مراجعة رواية (سلالم الشرق): ما بين لهيب الحرب ولوعة الأمل
كتاب >>>> روايات ومقالات
وقد حصل على عدة جوائز في مسيرته الأدبية، وكان آخرها وسام الاستحقاق الوطني برتبة (ضابط كبير)، والذي تقلَّده من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2020 تقديرًا لجهوده في مجال الأدب والمعرفة هنا.
تدور أحداث الرواية حول حياة عصيان أو أوسيان، وهو لبناني المنشأ تركي الأصل فرنسي الهوى، وتنحدر سلالته من أحد السلاطين المخلوعين للدولة العثمانية في نهاية حكم تلك الدولة، ولكنَّه وُلِد في جبل لبنان.
أما حكاية اسمه الغريب (عصيان) فهي تعود إلى روح والده التي تنزع إلى الثورة فأطلق على ابنه هذا الاسم، وهو ما يخالف المعتاد عادة؛ إذ يميل الأبناء إلى الحرية، أما الآباء فيتمسكون بالتقاليد.
أما عصيان كان على النقيض من والده أيضًا، فهو يميل إلى السلام والهدوء، ولكنَّ الأيام أثبتت له عكس ذلك عندما أراد أن يبتعد عن سلطة والده أبعد ما يمكن لدراسة الطب في فرنسا، وبعد اشتعال نار الحرب العالمية الثانية وجد نفسه ينخرط في صفوف المقاومة تحت اسم حركي (باكو) ضد الماريشال بيتان وميليشيا الغوستابو ليتحوَّل إلى بطل قومي تدريجيًّا، ويُستقبل في موطنه بعد نهاية الحرب استقبال القادة.
وكما كان اشتعال نار الحرب اشتعل قلبه بالعشق تجاه ناجية نمساوية من المحرقة (كلارا).
ويقدم الكاتب روايته بأسلوب مختلف فهو يجعل الشخصية الرئيسة تسرد الحكاية دون تدخل مباشر منه، فالقصة للراوي عصيان، ولكنَّ اختيار الكلمات لمعلوف؛ إذ يلتقي الكاتب في باريس مع رجل في عقده السادس أو السابع يبدو مألوفًا بالنسبة إليه أو قد تعرَّف إليه عن طريق صورة قديمة، فيثيره الفضول ليتقرَّب منه بطريقة لا تثير الشك ويحاول بأسلوب مهذب أن يعرف ما هي حكايته، فمن الواضح بأنَّه ليس فرنسيًّا على الرغم من طلاقته باللغة الفرنسية.
وينتهي بهما المطاف صديقان مدة أربعة أيام متواصلة ويقودهما الحديث عن امرأة فقدت رشدها بعد رؤيتها لمشهد والدها يسبح في دمائه، وعن رجل يعشق العلم والنقاش العلمي في أحدث الاختراعات العلمية متميزًا بفكر تقدمي يسبق زمانه، فقد قدَّم التعليم لابنته البكر وقدَّمه لابنه عصيان وأخيه الصغير أيضًا، وكاد ولعه وصديقه بآلة التصوير حينها أن يقضي عليهما إبان المجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن؛ مما أجبر كليهما على الرحيل عن موطنهما، فاتخذت حياة كل منهما مجرى مختلف، ثم يتحول الحديث عن قصة الحب التي جمعتهما في زمن حروب الغرب وكادت تقضي عليها حروب الشرق حين اعتقد الحبيبان بأنَّ الحب وحده كفيلٌ بأن يحل محلَّ الحقد والكراهية، وحاول كل منهما أن يثبت صحة وجهة نظرهما على الرغم من هشاشة المشاعر أمام آلة الموت، ففرقتهما حينًا، ثم وجد عصيان نفسه أسيرًا في مكان هو ليس بسجن وليس بمنزله، واستهلك منه عشرين عامًا إلى أن تمكنت ثمرة الحب أن تصل إليه وتنقذه.
إنَّ معلوف يتميز في رواياته بأنَّه يضع يده على مكامن حساسة في الصراع ما بين الشعوب، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ويقدم وجهة نظره بطريقة موضوعية وذلك عن طريق الحكايات التي يقدمها في رواياته، فهو قد هاجر من لبنان في أثناء فترة الحرب الأهلية، وكانت المنطقة حينها -وما زالت- ترزح تحت وطأة الصراع الاستيطاني الذي يقوده الكيان الصهيوني ضد دولة فلسطين، والذي أثَّر بدوره في دول المنطقة كافةً، وفي هذه الرواية كان تجسيد العلاقة بين مسلم ويهودية رسالة للتعايش السلمي في المنطقة الذي يمثل وجهة نظر معلوف. وفي مختلف ما قدمه يخرج معلوف في كل مرة بعمل أدبي غاية في الإتقان والروعة، فهو يستخدم لغة سهلة غير متكلفة بعيدة عن المصطلحات المعقدة، ولا يبالغ في عنصر التشويق بل يصوغه بتروٍ دون أن يدخل في متاهات الملل لدى القارئ، ويبتعد في الوقت ذاته عن المفاجآت الصادمة في أحداث الرواية، ويعتمد على الرومانسية والتطور المتهادي لمجريات الحكاية.
معلومات الكتاب:
معلوف، أمين.(1998). سلالم الشرق. ترجمة: مصطفى، منيرة. (ط2). سوريا- دمشق: دار ورد للطباعة والنشر. عدد الصفحات: 240