الخوف من النجاح
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
لكن بالنسبة إلى المجتمع اليوم، فإنَّ الفشل أمرٌ غير مقبولٍ غالباً؛ فنحن نُشجَّع على الابتكار من دون هدرٍ للوقت أو المال، وعندما نفشل قد نُعاقَب من قبل الموظفين أو الشركاء أو الأهل. إنَّ كلَّ هذه التجارب السلبية تقود إلى الخوف (2).
الخوف:
إنَّ الخوف أمرٌ معقدٌ على نحوٍ لا يُصدق، فبعض المخاوف تكون نتيجةً للتجارب أو للصدمات، إضافةً إلى دور القلق في تطوير الخوف من الخوف، في حين يميل معظم الناس إلى اختبار الخوف فقط من خلال موقفٍ سابقٍ مرعبٍ أو فيه تهديد.
كذلك فإنَّ الاستجابة العاطفية للخوف أمرٌ شخصيٌّ للغاية، لأنَّ الخوف ينطوي على بعض التفاعلات الكيميائية ذاتها الموجودة في أدمغتنا، مثل المشاعر الإيجابية (السعادة والإثارة). فإنَّ الشعور بالخوف في ظل ظروفٍ معينةٍ يمكن عدُّه مَرِحاً مثلما هو الحال عندما تشاهد أفلاماً مخيفة، إضافةً إلى كون بعض الناس مدمنين على الأدرينالين، إذ يزدهرون في الرياضات القاسية وغيرها من حالات الإثارة التي تثير الخوف. في حين يتجنب البعض الآخر المواقف المسببة للخوف بأيِّ ثمن، ويختلف رد الفعل الجسديّ من شخص إلى آخر، إذ يُصنِّف الجسد الخوفَ على أنه إمّا ايجابي وإما سلبي اعتماداً على الشخص ذاته (3).
الخوف من النجاح:
يرغب كثيرٌ من الناس في النجاح لأسبابٍ حقيقيةٍ لديهم، لكنهم يخشون المجهر الذي سيكونون تحته إذا ومتى تحقق هذا النجاح (4)، إذ من المفترض أن الذين يملكون رغبةً قويةً في النجاح حقيقةً، يعانون خوفاً من الفشل، وفي هذا الافتراض حسٌّ منطقيٌّ عالٍ، لكون تحقيق النجاح هو نقيض الفشل.
إلّا أنَّ الخوف من النجاح يرتبط أيضاً بمستوى التحكم الذي يعانيه الشخص في حياته، فأولئك الذين يشعرون بقوى خارجيةً تتحكم بهم يميلون إلى الخوف من النجاح، ربما لأنهم لا يشعرون بأنَّ نجاحهم قد تحقق، وذلك لخوفهم من أن تأخذ هذه القوى الخارجية نجاحاتهم منهم (2).
وفي تجربتين لقياس شدة الخوف من النجاح، التي ضمت بالتجربة الأولى (67 ذكر و85 أنثى) أعمارهم أربعة عشر وخمسة عشرعاماً، كتبوا ثلاث قصصٍ تمثل الرابط وعدمه بين الجنس والنجاح والقلق من نتائج النجاح السلبية، ووصفت قصصهم بمحتوى سلبي. وفي التجربة الثانية التي ضمت (29 أنثى) أعمارهن أربعة عشر وخمسة عشر عاماً، عُرض لهنَّ فيلم يحمل معلوماتٍ إيجابيةً عن نشاطٍ محددٍ لا علاقة له بالجنس، وقيسَ الخوف من النجاح بعد يومين، فتبيَّن أن عرض الفيلم أدى إلى تغيراتٍ إيجابيةٍ طويلة المدى في محتوى القصة، لكن ليس في القلق من نتائج النجاح السلبية (1).
المشاعر مرتبطةٌ بالخوف من النجاح:
يرتبط الخوف من النجاح بالشكوك في أهليتك للنجاح، وشعورك بأنَّ هذا التغيير سيؤدي إلى الشعور بالوحدة، وقد يعني مهاجمة الأعداء، ومخاوف فقدان كلِّ شيء. سوف تضطر إلى تغيير العلاقات من حولك، أصدقاؤك سيحتفون بك والآخرون سيغرقون في الغيرة.
فالنساء مثلاً يخشين النجاح لأنهن سيصبحن قوياتٍ بما يكفي لخلق الحياة التي يردنها، وقد يضعهن في مواقف لا يعرفن كيفية التعامل معها (5).
التعامل مع الخوف من النجاح:
ستختفي جميع المخاوف عندما نستعيد قوتنا وننجح حقاً، يجب أن ندرك أننا نتسبب في معاناةٍ لا طائل منها لنا وللآخرين بسبب فشلنا في التغيير، وأنَّ المعاناة ليست جزءاً ضروريّاً من الحياة، وأنه لا يمكننا تحقيق نجاحٍ قويٍّ إلا بمسامحة أنفسنا وهذا عملٌ واعٍ يؤدي إلى الشعور بالإنجاز، ثم المضي قدماً.
علينا أن نفهم سبب العجز والفشل بالتغيير، فبمجرد التعرف إلى مخاوفنا يمكننا تصور مستقبل يخلصنا منها (5).
الخوف من الفشل والنجاح:
بعض الناس يميلون للخوف من النجاح والفشل معاً، وهذا موقفٌ من الصعب جداً الوجود فيه، فإنَّه يجب على اختيارات المرء أن تُوزن تجاه هذه المخاوف. من الممكن في هذه الحالة وعلى نحوٍ كاملٍ أن يصبح الشخص متردداً لدرجة العجز وغير قادرٍ على اتخاذ أي قرار أبداً (2).
ولكن من حسن الحظ أنَّ كلا الخوفين من النجاح والفشل يميلان للاستجابة جيداً للعلاج والتقنيات السلوكية الإدراكية، والتي تُستخدم غالباً من أجل مساعدة الشخص على تعلم طرائق جديدة في التفكير باختياراته. كذلك يساعد العلاج بالتحليل النفسي الشخصَ على فهمٍ أفضل لتبعية النزاعات والتي لها المساهمة في تكوين هذه المخاوف، فإن كان هذا الخوف مُحفَّزاً من شعوره بعدم السيطرة على حياته فعندها قد توصف التمارين لتشجيع المريض على اتخاذ قراراته مستقلاً (2).
يكشف خوفنا من النجاح أحياناً أنَّ هذا النوع من النجاح ليس من أولوياتنا، وهذا الوقت الأنسب لاستكشاف القيم الخاصة بك ومعرفة ما هو مهم.
إنَّ النجاح مصطلحٌ واسعٌ وعام، وهو يعني أشياءً مختلفةً لأناس مختلفين، لكنه في النهاية سيكون من المفيد أن تسأل نفسك بعض الأسئلة مثل:
هل هناك شيء أريده حقاً في حياتي ولكني لا أحصل عليه؟ لماذا؟ هل لأنني أدعُ الخوف يسيطر على حياتي؟
إذا كنت تريد شيئاً ما حقاً فابدأ الآن، وإن كنت تشعر أنك لا تستطيع ففكر في التعاون مع مدربٍ أو معالج، جميعنا نحتاج دعماً إضافياً على الدوام، وربما قد تنبهر بما يمكنك تحقيقه (4).
المصادر: