مغالطة الاحتكام إلى الخوف والاحتكام إلى القوة؛ (Appeal to Fear - Appeal to Force)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم المنطق والأبستمولوجيا
"عندما ترسلُ المكسيك النّاس إلى الولايات المتحدة، فإنهم لا يرسلون أفضل ما لديهم. إنهم يرسلون الأشخاص الذين لديهم كثيرٌ من المشكلات، كالذين يجلبون المخدرات والذين يرتكبون الجرائم والمغتصبين، إلى جانب بعض الأشخاص الذين يُفترض أنّهم جيّدون"
قد يكون هذا الخطاب من أشهرِ الخطابات التي أدّاها مرشحٌ رئاسيٌ في تاريخ الولايات المتحدة، ففي عام 2015، افتتح دونالد ترامب حملته الرئاسية بهذا النوع من خطابات الكراهية، ولكن المثير للاهتمام هنا بأن يرتكب مرشحٌ للرئاسة مغالطةً من هذا القبيل. تُعرف هذه المغالطة بـالتوسل بالخوف (Appeal to Fear) (Argumentum Ad Metum)؛ إذ يَستخدم المجادل تهديداً غير معقولٍ بحدوث عواقب سيئةٍ لإقناع جمهوره بحجته؛ بمعنى "صدقني أو ستحدُثُ أمورٌ سيئة" أو كما في حالة المثال السابق؛ بأحقيته بالرئاسة (1).
وتُستخدم هذه المغالطة عندما يحاول المُغالط إقناعَ أحدٍ أو مجموعةٍ من الناس بادعاءٍ ما، فهو يبني حجته عن طريق غرس خوفٍ غير معقولٍ في داخلهم، ونجد في المقابل التحذير من مخاطر التدخين هو خوف معقول ومبرهن. وهنا يمتلك بعض الناس سبباً لقبول نتيجة هذا الادعاء، قد لا يكون سبباً جيداً بالضرورة، ولكنه بالتأكيد ليس سبباً يدعم حجة المغالط (1). تتخطى العديد من هذه الحجج التفكير المنطقي وتسعى للإقناع من خلال إثارة المخاوف بشأن العواقب الوخيمة التي تنتظر الطرف الآخر في حال تبنَّى فكراً معيناً أو أدّى فعلاً ما (2).
"تسبب أحد اللقاحات تخثراً بالدم لعدد من الأشخاص ومن ثم يجب رفضه تماماً"، بالنظر إلى هذا المثال فإنه يدفع العديد من الناس للتردد بأخذ اللقاح أو رفضه مطلقاً، ومن ثم نجد أنه تكمن المشكلة في أنّ الحجة قد تتجاهل ببساطة الجوانب المهمّة الأخرى لحالةٍ معينةٍ وهي التي يجب أن تؤخذ في الحسبان. فالخوف هو عاطفةٌ تدفع الناس إلى اتخاذ قرارٍ ما بشكلٍ اندفاعي، وبذلك فهذه الاستجابة الفورية هي ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارٍ أو فعلٍ بدافع الخوف، بدلاً من إلقاء نظرةٍ أكثر واقعيةٍ على جميع العوامل التي ينطوي عليها هذا القرار (2).
تتشابه مغالطة التوسل بالخوف مع مغالطةٍ أخرى تُسمى مغالطة الاحتكام إلى القوة أو العصا (Appeal to Force/ Stick) (Argumentum Ad Baculum)، وتحدث حين يستخدم المتحدث القوة أو التهديد بالعنف أو بالأذى الجسدي أو المعنوي لإقناع المستمع بما يراه صحيحاً أو لتنفيذ رغبته (3)، لدرجة أنه يطلق عليها أحياناً اسم "مغالطة غاليلو"، وتأخذ الشكل المنطقي الآتي:
من الممكن أن يكون التهديد مباشراً أو مبطناً، وفي كلا الحالتين سيعلم الطرف الآخر بأنّ هناك تهديداً أو تحذيراً في أثناء النقاش (3). يُعد تهديد الموظفين من أبسط الأمثلة على التهديد المباشر "يجب أن تعمل ساعاتٍ إضافيّةً وإلا سنطردك". ومن الممكن أن يستعملها السياسيون والدول أيضاً "إن لم توافقوا على هذه الاتفاقية سنطبّق العقوبات الاقتصادية".
أما التهديد غير المباشر فيأتي على شكل تحذيرٍ مُبطن مشيراً الى عواقب معروفة لكلا الطرفين (3). خير أمثلةٍ على ذلك يُطبق من قبل العصابات بتهديد الضحية بشكلٍ غير مباشرٍ للامتثال للأمر أو تهديد الصحفيين لردعهم عن نشر مادةٍ معينة أو موضوعٍ معين. "لو كنت مكانك، لكنت سأفكر ملياً قبل نشر هذا المقال".
من ناحيةٍ أخرى، تستخدم هاتين المغالطتين أداةً تسويقيّةً شائعة الاستخدام لتغيير سلوك الناس عن طريق إثارة القلق لدى الفئة المستهدفة. "إطارات غوديير، لأنك تستحقُّ رحلةً آمنة" أو "ليستيرين، لا أحد يمكنُه تحمّلُ وجع الأسنان" من ضمن أمثلةٍ عدةٍ يمكنُ رصدُها في الواقع لشرح الاستخدام التسويقي للمغالطة. وتُستخدما بانتظام في مبادرات الصحة العامة مثل حملات مكافحة التدخين والقيادة في حالة سُكْر. ولكن من المتعارف عليه أنَّ استخدامَها في المجال الصحي لا يعدُّ مغالطاً لأنه خوف معقول ومبرهن كما أسلفنا سابقاً -مع بعض التحفظ من بعض المعارضين لهذا الاستثناء- وأن الأدلة المتوفرة تُشير إلى أن استخدامها في مجالاتٍ صحيةٍ معينةٍ ومحدودةٍ هو أمرٌ مقبول (4).
المصادر:
هنا
2. Walton D. Why Fallacies Appear To Be Better Arguments Than They Are. Informal Logic. 2010;30(2):159-184. Available from: هنا
3. Walton DN. Practical Reasoning and the Structure of Fear Appeal Arguments . Philosophy & Rhetoric. 1996;29:301–13.
4. Simpson JK. Appeal to fear in health care: Appropriate or inappropriate?. Chiropractic & Manual Therapies. 2017;25(1):1–10. Available from: هنا