تطور المجتمع المدني - الجزء الثاني
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
في الجزء الثاني من تطور المجتمع المدني نقدم لكم، أعزاءنا المتابعين، وجهة نظر كل من جون لوك وجون استيوارت ميل فيما يتعلق بالمجتمع المدني:
المجتمع المدني عند جون لوك:
في مستوى الليبرالية السياسية يعتبر جون لوك بحق مؤسس الليبراليّة فلسفياً. كانت الحريّة الإنسانيّة الشغل الشاغل للوك، حيث كانت كل مؤلفاته تدور حول هذا الموضوع، وكتابه "رسالتان في الحكومة المدنية" كان انتصاراً للحكم المدني في وجه استبداد الملوك. وقد كرسه للدفاع عن الحريّة الأساسية، فركز لوك فيه على أن جميع الناس أحرار، وأن الحقوق الطبيعيّة ليست منحة من أحد، و إنما هي خصائص لصيقة بالذات البشريّة. ونوّه في كتابه على أنَّ السلطة السياسيّة تنشأ على أساس الرضا بين طرفي العقد.[1]
يخلص لوك إلى أنَّ المبدأ الكفيل بانطلاق المجتمع المدنيّ هو مبدأ اعتماد الأكثريّة، فإذا كان أساس المجتمع المدنيّ هو الموافقة التي يعطيها عدد ما من الناس لتشكيل كيان سياسيّ واحد، فلا بدّ من انتظام هذا الكيان وفق مبدأ الأكثرية أيضاً. واعتبر لوك قدرة الأغلبية في الكيان السياسي على اتخاذ القرار شرطاً لا بدّ منه لقيام هذا الكيان.
إن مبدأ إرادة الأكثرية عند لوك ليس شرطاً لقيام العقد الاجتماعي فقط، بل هو الشرط الأساسي لكل حكومة شرعية. ويرى لوك
أنّ الشعب، بتنازله عن السلطة، لا يصبح ملزماً تعاقدياً تجاه حكامه، حيث أنه لا يستعمل مصطلح "العقد" في توصيف الرابطة بين الحكام والمحكومين، بل يستعمل لفظ “الوديعة Trust"، فالسلطة المعطاة للحكام هي مجرد وديعة أو أمانة يمنحها لهم الشعب، وهو بذلك ليس ملزماً تجاههم بأيّ عقدٍ أو ميثاق، بينما هم ملزمون تجاهه بخدمة الخير العام، ومن ثم يجوز له أن يسحبها منهم إذا ما أخلوا بوظيفتهم تلك.
إن كتاب "المقالتان" لجون لوك، بتعبير جان جاك شوفالييه هو “التوراة السياسي للقرن الجديد”. والذي استلهمته الثورة الأمريكية، كما أثّر في الفكر السياسي الأنواري الفرنسي. وقد ظل فكر لوك أساساً مرجعياً للفلسفة السياسيًة الليبرالية في صيرورة تطور الفكر السياسي الأوروبي. إنّه فكر يقوم في رؤيته المجتمعية على منظور ذري تجزيئي، يخلص إلى بلورة فلسفة ليبرالية فردانيّة.[2]
المجتمع المدني عند جون استيوارت ميل:
بقيت المبادئ التي أرساها لوك أهمّ المكونات التي ارتكزت عليها الليبرالية حتى القرن التاسع عشر. وقام جون استيوارت ميل بتطويرها في إنكلترا من خلال كتاباته العديدة. يعتبر ميل واحداً من روّاد الحركة الليبراليّة في إنكلترا، حيث ساهم بشكل أساسي في دعم وتطوير وجوه الحرية المختلفة. عالج ميل قضايا مختلفة، أهمها مسألة الحريّة والسلطة. ويقصد بالسلطة سلطة المجتمع. وحرص على ألا تمّس الحريّة الفردية. ويرفض من هنا مبدأ القهر والسيطرة سواء عن طريق فرض العقوبات أو الإكراه الأخلاقيّ.
والحرية البشرية عند ميل تتضمن:
- الوعي الباطن: الذي يطالب بحرية الضمير وحرية الفكر والشعور والحرية المطلقة للرأي.
- حرية التذوق والسعي وراء الأهداف والرغبات التي تتناسب وطباعنا.
- حرية العمل وحرية اجتماع الآخرين،وحرية الاتحاد والتعاون لتحقيق غرض لا يتضمن إلحاق الأذى بالآخرين.[3]
المصادر:
[1] كريم أبو حلاوة، إشكالية مفهوم المجتمع المدني )النشأة – التطور – التجليات)، ص48.
[2] د. الطيب بو عزة، رؤية نقدية... جون لوك والمجتمع المدني
[3] كريم أبو حلاوة، إشكالية مفهوم المجتمع المدني (النشأة – التطور – التجليات)، ص49.
مصدر الصورة
هنا