عندما يساعد جهازنا المناعي فيروس كورونا المستجد، مقدمة
الطب >>>> فيروس كورونا COVID-19
وقد كان تصديه لفيروس كورونا المستجد إحداها..
فهل يعقل أن يكون السببَ في وفاة المصابين بمرض (COVID-19) وليس الفيروس؟!
يسبب فيروس SARS-CoV-2 داء COVID-19، وينتمي هذا الفيروس إلى عائلة من الفيروسات التي تصيب الحيوانات، وتعود تسميتها إلى البروتينات السطحية بشكل الحسكة (spike) التي تعطي شكل التاج المحيط بالفيروس (1).
تبدأ الإصابة بالفيروس التاجي (coronavirus) بإحدى الطريقتين: الأولى؛ تتظاهر بعدوى رئوية قد يُعتقد بأنَّها مجرد نزلة برد عادية، أمَّا الثانية؛ فتكون كعدوى معوية مسببة للإسهال (1).
كيف يصيب الفيروس الخلايا بالعدوى؟
يشابه (SARS-CoV-2) جينيًّا نظراءَه من الفيروسات التاجيّة المسببة لمشكلات تنفسية عند البشر مثل (SARS-CoV) و(MERS-CoV)؛ إذ إنَّ له الآليات الجينية جميعها التي يمتلكها (SARS-CoV) المسبِّب لوباء عام 2003 في الصين، ولكن؛ مع ما يقارب 6000 طفرة بالقرب من المواقع التي تتطفَّر بها الفيروسات التاجية عادةً (1).
ومقارنةً مع فيروس (MERS-CoV) الذي انتشر في الشرق الأوسط عام 2012، فلفيروس كورونا المستجد نسخة مخصصة من آليات اقتحام الخلايا ومضاعفة نفسه. وعلاوة على ذلك، فإنَّ للفيروس المستجد حزمة جديدة كليًّا من الجينات الملحقة معطيةً إياه تقدمًا في بعض المواقع. فعلى سبيل المثال؛ يمتلك فيروس (MERS-CoV) بروتينًا خاصًّا يساعده في الهروب من آليات الجسم المناعية، أمَّا الفيروس المستجد يحمل في ذلك الموقع بروتينًا جديدًا لم تُعرَف وظيفته بعد (1).
ولكن؛ تُرجمَت هذه الاختلافات الطفيفة -لسوء الحظ- إلى فروقٍ شاسعة في طريقة عدوى هذا الفيروس وإمراضيته.
يدخل الفيروس إلى الخلية البشرية عن طريق ارتباطه بالإنزيم القالب للأنجيوتنسين من النمط الثاني (ACE2) على سطحها عن طريق بروتينات الحسكة الطويلة البارزة من غلاف الفيروس (1, 2, 7)، فتبدأ العدوى من تلك النقطة.
ويبدأ بعدها بروتين الحسكة بتغيير شكله ثلاثي الأبعاد بمساعدة أجزاء ملتفة منه كالنَّابض تكون مخبَّأة في مركز البروتين؛ إذ يعمل من خلال بنيته الجديدة في دمج غلافيّ الفيروس والخلية معًا مشكِّلين قناةً تسمح بدخول المادة الوراثية للفيروس إلى داخل الخلية.
والسبب في كون هذا الفيروس شديد الخطورة هو الألفة العالية للفيروس لمستقبلات (ACE2) وتتوضَّع هذه المستقبلات في أعضاء محورية لحياتنا (الكليتين والقلب والرئتين والخصيتين والأمعاء) (7, 2).
إمراضية الفيروس:
تتدرَّج خطورة هذا الفيروس وشدَّته؛ إذ إنَّ الأطفال تحت الـ10 أعوام يتخلصون منه بسهولة على غرار الأشخاص تحت سن الأربعين.
أمَّا كبار السن، يواجهون أكبر خطر للمرض للأسف الشديد (1).
ألم تتساءلوا يومًا عن السبب؟! تكمن الإجابة في جهازنا المناعي والاستجابة التي نكونها.
فعلى الرغم من وحدة المستقبل بين جميع البشر إلَّا أنَّ بعضهم لا يُظهِر أعراضًا على الإطلاق وبعضهم قد يحتاج إلى مستشفى (7).
وتُعدُّ الفيروسات التاجية من أكبر الفيروسات ذات المادة الوراثية (RNA)، وكلما كانت المادة الوراثية أكبر، ازدادت البروتينات التي يمكنها إنتاجها؛ لذا، فإنَّ هذا الفيروس يصنع بروتينات لا تسمح له بالدخول إلى الخلية وحسب، ولكن؛ تسمح له بإعاقة قدرة الجهاز المناعي على الدفاع ضدَّها أيضًا، فهو على سبيل المثال؛ يزيل العلامات البروتينية من الخلية المُستخدمة لجذب الخلايا المناعية والقضاء على أيَّة تعليمة تصدرها الخلية للقضاء على الفيروس، وهكذا يكبح إنتاج الخلايا المصابة للإنترفيرونات الالتهابية، والتي تعمل وكأنها بروتينات إشارية جاذبة ومفعِّلة للخلايا المناعية (1, 5).
فمعظم الأضرار التي لحقت بالمصابين كانت بسبب جهازهم المناعي الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على هذا الفيروس (1)؛ إذ تتوافد ملايين الخلايا المناعية إلى أنسجة الرئة المصابة لمهاجمة الفيروس، ولكنَّه يحاول تدميرها أيضًا لصدِّ قدرة الجسم على الدفاع (5)، ومع تكاثر الفيروس وتوافد مزيد من الخلايا المناعية، ستطلق كريات الدم البيضاء في الخطِّ الأمامي جزيئات التهابية تُسمى الجاذبات الكيميائية (chemokines)، والتي تستدعي بدورها مزيدًا من الخلايا المناعية التي تستهدف الخلايا المصابة بالفيروس وتقتلها.
وسنحصل على معركة شرسة في الرئتين يجب على المصاب في أثنائها المكافحة فترةً طويلة إلى حين إنتاج الأضداد النوعية للفيروس (1, 5).
ويشكُّ بعض الأطباء في أنَّ الحالة الصحية الخطيرة التي يصل إليها بعض المرضى ناتجة عن رد فعل مفرط كارثي لجهاز المناعة معروف باسم "عاصفة السيتوكين"؛ الشائعة في الالتهابات الفيروسية الأخرى (2).
وفي عاصفة السيتوكين، ترتفع مستويات بعض السيتوكينات ارتفاعًا مفرطًا، وتبدأ الخلايا المناعية بمهاجمة الأنسجة السليمة، وتستمر الخلايا في إطلاق السيتوكينات التي تُبقي الجسم في حالة تأهُّب كاملة، في محاولة خاطئة للحفاظ على سلامة الشخص.
وفي هذه الحالة ترتفع درجة الحرارة، ويحدث تسريب في الأوعية الدموية، مع انخفاض شديد لضغط الدم، ونقص أكسجة وPH الدم، وتتراكم السوائل في الرئتين (الانصباب الجنبي)، وتتكوَّن الجلطات، ويحدث فشل عضلي كارثي (3, 6)؛ ممَّا قد يؤدي إلى الوفاة في النهاية، وبذلك تكون استجابة الجسم هي سبب الوفاة وليست الفيروسات.
ولكن؛ ما هي الأضرار المباشرة على الأعضاء والتي تحدث نتيجةَ هذه الاستجابة الشديدة للجسم ضد الفيروس؟ هذا ما سنتعرف إليه في الجزء الثاني من المقال.
حاشية:
*السيتوكينات هي جزيئات إشارة كيميائية (بروتين أو عديد ببتيد أو بروتين سكري) تُستخدم في عمليات نقل الإشارة والتواصل فيما بين الخلايا، وتوجيه الاستجابة المناعية الصحية؛ إذ تُفرِز الخلايا البائية سيتوكينات تنشط الخلايا التائية، وتُنتِج الخلايا التائية أنواعًا أخرى من السيتوكينات تعمل في زيادة أعداد الخلايا التائية وتنشيطها أيضًا (4).
المصادر: