هل نختار أصدقائنا بناءً على مورّثاتهم؟
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
سبق أن أظهرت دراسة العلاقات على شبكات التواصل الاجتماعيّ ميل الناس إلى اختيار أصدقاءٍ يشبهونهم، ولكن تبيّن أن هذا التشابه قد يكون أعمق من ذلك بكثير، فأصدقاؤنا يشبهوننا على المستوى الوراثيّ أيضاً!
كانت تلك نتيجة البحث الذي قام به العالمان كريستاكس وفولر في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمّت دراسة الجينوم (مجموع الجينات) لدى 2000 مواطنٍ أمريكي ولوحظ أنّ الأصدقاء منهم تربطهم صلةٌ جينية ملحوظة مقارنة مع الغرباء، فتوصلوا إلى أن كلّ صديقين يتشاركان معاً المادة الوراثية كما في درجة قربى ابن العم الرابع !
إلا أن هذه النتيجة المذهلة تدفعنا إلى سؤالٍ مهمّ وبديهي؛ كيف ذلك؟؟
إحدى الاحتمالات تشير إلى أن الدّراسة السابقة تمّت على عينة من الأشخاص تجمعهم صلة قربى بعيدة حيث أن كافة الجينومات التي تمّت مقارنتها أخِذت من قاعدة لبيانات سكّان السّاحل الشرقي الأمريكي والذين هم بمعظمهم بيض ومن أصل أوروبي، وبالتالي فإن الروابط الجينية بينهم قد تكون ببساطة انعكاساً للخلفية المشتركة.
لكن ذلك ليس صحيحاً؛ حيث أوضح العلماء أنّ الصلة الجينية كانت موجودة فقط بين الأصدقاء دون الغرباء منهم، ولو كان ذلك انعكاساً لأصل واحد لتشابهت جينات الغرباء بالقوّة ذاتها.
لا بد إذاً من أسباب أخرى تفسر هذا التشابه، وقد تم اقتراح فكرة تعود إلى 30 عاماً وتشير إلى أن جينات الإنسان تدفعه إلى البحث عن ظروف متوافقة مع مظهره الخارجي (نمطه الظاهري Phenotype)؛ فكما يقوم الفرد بإشعال النار إذا شعر بالبرد (وهو تكيف فيزيائي مع البيئة) فإنه سيقوم بالبحث عن صديق يشبهه هو في حاجة إليه (تكيف اجتماعي) وبذلك سينتهي الأشخاص ذوو الجينات المتشابهة في مجموعاتٍ اجتماعيةٍ متشابهة أيضاً؛ وهذا يفسر التشابه الجيني بين الأصدقاء، إلا أن الأدلة على ذلك غير كافية حتى الآن.
واستمرّت الفرضيّات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة، فتمّ اقتراح آلية أخرى لهذا التشابه تكمن في قدرة البشر بطريقةٍ ما على تمييز الأشخاص أصحاب النمط الوراثي المشابه لهم، ربما يكون ذلك بنوع من المشعرات الفرمونية (الفرمونات عبارة عن مواد كيميائية تفرزها الحيوانات والحشرات لجذب الآخرين). وقد أشار كريستاكس وفولر إلى أن بعض الجينات المشتركة التي وجدت كانت فعلاً متعلّقة بحاسّة الشم فأضافوا بذلك الاكتشاف دليلاً مثيراً للاهتمام إلى هذه الفرضية.
في النهاية، ومهما كان السبب الفعلي فإن اكتشاف وجود صلةٍ جينيةٍ مع أصدقائنا أمرٌ مميز حقاً، ومن الممكن أن يكون لهذه العملية الذكية في التصنيف الجيني للعلاقات الاجتماعية البشرية أثرٌ مهمٌ على العديد من العمليات البيولوجية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن هذا الاكتشاف قد يكون أول دليل على امتلاك البيئة الاجتماعية قوة تطوريّة وارتقائية ذات تأثير واضح على تكويننا الجيني، بحيث أننا قد طوّرنا طريقة لاختيار أصدقاء مشابهين لنا منذ أن بدأنا بالتفاعل الاجتماعي مع أشخاص آخرين لا يكنّون لنا أية قرابة.
ولا يخلو الأمر من بعض المحاذير؛ فدراسةٌ كهذه ستفتح باباً للجدل وسيودّ الكثير التأكد من أنّ الباحثين قاما حقاً بتفسير النتائج بشكل جيد، كما أنّ إعادة التجرية مرة أخرى لزيادة موثوقية النتائج قد يكون أمراً صعباً؛ فقاعدة البيانات المستعملة في هذا البحث فريدة من نوعها ولا مثيل لها في العالم (حيث تضمنت بياناتٍ جينية وأيضاً بياناتٍ عن صلات الصداقة التي تجمع أفراد العينة).
وقد أنهى الباحثان كريستاكس وفولر بحثهما مع الاعتقاد بأن اكتشافهما هذا سيكشف أسرار عملية التطور المتسارعة بشكل ملحوظ وغامضٍ إلى حدّ بعيد، والتي وصلت بنا إلى معجزة العقل البشري المعقد والضمير الواعي بلمح البصر بعد بلايين السنين من التغيّر البطيء نسبياً.
وإنتو قراءنا الأعزاء شو رأيكون بهالبحث الرائع؟ انشروه لرفقاتكون يلي بتعتقدو إنو في بينكم وبينهم تشابه كبير، معقول تكون أنماطكم الوراثية متشابهة معهم ؟!
المصدر: هنا
مصدر الصورة: هنا