ إلى حد أنهم يختبرون صدمةً عند الوجود ضمن مكانٍ ذي طابع ثقافي مختلف عمّا هو مألوف لديهم.[1]
ومن الممكن تفسير هذه الظاهرة أنهّا شكلٌ من أشكال الاغتراب؛ إذ نجد أنفسنا في بيئةٍ مختلفة جزئيّاً أو كلّيّاً عما ألفناه مسبقاً في حياتنا اليومية ضمن ثقافتنا الأصليّة، مما يولّد شعورًا بالارتباك وعدم الرّاحة، وذلك بسبب غياب الإطار المرجعي الذي كنّا نعوّل عليه لإدراك وفهم المحفّزات السمعيّة والبصريّة وتنظيمها ضمن خرائط إدراكيّة ذات معنى.[1]
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا