مراجعة كتاب (الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان): دراسة عن الطبقات والتركيب الطبقي في لبنان
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
ويعدُّ هذا الكتاب دراسةً أجراها الدكتور فواز طرابلسي، وهي تتناول كتاباته في التاريخ والفكر السياسي والحركات الاجتماعية، وهو كاتب ومؤرخ ومترجم لبناني، ويحمل دكتوراه في التاريخ من جامعة باريس، ويدرِّس في الجامعة الأميركية، وله كثيرٌ من الأبحاث والكتب التي تتعلق بالشأن اللبناني والمحيط العربي، من أبرزها (تاريخ لبنان الحديث: من الإمارة إلى اتفاق الطائف).
النظام الاقتصادي في لبنان
يعدُّ الدكتور طرابلسي أنَّ سمات النظام الاقتصادي اللبناني في فترة ما بعد الاستقلال (1943) تستوفي شروط ما يُسمَّى الآن بالاقتصاد النيوليبرالي.
وأهم هذه السمات غلبةُ قطاع المال والتجارة والخدمات، ورفض سياسة "التصنيع بديلّا من الاستيراد"، وإهمال الزراعة، ثمَّ يشير إلى أنَّ السياسات المُتَّبعة في التسعينيات -أي ما بعد الحرب الأهلية (1975- 1990)- أعادت إنتاج النظام الاقتصادي والاجتماعي نفسه كما كان قبل الحرب، دون أن يأخذ أحدٌ في الحسبان أيَّ دورٍ لهذا النظام في خَلْق بيئة الحرب نفسها، ومتجاهلةً السؤال الجوهري: "إذا كانت فترة ما قبل الحرب كناية عن العصر الذهبي للبنان فلماذا اندلعت الحرب إذًا؟"
وفي إشارةٍ أخرى إلى طبيعة النظام الاقتصادي، يطرح الدكتور طرابلسي سؤالًا ينبع من خلفيَّته الماركسية: "أين نرسم الحدّ الفاصل بين ’الفساد‘ و’ممارسة النشاطات الرأسمالية العادية‘؟" فهو يعتقد أنَّ الرأسمالية نفسها تُعَدُّ سببًا أساسيًّا لخَلْق الفوارق الاجتماعية واللامساواة، وأنَّ كثرة الحديث عن "الفساد" في الآونة الأخيرة واختزال المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان بالفساد وحده لا يعكس الحقيقة كاملةً.
الطبقات الاجتماعية
يُعرِّف الدكتور طرابلسي الطبقات الاجتماعية؛ ولكن، ليس على طريقة المنهج الهرمي الساكن الذي "يرصف الطبقات بما هي فئات دخل وإنفاق، نزولًا من قمة ضيقة من الأغنياء إلى قاعدة واسعة من الفقراء وما بينهما من متوسطي الحال"؛ بل مُتَّبعًا المنهج العلائقي، والذي ينطلق من أنَّه "لا طبقات مجردة مرصوفة فوق بعضها البعض، بل بشرٌ تربطهم علاقاتٌ اجتماعيةٌ هي المدخل لفهم العوامل والمظاهر المختلفة للا مساواة بينهم."
وفي خضم حديثه عن الطبقات، يرصد الدكتور طرابلسي عدة ظواهر اجتماعية أبرزها تنامي ظاهرة الاستهلاك لدى الطبقة المتوسطة ومحاولتها العيش فوق مستوى قدراتها ومداخيلها بغيةَ التشبُّه بأنماط حياة الطبقات العليا، ثم يوضح كيف تساهم السياسات الاقتصادية المُتَّبعة في تغذية هذه النزعة الاستهلاكية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة المستوردات ومن ثمَّ إلى مزيدٍ من إحكام سيطرة التجارة الإستيرادية على السوق، وهذا ما يثبت فرضيته في محاولة النظام بشتى الطرق لإعادة إنتاج نفسه.
علاقة الطبقات والطوائف
ولكنَّ التحليل الطبقي لم يغفل المراتب الاجتماعية، والمراتب –كما يُعرِّفها- هي الجماعات التي ترتبط فيما بينها نتيجةً لعلاقات القرابة والجندر والإثنية والدين والمذهب.
ومن أبرز مصاديق هذه المراتب الطوائفُ المتعددة في المجتمع اللبناني، فيتوقف الدكتور طرابلسي عند علاقة "الطائفة" بالطبقة.
وهو يعتقد أنَّ الطوائف والطبقات تتقاطعان دون أن تتطابقا، وأنَّهما تتنازعان على الفائض الاجتماعي.
بالإضافة إلى أنَّه يعتقد أنَّ النظام الطائفي في لبنان جزءٌ من منظومة السيطرة في المجتمع.
ولأنَّ علاقة المواطن بالطائفة التي ينتمي إليها فيها مقدارٌ من القسر والإلزام بحسب القانون، فهناك كثيرٌ من الحقوق السياسية والاجتماعية والتعليمية يكتسبها الفرد حسب حصص مذهبه وطائفته من هذه الحقوق، وهذا ما يحرمه ممَّا قد يكتسبه بناءً على كفاءته وخبرته ومؤهلاته العلمية.
إنَّ الكتاب يُعدُّ غنيًّا بالأفكار التي يطرحها والإشكاليات التي يثيرها، وعلى الرغم من كونه يحمل بعض المصطلحات الأكاديمية، ولكنَّه يُعدُّ مدخلًا مهمًّا للقارئ -غير المتخصص- الذي يهدف إلى تعرُّف جذور المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان اليوم.
معلومات الكتاب: