التشاؤم عند شوبنهاور؛ موقف تفرضه الإرادة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة الغربية
وبهذا أقام شوبنهاور مذهبه الفلسفي الكامل على موقف التشاؤم، وراح يفسّر كل ما فيه من مظاهر تبعًا لهذا الأصل، ولكي نفهم فلسفة شوبنهاور يجب أن ندرك تعريفَه الإرادةَ، إذ إنها ليست كما نعرّفها في يومنا هذا بأنها إرادة واعية تسترشد بالعقل، بل هي -في نظره- إرادة الحياة التي تعبّر عن نفسها كاندفاع أعمى غير عاقل نحو الحياة؛ فهي أن تريد وترغب وبذلك هي الرغبات والميول التي تمتدُّ أيضًا فيما وراء الحياة الواعية لتشمل الحياة اللاواعية والطبيعة اللاعضوية كذلك.
ولا يمكن أن تصير الإرادة عاقلة ويمكن إرشادها في حالة الإنسان باستثناء من يشذ عنها مؤقتًا مثل الفنان المبدع أو الزاهد؛ لأن عقل السواد الأعظم من الناس يكون تابعًا للإرادة في خدمتها؛ أي إننا لا نريد شيئًا لأننا وجدنا أسبابًا له، وإنما نجد أسبابًا له لأن الإرادة تدفعنا نحوه.
صور البعض تشاؤم شوبنهاور على أنه سيكولوجي، كما لو كان حالة غير سوية تخص مزاج صاحبه؛ لكن في الحقيقة هو تشاؤم ميتافيزيقي؛ وهي حالة مرتبطة برؤية وفهم العالم والوجود في مجمله رغم ما يأتينا فيه من خيرات واستمتاعنا بها، فإذا كان العالم عبارة عن إرادة، فلا بدَّ من أن يكون عالم عناءٍ وآلامٍ، وذلك لأن الإرادة ذاتها تدلُّ على الحاجة وإشباع الحاجة باستمرار دون توقّف، أي إن الرغبة المدفوعة من الإرادة لا تنتهي مقابل هذا الإشباع المحدود القاصر على إيقافها.
وقد يخيّل أن عملية الإشباع لرغبة ما تقتضي السعادة، لكن في ظل الإرادة المندفعة فإن كل رغبة تُحقَّق تخلق رغبة جديدة، وهكذا إلى ما لا نهاية، وليست اللذة المحقّقة من إشباع الرغبة إلّا وقفًا سلبيًّا للألم؛ فتأتي اللذة بين حالتين، حالة الألم قبل أن تُدرك، وحالة الملل بعد أن تُشبع، وكلتا الحالتين عذاب.
المصادر:
[1] غريزي، وفيق. (2008). شوبنهاور وفلسفة التشاؤم. (ط.1). بيروت-لبنان: دار الفارابي. صـ 138-141
[2] شوبنهاور، آرتور. (2006). العالم إرادة وتمثيلاً (المجلد الأول). ترجمة وتقديم وشرح: توفيق، سعيد. مراجعة عن النص الألماني: مسعود، فاطمة. (ط.1). مصر: المشروع القومي للترجمة/العدد 1075. صـ 11 - 12