مراجعة رواية (الإغواء الأخير للمسيح): صراع الحياة مع درب الخلود
كتاب >>>> روايات ومقالات
عندما أنجبت مريم يسوع كانت عذراء لكن أحدًا لا يعرف ذلك، فقد حملت به بُعيد زواجها يوسف الذي أصابته صاعقة الإله فأحالته مشلولًا بلا حراك. كان قلبها ينفطر لحال ابنها ولمرضه الغريب ولطباعه الانطوائية. أما مريم الأخرى؛ أي مريم المجدلية فهي ابنة عم يسوع، وقع في غرامها منذ طفولته وفق رواية كازنتزاكيس، وعندما ذهب مع والدته لخُطبتها أصابته نوبة تشنج حينها فكسر قلب المحبوبة واتجهت إلى درب الخطيئة نكاية به، فبقي يسوع يُحمّل نفسه وزر خطيئتها طيلة حياته. نشأ صراع بينهما حين أخبرته أنها ستترك أفعالها الشائنة إن تزوجها لكنه لم يفعل، فنعتته بأنه ليس رجلًا لينالَها ويبعدها عن درب الضلالة.
مع مرور السنين واستمرار شعور يسوع بضعف هائل يرده إلى الشيطان، يُقرر أن ينضم إلى بقية الرجال الذين اعتزلوا الحياة في دير في الصحراء جنوب فلسطين، علَّه بذلك يلتحق بمركبة الرب ويتخلص من غوايات الشيطان. تتالى الإشارات التي تدل على نبوته ويبدأ سبيل التبشير بداية بالمحبة، وهو لا يعلم بعد أنه المُخلِّص أو أنه نبي جديد. ينقذ يسوعُ المجدليةَ حين منع الجموع من رجمها. يلتقي يسوع يوحنا المعمداني الذي يُعمده في مياه نهر الأردن ويدور بينهما حوار طويل. بعد مقتل المعمداني تتغير شخصية يسوع كثيرًا، وتتحول الدعوة إلى إعلان حرب، ثم تبدأ رحلته مع تلامذته بطرس، ويوحنا، ويعقوب، وفيلبَّس، ونثنائيل، ويهوذا ويكون أقربهم إليه. حين يصل يسوع بطريق التبشير إلى قريته الناصرة تنكر عليه والدته ما يفعله وتعتبر دعوته محض جنون. لاحقًا ينضمُّ متَّى إلى التلاميذ ويعمل بالتدوين خلال ترحاله مع يسوع. لكن الأخير يمتعض مما يكتبه متَّى لأنها ليست الحقيقة، ثم يُذعن حين يُخبره متَّى أن الملائكة تُملي عليه أغلب ما يكتب. يوحنا الحبيب لم يُفارق يسوع وآمن بأنه المُخلص، أما بطرس يظهر مُتقلب الهوى ضعيف الإيمان. تلحق بهم المجدلية ويهوذا الذي لم يخن المسيح وفق كازنتزاكيس بل فعل ما أملاه عليه يسوع فقط. عندما علم يسوع أن طريق الخلود يبدأ بالموت ثم الانبعاث طلب من يهوذا أن يشي به، وعلى الرغم من رفض يهوذا ذلك إلا أن يسوع أقنعه بأنه أقدر تلامذته لفعل ذلك.
يقوم يهوذا بمهمته تلك أو الخيانة بعد انتهاء العشاء الأخير في ليلة عيد الفصح في مدينة أورشليم، فيَمثُل يسوع بين يدي كبير الكهنة قيافا وغيره من اليهود الذين اعتبروه متمردًا خطيرًا يكفر بالناموس المُقدَّس ويهدد بهدم هيكل سليمان. يُساق يسوع إلى الصليب بعد تخلي تلاميذه جميعهم عنه. وتسقط أول شهيدة في يوم الصلب وهي المجدلية التي تابت ولحقت بدرب المُخلص محبوبها يسوع فتسبقه إلى عالم الخلود. أما يسوع الذي يحمل صليبه بين الجموع الغاضبة والساخطة عليه يعتلي القمة ويُرفع إلى الصليب مع المسامير التي اخترقت الجلد والعظم فيصرخ عالياً من شدة الألم إلى أن يُغمى عليه، هنا يدخل إلى حُلم من صُنع كازنتزاكيس مظهرًا هشاشة الروح الإنسانية أمام آلام الجسد، فوفق رواية كازنتزاكيس يسوع الإنسان إنسان فقط، وما يرغب به البشر من امرأة وزواج وبيت دافئ وطعام شهي وكثير من الأولاد هو غواية لمن تجسد بجسده الإله.
وهنا يكمن إبداع الكاتب، فقد أنزل المسيح عن الصليب وأعاده إلى حياة البشر. يلتقي يسوع لاحقًا ببولس الرسول الذي يخبره أنه يدور أصقاع الأرض ليخبر العالم عن المسيح المصلوب والديانة الجديدة وبناء الكنائس، لكن يسوع يستشيط غضبًا ويطلب من بولس أن يتوقف عن نشر تلك الأباطيل؛ لأنه لم يُصلب وتراجع كُليّاً عن كُل أفكاره وفضَّل العيش الرغيد، لكن بولس لا يتوقف، وهذا إشارة إلى الحركة السياسية التي انتهجها بولس بعد صلب المسيح، لكن الكاتب يعود عن تلك النهاية للحكاية، ويخرجها بمظهر الغواية التي كادت أن تُحيد يسوع عن سبيله الذي اختاره له الآب.
معلومات الكتاب: