الموسيقى ... لإحياء ذكريات المصابين بالخرف
الموسيقا >>>> الموسيقا والطب
هكذا أجابت السيدة المصابة الخرف صاحبة التسعين عاماً عندما سألها مُخرِج الأفلام عن طفولتها!
....
"إنّه لويس أرمسترونغ! يعزف بينما يبدأ القدّيسون مسيرهم..."
قالتها بعد لحظاتٍ من سماعِ موسيقىً قام المُخرِج بتشغيلها... وبعدها أخذت تتذكر تفاصيل محددة من حياتها، كيوم ميلادها، وحين أخبرتها أمها أن لا تستمع لموسيقى أرمسترونغ، وأنها عملت لدى Fort Jackson خلال فترة الحرب... وغيرها من التفاصيل.
"ألايڤ إنسايد" أو “Alive Inside” هو فيلمٌ يوثِّق القدرةَ السّاحرة للموسيقى على إيقاظ الذكريات والمشاعر الدفينة لمصابيّ الخرف وهو الفيلم الّذي كنا نتحدّث عنه في المقدّمة.
حيث قام ناشطٌ اجتماعيّ يدعى دان كوين بتوزيع أجهزة أي-بود إلى مراكز الرعاية حول البلاد. تحوي هذه الأجهزة على موسيقىً مخصّصة لتناسب كلّ مريض... وقد أُذهِلَ الجميعُ بنتائجَ تجعلا نتساءل فيما إذا كان هذا التحول الهائل في المشاعر والوعي لذكرياتٍ قديمة عند هؤلاء المرضى الطاعنين في السنّ ممكناً! وهذا ما دفع مجموعةً من الباحثين لدراسة هذا الموضوع والخروج بأفكارٍ تفسّر تأثيرَ الموسيقى على الدّماغ خصوصاً تلك الّتي تعني الكثير للمريض نفسه .
ترافق الموسيقى غالباً الأحداث الّتي تثير مشاعرنا أو تخلف انطباعاً قويّاً في ذاكرتنا كحفلات الزفاف أو التخرج أو حتى بعض الأوقات السعيدة الّتي نقضيها مع الأصدقاء في أيام الشباب؛ إذ يميل هذا النوع من الذّكريات إلى التداخل مع الموسيقى في شبكاتنا العصبية وذلك حسب أحد باحثات معهد سان فرانسيسكو للصحة. كما يُذكَر بأنّ الحركات، كالرقص، أيضاً تخزّن في ذاكرتنا بالارتباط مع الموسيقى... وهذا ما يمنح الموسيقى قدرتها على إحياء ذكرياتنا المرتبطة بها حتى ولو بعد سنواتٍ من انقضائها.
وكما يظهر الفيلم فإنّ هذه القدرة لا تقتصر على الأصحاء بل أيضاً على مصابيّ الخرف.
إذ لاحظ الباحثون أن مناطق الدّماغ الّتي تخزّن الموسيقى لا تتضرر كغيرها من المناطق عند هؤلاء الناس، وهم يعتقدون أن هذا الاستثناء قد يفسّر ما حدث!
ومما يدعم هذه النّظرية أنّ هؤلاء المرضى المسنين يكونون في مراكزِ رعاية ذاتِ بيئةٍ غير مألوفة لهم من نواحٍ مختلفة مما يجعل من الموسيقى القديمة الّتي اعتادوا سماعها وسيلةً فعّالة تساعدهم على استرجاع الذكريات... حيث تقول باحثة سان فرانسيسكو:
"إنّ هذه الذّكريات طويلة الأمد ما زالت –غالباً- موجودةً في أدمغتهم، ولكنّهم غالباً ما يحتاجون الكثير من الوقت لاسترجاعها نظراً لعدم توفر بيئةٍ محيطة مشابهة لما عاشوه، تساعدهم على النهوض بذكرياتهم." و تكمل: "إنّ تأثير الموسيقى لا يمكن تعميمه على العالم، فما يزال إدراك بعضِ المرضى للموسيقى مشوّشاً."
ومع ذلك ففي الوقت الحالي يتابع الناشط الاجتماعي دان كوين مهمته في استخدام الموسيقى لمساعدة المرضى وعائلاتهم ومحاربة داء الخرف، إذ ينوي نشر ذلك على امتداد الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد استطاع حتى الآن توزيع أجهزة أي-بود ل640 مركز رعاية في 45 ولاية، قائلاً: "نحن بحاجةٍ لاستخدام الموسيقى للوصول إلى الناس، ومساعدتهم على التعبير عن ذواتهم و حب أنفسهم، و الانطلاق للحياة من جديد."
علاوةً على ذلك، لقد اكتشف البحث أنّ للموسيقى قدرةً جيّدة على تهدئة المرضى المهتاجين دون الحاجة للأدوية المضادّة للذهان (نوع من الأدوية النفسيّة المهدّئة).
نأمل لهذا البحث وغيره من الجهود العلمية كل التوفيق في مساعدة المرضى حول العالم.
و نخبر كل المهتمين أن فيلم “Alive Inside” بدأ عرضه في صالات الولايات المتحدة منذ 18 يوليو/تموز لهذا العام.
بإمكانكم مشاهدة "التريلر" هنا :
المصدر: هنا