يؤدي التقييد المتعمد للطعام عن طريق اتباع حميات غذائية وخاصة القاسية منها في كثير من الأحيان إلى نجاح محدود على مدى طويل في إدارة الوزن، لكنه في الوقت نفسه قد يساهم في زيادة الانشغال بالطعام والشراهة عند تناول الطعام وتأرجح الوزن بين زيادة ونقصان. وثبت أن اتباع نظام غذائي يتنبأ بزيادة الوزن مدة 5 سنوات وزيادة تنشيط مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه والمكافأة استجابةً للطعام. لذلك طُور نهج لا يعتمد على الحميات يُشار إليه ب(الأكل الحدسي - intuitive eating) (IE) الذي اجتذب اهتمامًا متزايدًا. ويعتمد الأكل الحدسي على تشجيع الأكل وفقًا لإشارات الجوع والشبع، بدلًا من الأكل العاطفي أو المتأثر بمؤثرات خارجية. علاوة على ذلك، فإنه يحول التركيز من وزن الجسم إلى الرفاهية والاستمتاع بالطعام، ويشجع على التخلي عن فكرة الأطعمة "المحظورة" أو "السيئة" ويعزز الإذن غير المشروط لتناول الطعام سواء من ناحية وقت تناوله أو نوعه (1).
في عديد من الدراسات، كان (تدخّل اليقظة - Mindfulness intervention) المحور الوحيد للتدخل الذي غالبًا ما اشتمل على الأكل الواعي، ويعد دور (اليقظة - mindfulness) و(الأكل اليقظ - mindful eating) والمفهوم الأحدث للأكل الحدسي في تعديل عادات الأكل هو مجال الاهتمام المتزايد.
ويقصد (بالأكل اليقظ - mindful eating) اتخاذ خيارات غذائية واعية، وتطوير الوعي الجسدي مقابل الجوع النفسي وإشارات الشبع، وتناول الطعام الصحي استجابةً لتلك الإشارات، وتصوره على أنه إيلاء اهتمام وثيق لتأثير الطعام في الحواس، وملاحظة الأحاسيس الجسدية والعاطفية المتعلقة بالاستجابة للأكل؛ وليس هناك تعريف عالمي للأكل اليقظ، لكن هذه المبادئ متسقة في الأدبيات (2).
ما تأثير الأكل اليقظ في سلوكيات الأكل غير الصحية؟ أبلغت 86% من الدراسات التي رُجعت عن تحسن في سلوكيات الأكل المستهدفة كما يأتي:
يُعالج الأكل بشراهة (3) أي تناول كمية كبيرة من الطعام في فترة زمنية قصيرة دون وعي أو سيطرة. وتشير نتائج الدراسات إلى أن الأكل اليقظ يُبطئ استهلاك الوجبة ويسمح بتسجيل مشاعر الشبع، وتحكم أكبر في تناول الطعام، مما يؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة الكلي؛ إذ يشعر الأفراد بالشبع عند تناولهم كمية أقل من الطعام (2).
يُقلل من (الأكل العاطفي - Emotional Eating) - وهو الأكل استجابةً لمشاعر معينة - (3)، فاليقظة الذهنية تقلل سوء فهم العواطف على أنها جوع، لذلك تتوقف عن زيادة كمية الأكل استجابةً للإشارات غير الجسدية (2).
يُقلل (الأكل الخارجي - External Eating) الذي يحدث عندما تأكل استجابةً للإشارات البيئية المتعلقة بالغذاء (3). فقد يعكس الإفراط في تناول الطعام اعتمادًا غير واعٍ على إشارات البيئة الخارجية؛ إذ تدمر الإشارات قدرة الشخص على المراقبة الذاتية للطعام الذي يأكله، لذا صُمّم استخدام اليقظة لمقاطعة هذه التأثيرات الخارجية التلقائية غير الواعية وزيادة الوعي بردود فعل الفرد تجاه المواد الغذائية الجذابة، والاعتراف بردود الفعل هذه بصفتها حالات عقلية عابرة بدلاً من تجارب حقيقية، وقلل احتمالية بدء الأفراد في سلوكيات الشراء والأكل إذ إنه تحديداً قلل تأثير المعايير الخارجية المتعلقة بالاستهلاك وتمكين الأفراد من تقليل تناولهم للطعام (2).
الأكل الحدسي وإدارة الوزن:
يعد الأكل بنهم والأكل العاطفي من السلوكيات المهمة المرتبطة بالسمنة، لكن نتائج استخدام اليقظة في تحقيق فقدان الوزن لدى الأفراد الذين يعانون زيادة الوزن أو السمنة كانت مختلطة، هذا ليس مفاجئًا نظرًا إلى الطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه للسمنة، التي تتطلب نهجًا علاجيًا متعدد الجوانب (2). لكن تتفق الغالبية العظمى من الدراسات على أن الأكل الواعي يزيد فرص نجاحك في إنقاص الوزن عن طريق تغيير سلوكيات الأكل وتقليل التوتر (4).
اذاً؛ قد لا يكون (IE) فعالًا بصفته إستراتيجيةً لفقدان الوزن من تلقاء نفسه، لكنه يعد مكملًا لبرنامج إنقاص الوزن وتعديل السلوكيات ونلاحظ في إحدى التجارب أنه أُدخلت مكونات الأكل الواعي وكانت نتائج إدارة الوزن إيجابية:
تعليم الأكل اليقظ عن طريق التمرين.
الانتباه اليقظ لتجربة الأكل عن طريق ملاحظة رائحة وملمس وطعم الطعام.
تقليل سرعة الأكل.
تأملات موجهة تركز على الوعي بالجوع والشبع.
تدخلات لتحديد مسببات الأكل بما في ذلك المحفزات العاطفية.
تدخلات لإدارة الرغبة الشديدة (2).
جُرّب الأكل الحدسي على مجموعة من النساء اللواتي أجمَعنَ على أنه النهج الأكثر صحة للطعام، وطريقة مفيدة لكسر دورة النظام الغذائي، ويهتم بالتأثيرات العاطفية في الأكل، إذ أدركن أنه لم يكن عليهنّ اتباع نظام غذائي، مما أدى إلى انخفاض الشعور بالحرمان وإلغاء تصنيف الأطعمة على أنها جيدة أو سيئة -الأمر الذي غالبًا ما يؤدي إلى الهوس-، والاستهلاك المفرط ثم الشعور بالذنب لاحقًا وكراهية الذات. بعد ذلك بدأت النساء تأكل من أجل الصحة، وأصبحن أكثر تعاطفًا وقبولًا مع أنفسهنّ (1).
يبدو أن اليقظة تعمل عن طريق زيادة الوعي بالإشارات الداخلية وليس الخارجية لتناول الطعام. لدى الذهن والأكل الواعي القدرة على معالجة سلوكيات الأكل الإشكالية والتحديات التي يواجهها كثيرون في تحكمهم في تناول الطعام. قد يبدو التشجيع على نمط الأكل الواعي بمثابة رسالة إيجابية يجب تضمينها في نصائح إدارة الوزن العامة (2).
المصادر:
1- Barraclough E, Hay-Smith E, Boucher S, Tylka T, Horwath C. Learning to eat intuitively: A qualitative exploration of the experience of mid-age women. Health Psychology Open [Internet]. 2019 [cited 22 September 2022];6(1):205510291882406. Available from: هنا
2- Warren J, Smith N, Ashwell M. A structured literature review on the role of mindfulness, mindful eating and intuitive eating in changing eating behaviours: effectiveness and associated potential mechanisms. Nutrition Research Reviews [Internet]. 2017 [cited 22 September 2022];30(2):272-283. Available from: هنا
3- O'Reilly G, Cook L, Spruijt-Metz D, Black D. Mindfulness-based interventions for obesity-related eating behaviours: a literature review. Obesity Reviews [Internet]. 2014 [cited 22 September 2022];15(6):453-461. Available from: هنا
4- Niemeier H, Leahey T, Palm Reed K, Brown R, Wing R. An Acceptance-Based Behavioral Intervention for Weight Loss: A Pilot Study. Behavior Therapy [Internet]. 2012 [cited 22 September 2022];43(2):427-435. Available from: هنا