فقدان التنوع الحيوي كارثة مرتقبة تدقُّ جرسَ الإنذار
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم الأرض
تتعالى الأصوات التي تُنادي بخطورة الظروف البيئية الحالية التي تسودُ كوكبَ الأرض من زيادة نسبة الغازات الدفيئة والتغير المناخي انتهاءً بحالات الانقراض النوعية المتزايدة، ويسلّمُ كثيرٌ من العلماء عبر الأدلّة بدخولِ الحياة على الأرض مرحلةَ الانقراض البيولوجيّ السادس من خلال موجةٍ جديدةٍ من الخسائر تمرُّ بها اليوم. فبعد انقراض قرابة 30% من الأجناس البحرية سابقاً؛ تشيرُ التوقّعات إلى أن 25-50% من الأنواع والأجناس الحالية في طريقها إلى الانقراض، وهذا ليس بجديد خصوصاً بعد انخفاض التنوّع الحيوي على الأرض خمس مرات؛ حدثَ ثلاثة منها في خلال الثلاثمئة مليون عام الماضية؛ وشكّل كلٌّ منها إشارةً للدخول في حقبة جيولوجية كبرى جديدة (1).
ولا يُعفَ الإنسان -بنشاطاتِه المختلفة- من مسؤوليّته فيما يُسبِِّبه من تعدِّياتٍ على موائل الكائنات الحيّة، فتمثِّل إحدى غاباتِ (Costa Rica) شاهداً على التراجع الكبير في تنوُّعها الحيويّ، حيث اختفى كاملاً قرابة 40% من أنواع الضفادع فيها، بعدَ أن طالَتها عواقب الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي وحرمتها من موائلِها نتيجةً لتراجع السحب وتجفيف البيئات الجبليّة؛ مما جعل البرمائيات أكثر عرضةً للإصابة بالفطريات والطفيليات التي تنشط في البيئات الدافئة والجافة غالباً، أيضاً تسبب انقراض أنواع من الحشرات في تعطيل آليات التأبير والإلقاح وانتشار بذور بعض الأنواع النباتية وانقراضها (2).
جديرٌ بالذكر أيضاً تأثير الصناعات وإنتاجها للعلاجات الطبية المزعومة من مكونات عضوية للحيوانات البرية كالأقراص الطبية المستخلَصة من قرون وحيد القرن وهي التي يدَّعي منتجوها أنها تشفي من أمراض عديدة معقّدة كالسرطانات والنزيف الدماغي -على سبيل المثال لا الحصر-؛ الأمر الذي تسبَّب بانقراض وحيد القرن الأبيض في وقت سابق من عام 2018. كذلك تستنزِفُ صناعاتٌ أخرى جماعاتِ النمور لدوافع مشابهة، فتستخدِمُ عظامها المسحوقة في صناعة الأقراص ظناً أنها قد تشفي من الروماتيزم (3)؛ مما يُسبِّب انقراض هذه الكائنات الحية مُجتمعةً مع استحالة تعويض فقدانها، ويمكن عدُّ ذلك مؤشراً قوياً على إمكانيّة حدوث خللٍ في المستقبل القريب في توازن العناصر الرئيسة لنظام الأرض، وبذلك عدم قدرة الكائنات على الحصول على حاجاتها الغذائية وحدوث انهيار في الهرم الغذائي والنظام البيئي في كثير من المناطق والنظُم الطبيعية في أنحاء العالم.
وتتأكَّد هذه الخسائر اليومية على مستوى العالم، وفقاً لما جاء في تقرير المنبر الحكوميّ الدوليّ المشترَك للعلوم والسياسات في مجال التنوَع الحيويّ وخدمات النظُم البيئيّة عام 2019 - الذي يعدُّ أشمل تقرير للحياة على سطح الأرض-، وبناءً على مراجعةٍ منهجيّةٍ لقرابة 15000 تقرير علميّ وحكوميٍّ؛ وجودَ مليون نوعٍ حيٍّ مُهدّدٍ بالانقراض حالياً (4).
من المثير للدهشة وعلى الرغم من الخطرِ المُحدِقِ بالتنوّع الحيويّ العالمي؛ أن كلّ المعنيّين بهذا التدهور -غير القابلِ للعكس- لم يواجهوا المسألة بجدّيّةٍ بعد، ولم يدركوا أنه يتعيّن عليهم جميعاً على وجه السرعة وفي البلدان الصناعية خاصةً، مراعاةَ التنوّع الحيويّ بمكوّناته كافة خوفاً من تدميره، واتباعَ سياساتِ المناخ الآمنة الخاصة ببلدانهم للحدِّ من آثارها السلبيّة عالمياً وإنقاذ كوكب الأرض.
المصادر: