لماذا يُلقى اللوم على ضحايا التحرش الجنسي الإلكتروني؟
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> التحرش جريمة حتى لو بمسج
#التحرش_جريمة_حتى_لو_بمسج
شئنا أم أبينا، علينا الإقرار بأن الإنترنت غيَّر جذريًّا الطريقة التي نعمل ونتفاعل بها، فخلق فرصًا للمشاركة والحوار، وأعطى صوتًا للمستضعفين وضحايا العنف بجميع أشكاله، ومنهم ضحايا التحرش الجنسي الإلكتروني، إلا أنه وفي الوقت نفسه غالبًا ما يُستخدم لإلحاق الأذى بالنساء والفتيات ولارتكاب العنف ضد المرأة (1,2).
ومع أنَّ الدعم النفسي من المقربين والأصدقاء أمرٌ حاسمٌ في مساعدة ضحايا التحرش الإلكتروني على المستوى المعنوي (3) يواجه العديدُ منهنَّ ردودَ فعل سلبية على الإنترنت، بما في ذلك اللوم وعدم التصديق، مما يؤدي إلى زيادة الأذى والمعاناة لدى هؤلاء الضحايا (1). أظهر العديد من الباحثين أنه عندما تتلقى الضحية الدعم من أولئك الذين يشهدون التحرش الإلكتروني الذي يُطلق عليهم "المارة" (Bystanders)، فإن العواقب النفسية على الضحية تتضاءل كثيرًا. ولكن مع ذلك، تشير الأدلة التجريبية إلى أن معظم المارة يظلون صامتين أو حتى ينضمون إلى المتحرش في هجماته بدلًا من مساعدة الضحية (4). إن ثقافة لوم الضحية هذه (Victim Blaming) تُعرف اصطلاحًا بأنها نقل المسؤولية أو جزء منها من المُتعدي إلى الضحية، ومن ثم حرمانها من الدعم الاجتماعي (3).
وتقول إحدى الفرضيات التي تفسر لوم الضحية إن الناس لديها اعتقاد بأن كل إنسان ينال ما يستحقه، أي عندما يحصل لشخصٍ أي مكروهٍ أو يعاني من حادثٍ لا يد له فيه، فيمكن أن يعزِّزَ إلقاءُ اللوم على الضحية في معاناتها الحفاظَ على هذه النظرة بأن العالم مكانٌ عادل (3). وبذلك تُتَّهم الضحية بأنها كانت استفزازية أو صارمةً أو ما إلى ذلك من الاتهامات، ومن ثم تسببت في هذا التحرش (4)، أبسط مثالٍ على ذلك هو لوم ضحية التحرش الإلكتروني بأنها تنشر صورها على الإنترنت أو بسبب ملابسها أو مظهرها. لكنَّ هذا ليس السبب الوحيد للهجوم عليهن، قد تهاجَم الفتيات عبر الإنترنت بسبب وجودهن المتزايد في الفضاء الإلكتروني وحسب، لا سيما الفتيات اللاتي يُرى أنهن تجاوزن الأعراف الاجتماعية، مما يولِّد شعورًا بالغضب والحنق والرغبة في إسكاتهن أو حتى طردهن من الفضاء الإلكتروني كليًّا (2). زد على ذلك الانطباع لدى المتفرجين أو المارة بأن الضحية كان لديها القدرة على السيطرة على الموقف (4)، مثل أن تحظر المتعدي أو لا ترد عليه من البداية أو أن تقطع صلتها به مباشرةً.
لكنَّ هناك استثناءً يمكن فيه توقع دعم المتفرجين للضحية فقط في حال كانت الضحية تشبه القالب الأنموذجي لما يُسمَّى "الضحية المثالية"، وهي التي تتسم بخمس سماتٍ هي:
- ضعف الضحية
- تؤدي نشاطًا محترمًا في وقت الإيذاء
- ليس لها يد في ظروف إيذائها
- التعرض للإيذاء من قبل مجرم واضح
- الضحية لا تعرف الجاني.
وبذلك يكون هذا هو السبب الذي يجعل الأشخاص أكثر عرضةً لإلقاء اللوم على الضحايا اللاتي يتمتعن بشيءٍ من الرفاهية أو اللاتي يُقاومن هذه الحوادث أو اللاتي لا يعشن وفقًا للمعايير التي يفضلها الشخص الذي يحكم عليهم (1).
وتمكَّن الباحثون من تصنيف ظاهرة لوم الضحية في خمسة أنواعٍ من ردود الأفعال وهي:
- التشكيك: ويحدث عندما يُشكَّك في رواية الضحية، كالسؤال عما إذا حصل التحرش أم إن الضحية تكذب فحسب.
- الطعن في دافع الضحية: كالتشكيك بأنها تدَّعي الحادثة لجلب الانتباه فقط.
- سمعة المتحرش: قد يُكذِّب الكثيرون الضحية بسبب أن المعتدي لديه سمعةُ جيدةٌ في الفضاء العام ومن ثم فإنه لا يمكن أن يرتكب ذلك.
- مهاجمة شخصية الضحية: مهاجمة شخصية الضحية بغض النظر عن ظروف الحادث، كالقول بأنها متسلطةٌ أو متبرجة أو مريضةٌ نفسيًّا.
- التشكيك في حقائق الحادثة: أي محاولة النبش في الوقائع لتسخيف رواية الضحية (1).
وفي هذا الصدد، ولفهم هذا الشكل المستجد من العنف عبر الإنترنت فهمًا أفضل، بدأ المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women ROAS) مشروعًا بحثيًّا لاستكشاف مدى انتشاره وأثر وعواقب العنف عبر الإنترنت على النساء والفتيات في ثماني دولٍ عربية عبر استبياناتٍ شملت نحو 1000 شخصٍ في كل دولة منها (2). بحسب هذه الدراسة، فإن الشكل الأكثر شيوعًا للتحرش الجنسي الإلكتروني في هذه المنطقة تَمثَّل في تلقي صورٍ أو ايحاءاتٍ ذات محتوى جنسي وغير مرغوب فيها، تليها تلقي مكالمات هاتفية مزعجة، بالإضافة إلى تلقي رسائل مهينة أو تحقيرية، كما تعرضت العديد من الفتيات للابتزاز الجنسي المباشر (2).
ومن المثير للاهتمام أن 40% من مستخدمات الإنترنت في الدول العربية أكدن بأنهنَّ يشعرن بعدم الأمان بسبب التحرش الجنسي عبر الإنترنت. وقد انتشر هذا الشعور بحدة أكثر بين الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان بنسبة 70% (2).
وأقرت نتائج هذا البحث بأن إلقاء اللوم على الضحية كان سببًا محوريًّا لعدم طلب النساء المساعدة في حالات التحرش الجنسي الإلكتروني، إذ تخشى الفتيات من لومهن على مشاركة صورهن أو على نشاطهن على الإنترنت، وزادت الأعراف المجتمعية المتحيزة لدى العائلات من خوف الفتيات من التبليغ عن هذه الحوادث، ففي إحصائيةٍ لردود الأفعال على نساءٍ وفتياتٍ أفصحن عن تعرضهن للتحرش الجنسي الإلكتروني، قيل لـ 36% منهن بأن يتجاهلن الموضوع و21% أُمرن بأن يحذفن حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حين واجهت نحو 23% منهن اللوم على الحادثة، تعرضت 12% من الفتيات للعنف المنزلي بسبب تعرضهن للتحرش الجنسي الإلكتروني (2).
المصادر: