مسألة العربة... بين الغريزة والأسس الأخلاقية
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
تخيل أنك تمشي على مقربة من سكة لعربة حديدية، عندما لاحظت 5 أشخاص مقيدين على التوالي على السكة، ثم تتفاجئ بوجود عربة خارجة عن السيطرة متجهة نحوهم. لا يوجد بين يديك سوى رافعة لتغيير المسارات. إذا رفعتها سيتغير سير العربة نحو سكة أخرى وتنقذ الـ5 أشخاص ولكنك ستقتل شخصاً آخر مربوطاً على تلك السكة. فماذا تختار؟
إن أغلب الناس سيختارون إنقاذ الأشخاص الخمسة وقتل ذلك الشخص الوحيد.
إليك سيناريو آخر. أنت جالس على رصيف المشاة الذي يطل على السكك عندما رأيت 5 أشخاص مقيدين على السكة الحديدية ويوجد عربة خارجة عن السيطرة تتجه نحوهم. لا يوجد أي شيء بجانبك يساعدك لتحويل المسار ولكن يوجد بالقرب منك رجل سمين. إذا قمت برمي الرجل السمين على المسار ستستطيع إيقاف العربة وإنقاذ الأشخاص الخمسة ولكن بهذه العملية ستقتل الشخص السمين. فماذا ستفعل؟ (بفرض أن جسمك ذو قوة مناسبة لرمي الرجل، هل ستعتبر أن عملك فعل بطولي؟(
من الناحية العددية، الحالتان متشابهتان. فهي تقنية صارمة تركز على القدر الأكبر من السعادة للعدد الأكبر من الأفراد. ففي الحالتين نريد قتل شخص لإنقاذ 5 أشخاص. ولكن الناس يبدون وجهات نظر مختلفة للحالتين. ففكرة الاستيلاء على أحد المارة وتجاهل صرخاته والتضحية به شيء غير مقبول لكثير من الأشخاص. تشير الاستطلاعات أن ما يصل إلى 90% منا سيقرر تغيير مسار السكة لإنقاذ الأشخاص الخمسة. في حين أن نسبة مماثلة ترفض التضحية بالرجل السمين مع إيجاد صعوبة بإعطاء تفسير أخلاقي لذلك.
لاشيء يأسر الفلاسفة أكثر من الظواهر التي تبدو بديهية وبنفس الوقت غير قابلة للتفسير. لذلك ومنذ تعين الفيلسوف الأخلاقي Philippa Foot هذه المسألة كتجربة فكرية في عام 1967 ظهر مشروع كامل لما دعي بـ “trolleyology” (علم العربة) مع العديد من "المتخصصين به" الذين قاموا بتوليد مسائل أكثر صعوبة وغرابة من أي وقت مضى. (طورت مسألة الرجل السمين من قبل الفيلسوف Judith Jarvis Thomson في عام 1985(. يرى البعض أن هذه المسألة مبتذلة ويوجد مثال تاريخي يعد أكبر قرار تاريخي تعسفي في العالم عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما وناغازاكي بحجة نهاية سريعة للحرب والتي من شأنها إنقاذ حياة العديد. وبالصدفة (الشريرة) كانت تلقب قنبلة ناغازاكي بالرجل السمين.
وقد اجتذب الـ Trolleyology اهتمام الفلاسفة التجريبيين، الذين يميزون أنفسهم عن فلاسفة الـ"كرسي" عن طريق اقتراض الأدوات التجريبية من علم الاجتماع وعلم النفس لمعرفة ما يحرك الشعوب. على الرغم من أنهم لم يقوموا بوضع سكة حديدية حقيقية، إلا أنهم استخدموا أدوات كـ"استبيان الحس الأخلاقي" للطلاب على الإنترنت في جامعة هارفرد.
وكانت نتائج هذه الدراسات رائعة. فهي على سبيل المثال، تبين أن النساء أقل عرضة للتضحية بالرجل السمين أو حتى لتحويل المحولة إلى السكة الأخرى. وكشفت تحقيقات أخرى أن الناس هم أكثر عرضة للموافقة على قتل الرجل السمين إذا شاهدوه في مقطع كوميدي كبديل عن "فيلم وثائقي ممل". بينما أقيمت العديد من الأبحاث الأخرى للبحث في الطبيعة المحتملة لاستجاباتنا الأخلاقية. فنحن غالباً ما نكون أكثر سخاء تجاه الغرباء إذا ما كنا قد وجدنا للتو قطعة نقود في الممر. فقرار القاضي لمنح إطلاق السراح المشروط قد يعتمد على الوقت الذي قضاه مذ تناول الغداء. فهل هذه هي "الغرائز الأخلاقية العميقة الجذور" التي نتخذ على أساسها القرارات التي من الممكن أن تؤثر على عشرات أو مئات الآلاف من بني البشر؟
يبدو أن أسسنا الأخلاقية ليست عميقة كفاية بقدر غرائزنا، بل على العكس فهي متقلبة وقابلة للتلاعب بسهولة. وهذه الطواعية من الممكن أن تكون جيدة أو سيئة. ويذكرنا كاثكارت أن الكثير من الناس البيض قبل 150 سنة كانوا قد اعتبروها وبوضوح غريزي أن الناس السود كانوا مختلفين والعبودية مسوغة. إلا أن الحجج الأخلاقية المنطقية غيرت الافتراضات المتخذة سابقاً.
إن الكرسي مكان مفيد لقراءة كتب مثل هذه. ومع كل هذه المساعدة لربما بعد ذلك عندما تأتي عربة من الطراز الأول قاب قوسين أو أدنى ومع نصف ثانية لاتخاذ القرار سيكون من الصعب أن أن تتخذ القرار الصائب مهما كان.
مصادر وقراءات أخرى:
هنا
هنا
Philippa Foot، The Problem of Abortion and the Doctrine of the Double Effect in Virtues and Vices (Oxford: Basil Blackwell، 1978)(originally appeared in the Oxford Review، Number 5، 1967.)
Judith Jarvis Thomson، Killing، Letting Die، and the Trolley Problem، 59 The Monist 204-17 (1976)
هنا
مصدر الصورة: هنا