الأوزون سلاح ذو حدين
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> زراعة
يحمي أوزون الستراتوسفير الأرض من الأشعة فوق البنفسجية (يسمى اصطلاحاً بالأوزون الجيد). بينما يعتبر أوزون التروبوسفير من أهم المؤكسدات الضوئية ويصنف كملوث ثانوي (الأوزون السيء).
يعد الأوزون السيء أحد المكونات الأساسية لضباب المدن، لكنه يتذبذب تبعاً للفصل والوقت من اليوم كما ينتقل لمسافات طويلة كمشكلة عابرة للحدود. لا ينطلق الأوزون في الهواء مباشرةً وإنما ينتج عن تفاعل كيميائي بين أكاسيد النيتروجن (NOx) والمواد العضوية المتطايرة بوجود ضوء الشمس. مكونات التفاعل اللازم لإنتاج الأوزون تأتي من المصانع ومحطات الطاقة الكهربائية والسيارات والمحاليل العضوية المختلفة التي نستخدمها.
يمكن للأوزون التسبب بآثار صحية ضارة حيث يؤثر استنشاقه المؤقت على الرئتين والعينين ويضعف التعرض الطويل له وظائف الرئة خاصةً لدى الأطفال ومصابي الربو والأمراض التنفسية.
حديثنا اليوم ليس عن آثاره على الإنسان بل على النبات وإنتاج الغذاء.
في دراسةٍ جديدة، تبين أن بإمكان الأوزون ودرجات الحرارة المرتفعة أن يحدا معاً من غلة المحاصيل الزراعية، مع تباين الآثار حسب المنطقة.
فقد أظهرت العديد من الدراسات إمكانية أن يسبب تغير المناخ العالمي خفضاً في الإمدادات الغذائية، ولكنها تجاهلت في معظمها التفاعل بين زيادة درجة الحرارة وتلوث الهواء -التلوث بالأوزون على وجه التحديد- والذي يسبب تلف المحاصيل.
يمكن لتأثير هذا المزيج (الحرارة والأوزون) أن يكون واسع الطيف وخطيراًً، مما يشير إلى أهمية أخذه بالحسبان من قبل صناع القرار عند معالجة مسألة الأمن الغذائي.
تناولت الدراسة بالتفصيل الإنتاج العالمي من المحاصيل الغذائية الأربعة الأكثر أهمية –الأرز، القمح، الذرة، وفول الصويا- و التي توفر للبشر أكثر من نصف السعرات الحرارية التي يستهلكونها في جميع أنحاء العالم. يتوقع أن تختلف الآثار اختلافاً كبيراً من منطقة إلى أخرى، وأن بعض المحاصيل ستتأثر بشدة تجاه عامل دون آخر: على سبيل المثال، يعد القمح حساساً جداً للتعرض للأوزون، في حين أن الذرة تتأثر سلباً بشكل كبير بفعل الحرارة.
من المعروف أن كلاً من ارتفاع درجات الحرارة والتلوث بالأوزون يمكن أن يلحق الضرر بالنباتات ويحد من غلة المحاصيل الزراعية، إلا أن أحداً لم يدرس تأثيرهما معاً. وبينما تتم مناقشة ارتفاع درجات الحرارة على نطاق واسع، فإن الاهتمام بتأثير نوعية الهواء على المحاصيل لا يزال أقل شأناً.
يتوقع أن يؤدي سن قوانين أكثر صرامة لمسألة جودة الهواء إلى انخفاض حاد في تلوث الأوزون، والتخفيف من تأثيره على المحاصيل في الولايات المتحدة. أما في مناطق أخرى، فستعتمد النتائج على سياسات تلوث الهواء المحلية، لكن يبقى تحسين نوعية الهواء كفيلاً بتحسين الحاصلات الزراعية.
وجدت الدراسة عموماً، أنه بتساوي جميع العوامل الأخرى، قد يقلل الاحترار من الغلة العالمية للمحاصيل بنسبة 10% بحلول عام 2050. لكن آثار تلوث الأوزون أكثر تعقيدا –لأن بعض المحاصيل تتأثر بدرجة أكبر من غيرها– مما يوحي بأن تدابير مكافحة التلوث يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تحديد النتائج.
يمكن لتلوث الأوزون أيضاً أن يكون خادعاً ويصعب تحديده لأن أضراره قد تتشابه وأعراض الأمراض النباتية الأخرى، من حيث التسبب ببقع على الأوراق مع تغير لونها.
إن الانخفاض المحتمل في المحاصيل الزراعية مثير للقلق، فبينما يتوقع أن تزداد الحاجة إلى الغذاء إلى نحو 50% بحلول عام 2050، بسبب النمو السكاني وتغيير التوجهات الغذائية في العالم النامي، سيقابل أي انخفاض في عائد المحاصيل حاجة إضافية لزيادة الإنتاج من خلال الانتخاب وتحسين أساليب الزراعة، فضلاً عن التوسع في الأراضي الزراعية.
صحيح أن الحرارة والأوزون قادران على الإضرار بالنبات بشكل مستقل، إلا أن لهما تأثيراً مشتركاً عندما يجتمعان أيضاً. على سبيل المثال، يزيد ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ إنتاج الأوزون من التفاعلات بوجود ضوء الشمس ابتداءً من المركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين. بسبب هذه التفاعلات، وجد أن 46% من الأضرار التي تصيب فول الصويا والتي كانت تنسب إلى ارتفاع الحرارة هي في الواقع ناتجة عن زيادة الأوزون.
ضمن بعض السيناريوهات، وجد الباحثون أن تدابير مكافحة التلوث يمكن أن تغير من التأثير المتوقع لتغير المناخ على المحاصيل. مثلاً، في حين كان من المتوقع أن ينخفض الإنتاج العالمي بسبب التغير المناخي بنسبة 15% فإن خفض الانبعاثات الرئيسية والتلوث قلل هذا الانخفاض إلى 9%
قد يكون تلوث الهواء العامل الأهم في التسبب بنقص التغذية في دول العالم النامي حيث وجد الباحثون أنه تحت سيناريو أكثر تشاؤماً لنوعية الهواء فإن معدلات سوء التغذية قد تزيد من 18-27% بحلول عام 2050 ما يعني قفزة بمقدار 50%، أما في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فإن معدلات سوء التغذية ستستمر بالزيادة على الأقل.
إن الإنتاج الزراعي حساس جداً للتلوث بالأوزون، لذا فمن الأهمية بمكان أن نفكر في الآثار الزراعية للأنظمة المتعلقة بنوعية الهواء بالاضافة الى محاولة فهم أعمق لأسباب ظهور الأوزون، والخطوات التي يجب اتخاذها لتحسين جودة الهواء.
إذاً تخلص الدراسة إلى أن الضوابط على مستويات تلوث الهواء يمكن أن تحسن المحاصيل الزراعية وتقابل الآثار السلبية لتغير المناخ في المحاصيل. وبالتالي، فإن زيادة استخدام مصادر الطاقة النظيفة التي لا تنبعث منها أي من غازات الدفيئة أو ملوثات الهواء التقليدية، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، سيحقق فائدةً مضاعفة للأمن الغذائي العالمي لأن الطاقة عندئذ لن تساهم لا في تغير المناخ ولا في زيادة التراكيز السطحية للأوزون.
إذا كنت تعتقد أن الضرر الناتج عن هذا النوع من التلوث ليس على قدر من الأهمية فيكفي أن تعلم ما تعانيه الهند -كمثال- من هذا الملوث؛فقد سبب تزايد الانبعاثات تلوثاً خطيراً بالأوزون في الهند المكتظة بالسكان مما أدى لتدمير ملايين الأطنان من المحاصيل الرئيسية في البلاد وخسائر بأكثر من مليار دولار. فالتراكيز العالية للأوزون القريب من الأرض والناتج من عوادم السيارات ومواقد الطهو باتت تخنق النبات وتدمر الغطاء النباتي. قـُـدّر أن باستطاعة الهند إطعام 94 مليون جائع من القمح والأرز المفقود بسبب هذا التلوث أي ثلث عدد الجوعى البالغ عددهم 270 مليوناً في البلاد.... فقد كبير أليس كذلك؟!
أخيراً يبقى السؤال إذا كانت دول العالم النامي التي تعاني أصلاً من أزمات غذائية ومجاعات ستعاني من انخفاض في محاصيلها بسبب تلوث لم تتسبب به بل جاءها مع الرياح من الدول المتقدمة، أليس من الإنصاف أن تتم معالجة أسباب التلوث أو تعويض الدول المتضررة؟؟
المصادر:
هنا
هنا
هنا
مصدر الصورة:
هنا