لطالما جرى تناول العواطف بعين الشك والريبة لقدرتها على التأثير فينا (1)، ويرجع ذلك إلى العلاقة المعقدة ما بين العاطفة والعقل، إلا أن أرسطو (Aristotle 384-322 BCE) أنصف دور العاطفة عندما تكون متصلة بالأحداث التي نحاول فهمها، فذكر في كتابه <الأخلاق النيقوماخية (Nicomachean Ethics)> أن العواطف هي مؤشر يخبرنا عن أنفسنا وكيفية استجابتنا للموقف، وهذا يتطلب منا الاستخدام السليم للعواطف عبر ممارسة التفكير الناقد جيدا، فالعواطف تُعلِمنا أن هناك شيئا ما غير صحيح يحدث، ولكنها لا تخبرنا عن إجراءات التحقق من هذا الخطأ، لذا يتطلب التعامل مع العاطفة واستخدامها سنوات من ممارسة التفكير الناقد للتحقق من مناسبة وانسجام هذه العواطف مع الموقف أم لا، أي علينا تدريب عواطفنا حتى لا تتحول إلى ساحة للتلاعب وتمرير المغالطات والحجج غير المنطقية (2).
فما المغالطات التي يمكن أن تستغل العاطفة وتستخدمها في التأثير في قبولنا الموقف أو رفضه؟ يمكن لنا أحياناً الاستناد إلى العاطفة في النقاش وخاصة عندما تكون العاطفة ذاتها موضع خلاف، ولكن عندما يتحول النقاش لاستحضار العواطف غير المتصلة بالموقف ومناشدتها في محاولة لإقناع الجمهور (1)، عندها تقع مغالطة الاحتكام للعاطفة (Appeal to Emotion) وهي مغالطة قائمة على التلاعب بعواطف الآخرين مع غياب الحجة المنطقية، إذ تتأسس المغالطة هنا على الانفعالات والعواطف بدلاً من الدلائل فيؤدي ذلك لانتهاك معيار الصلة بين الأسباب والنتائج (3)، وسنتطرق في هذه المغالطة الأنواع الستة الآتية:
الاحتكام إلى الشفقة (Appeal to pity): قد تكون إثارة الشفقة من أكثر المغالطات العاطفية شيوعاً، وتقوم على محاولة إقناع الآخرين بموقف ما عبر استعطافهم بدلاً من تقديم الأدلة ذات الصلة بالقضية المطروحة (3). ومن الأمثلة على ذلك: انظر للطالب المسكين ..إنه يتيم ومن عائلة فقيرة ..دعنا لا نقسو عليه بالاختبار..ونسمح له بالنجاح مع أصدقائه.
الاحتكام إلى الإطراء (Appeal to flattery): ليس هناك ضرورة لكبح ومنع الإطراء الذي نتلقاه من الطرف الآخر عندما يقصد المجاملة والتملق تجاهنا، ولكن يصبح ذلك ضرورياً عند التأكد من أن هدفه من ذلك هو التأثير في تقييمنا لمدى صحة وجهة نظر ما أو إجراء معين، حينها يتوجب علينا شكره، وثم إكمال المناقشة دون التأثر بمديحه (3). مثال: أصبحتَ اليوم باحثاً متمرساً لذا لم تعد تحتاج في أبحاثك لمراجعات الأقران بعد الآن.
الاحتكام إلى الولاء الجماعي (appeal to group loyalty): جميعنا ينتمي لجماعة واحدة أو أكثر، كالعائلة والمدرسة والنادي والفريق الرياضي.. وغالبًا ما نشعر بالولاء لمثل هذه الجماعات، ومع ذلك، فإن ولائنا لجماعة ما قد يكون غير ذي صلة عندما يتعلق الأمر بمبدأ أكثر أهمية، حينها لا يتعين علينا فقط التخلي عن ولائنا لهذه الجماعة في سبيل الولاء لجماعة أكثر أهمية، ولكن أحياناً قد يتوجب علينا التخلي عن ولائنا لأي جماعة لصالح اعتبار أو مبدأ أكثر أهمية يشمل هذه الجماعات كافة (3). مثال: يرفض حزبي السياسي استقبال اللاجئين بذريعة الإنسانية، لا نريد غرباء بيننا.
الاحتكام إلى الذنب (Appeal to guilt): على الرغم من أهمية الشعور بالذنب في تقييم سلوكنا، إذ يمكننا من إعادة التحقق من التبرير الأخلاقي لسلوكنا من عدمه، إلا أن المغالطة تحدث هنا عند محاولة الطرف الآخر إثارة الشعور بالذنب لدينا من قبيل الابتزاز العاطفي. ومن الأمثلة على ذلك: معاناة الناجين من الكوارث؛ من عقدة الذنب حيث يشعرون أنه من الخطأ بالنسبة لهم أنهم نجوا من الكارثة بينما مات آخرون (2).
الاحتكام إلى الشعور بالعار ( appeal to shame): أي الشعور بالخجل أو الإحراج عند التصرف بطريقة غير ملائمة اجتماعيًا أو أخلاقيًا، وتحدث مغالطة مناشدة العار غير ذي الصلة، عند محاولة الطرف الآخر تعزيز موقفه من خلال محاولته جرنا للشعور بالعار عندما يفتقد الدليل على ارتكابنا لفعل خاطئ أو غير مناسب (3). مثال: عليكِ أن تشعري بالعار لرفضك العريس الذي أراده والدكِ صهراً للعائلة.. كيف تجرئين على مخالفة إرادة والدك الذي تدعين محبتك واحترامك له!.
الاحتكام للخوف من العواقب (Appeal to consequences): وهذه المغالطة هي الأكثر استخداماً لدى السياسيين، وإن كان التخوف المعقول يحفزنا على التفكير بالعواقب عندما يكون هناك صلة واضحة بين الأسباب والنتائج كما في حالة الخوف من عواقب الإدمان على التدخين، فإن مناشدة الخوف تقع عند حصول حالة من التخوف غير المعقول نتيجة التأثر بالتهديد بالعواقب السيئة، وذلك لغرض إقناع الجمهور بموقف معين عند عدم كفاية الأسباب المنطقية (2). ومن الأمثلة على ذلك: الإعلانات السياسية التي يستخدمها الخصوم السياسيون ضد بعضهم في تحذير الجمهور من عواقب التصويت لطرف دون آخر.
المصدر:
1. Wrisley G. Appeal to Emotion: Pity. In: Arp R, Barbone S, Bruce M, ed. by. Bad arguments [Internet]. 1st ed. Hoboken: 9 John Wiley & Sons Ltd; 2019 [cited 25 April 2022]. Available from: هنا 2. Foresman G, Fosl P, Watson J. The Critical Thinking Toolkit. Hoboken. Wiley Blackwell; 2016. Available from: هنا 3. Damer T. Attacking faulty reasoning. 6th ed. Belmont: Wadsworth, Cengage Learning; 2008. p. 200-201. Available from: هنا