سمفونيات موتزارت الأخيرة: السمفونية رقم 40
الموسيقا >>>> سمفونيات موتزارت
السمفونية رقم 40 سلم صول مينور.
نرى في هذه السمفونية جانب موتزارت المظلم، فبخلاف السيمفونية 39 و41؛ نلاحظ استخدامه سلم منيور؛ إذ لم يؤلف موتزارت سوى سمفونيتين من أصل 41 سيمفونية بسلم مينور، كذلك لسلم صول مينور بالتحديد مكانة مميزة عند موتزارت، فكان يستخدم هذا السلم كلما أراد أن يعبر عن عواطف ومشاعر متنازعة.
سنستمع في هذه السمفونية إلى موتزارت بوصفه مؤلفًا حرًّا دون قيود، ودون شروط من قبل ملك أو ممول ما، وسنصغي لما يحاول أن يوصله إلينا موتزارت من خلال ألحانه (1,2).
(الرجاء الاستماع في أثناء القراءة)
الحركة الأولى molto allegro
الدقيقة (00:28)
يبدأ العمل بلحن يُصارع اللحن الرئيسي ومرافقًا له، تعزفه آلة الفيولا تعلوه تنهدات الكمان حاملةً اللحن الرئيسي المشهور جدًّا، وتألفه أذن السامع العربي بعد أن اقتبسه الرحباني في أغنية (يا أنا يا أنا وياك).
ونلاحظ في الحركة الأولى الاعتماد الأساسي على هذه الـ (thème) والعودة إليها باستمرار، ونسمع بوضوح الانتقال إلى (thème) أخرى رشيقة مع حوار بين الوتريات والنفخيات معطية شخصية مختلفة لهذه الحركة.
كتب موزارت سكتة في اللحظة التي تنقل بين اللحن الأول واللحن الثاني محاكيًا أسلوبَ الكلام بين البشر (وكأنه إنسان يأخذ نَفَسًا) موضحًا الانتقال من فكرة إلى فكرة أخرى.
ثم يعود إلى الـ (thème) الأولى بأسلوب محمس.
ويتواصل التناوب بين اللحنين الرئيسَين، ثم يبدأ اللحنُ الأول بالانحراف عن السلم الأساسي، وكلما توغلنا باللحن؛ ازداد بُعده عن سلم صول مينور، وازداد انحلاله لأجزاء أصغر متابعًا موزارت أدقَّ التفاصيل، وتعود بالنهاية إلى صول مينور(1,2,3).
الحركة الثانية Andante
الدقيقة (07:55)
توصف هذه الحركة كأنها ثنائيًّا (duet) رومانسيًّا بين محبوبَين من أوبرا إيطالية، وكما وصفها أيضًا (Alexandre Oulibicheff) بأنها حركة تفتح لنا أبواب العالم الذي ابتكره موتزارت في أوبرا الناي السحري.
إن جمال هذه الحركة ورونقها مثاليٌّ بعد الحركة السابقة، إذ تعطي حالةً انفعاليةً معاكسةً تمامًا لما سبق، وكأنها حل مبدئي للمشكلة التي كان يعبِّر عنها موتزارت في الحركة الأولى.
يبدأ بـ (thème) مع نبضات هادئة ساحرة ثم ينتقل إلى لحن غزلي متموج يعكس حالة الطبيعة، وعمومًا تعطي هذه الحركة صورة لغابة سحرية غامضة خيالية.
ونرى الجمال والانعكاس الخلاب لهذه الغابة من خلال النسيج المتجانس بين الوتريات والنفخيات (1,2,3).
الحركة الثالثة minuet et trio
الدقيقة (18:00)
نعود إلى سلم صول مينور اختيار موزارت لكتابة اللحن الرئيسي (thème) بمقياس ثنائي بسيط 2/4 والمرافقة بـ ¾ (كما هو مألوف ومتعارف عليه بقالب الـ minuet)؛ مما يشدُّ اللحن إلى الأمام ويعطي توترًا وتضخمًا أكبر، ويصبح اللحن أكثر تعقيدًا حاملًا بثناياه طباقًا كثيفًا (counterpoint).
ثم ينتقل إلى لحن رقيق بسيط يشبه الشعور بالحب بسلم صول ماجور، والعامل المساهم للوصل إلى هذه الحالة الشعورية هو وجود النفخيات؛ إذ تعطي عاطفة نقية دون مبالغة.
ثم نعود إلى اللحن الأول بصول مينور.
الحركة الأخيرة (finale (allegro assai
الدقيقة (21:55)
نعود إلى الشخصية المتهيجة والثائرة التي كانت موجودة في الحركة الأولى وبأسلوب مماثل، نسمع لحنًا متفاوتًا في الشدة الصوتية بين (forte) و(piano)، ثم ينتقل إلى لحن فرح بصول ماجور معاكس للحن السابق، ثم يعود إلى اللحن الأول، ولكن أيضًا يبتعد هارمونيا عن صول مينور ويستخدم جميع النوطات الكروماتيكية عدا الصول، على الرغم من أنها نوطة محورية، ثم ينتقل إلى اللحن الثاني ولكن بصول مينور معطيًا سوداوية وضبابية.
ويختم موتزارت هذه السمفونية بلوعة في قلبه وحزن شديد جنائزي إلى حدٍّ ما.
ويمكننا أن نعدَّ هذه الحركة مشابهة إلى حدٍّ ما سيمفونية الوداع لهايدن (1,2,3).
فلعلَّ موتزارت كان يودع طفلته التي فقدها في هذه السمفونية أو ربما كان يودع الحياة كما يعرفها!
شاركونا رأيكم..
المصادر:
2- Libbey T. NPR Choice page [Internet]. Npr.org. 2011 [cited 20 July 2020]. Available from: هنا
3- Mozart’s last symphonies [Internet]. Mariinsky.ru. 2013 [cited 15 July 2020]. Available from: هنا