الزجاج المعدني
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
- تاريخ الزجاج المعدني وآلية الحصول عليه:
تم اكتشاف الزجاج المعدني لأول مرة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام 1960 لذلك تعتبر هذه المادة من المواد الحديثة في مجال علوم المواد، في بداية التسعينات قام فريق من الباحثين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بقيادة الباحث و الاستاذ في العلوم التطبيقية والهندسية وليم جونسون بإنتاج قطع اكبر حجماً من الزجاج المعدني. لم تكن هذه القطع المنتجة شفافة كما هو الحال في الزجاج النوافذ، ولها تركيب ذري غير منتظم (لابلوري).
لصناعة أجزاء مفيدة من الزجاج المعدني نحتاج إلى تسخين المواد إلى درجة التحول اللابلوري، اي ضمن نطاق درجات حرارة تتراوح مابين 500-600 درجة مئوية فتصبح عندها المادة لينة وعلى شكل سائل سميك يمكن قولبته وتشكيله ، ولكن لماذا علينا تجنب تبلور المادة؟ لانه في الحالة المنصهرة للمادة تميل الذرات إلى ترتيب نفسها تلقائياً لتشكيل البنية البلورية المنتظمة كما في الزجاج، ولكي يتم تشكيل الزجاج المعدني يجب أن يعاد تجميد هذه المادة المصهورة قبل أن تعيد هذه الذرات ترتيب نفسها والوصول إلى البنية البلورية، أي يجب تجنب مرحلة التبلور وبالتالي المحافظة على بنية المادة اللابلورية (غير المنتظمة) وهو ما يجعلها تتصف بالصفات والخصائص أنفة الذكر .
بالنسبة لزجاج النوافذ وبعض أنواع البلاستيك فإن المدة الزمنية للبلورة تتراوح من بضع دقائق إلى حوالي الساعة أو أكثر ضمن الحالة المنصهرة، وهو ما يوفر الوقت الكافي لإجراء عمليات القولبة والتشكيل حيث أن المادة في هذه الحالة تبرد وتتجمد قبل الوصول لعملية التبلور . إلا أن الزجاج المعدني يتبلور غالباً دفعة واحدة وضمن فترة زمنية صغيرة نسبياً لذلك عند تسخين
الزجاج المعدني يجب تجنب مرحلة التبلور السريع لكي تتحول القطع المعدنية العادية إلى زجاج معدني وهو التحدي الرئيسي الذي واجهه الباحثون للوصول لتلك المادة.
سابقاً تم استعمال طريقة إنتاج قطع من الزجاج المعدني وذلك بتسخين خليطة معدنية فوق نقطة الذوبان البلوري أي عند درجة قدرها 1000 درجة مئوية ثم تم سكب مصهور هذه المادة ضمن قالب معدني من الفولاذ ليتم تبريدها قبل وصولها إلى الحالة البلورية. نشأت مجموعة من المشاكل خلال عملية انتاج هذه القطع من الزجاج المعدني كان سببها أن قوالب الفولاذ بشكل عام تكون مصممة لتحمل درجات حرارة تقدر ب 600 درجة مئوية ونتيجة لذلك يجب استبدال هذه القوالب تكرارا عند اجراء عمليات السكب وهو أمر مكلف نوعاً ما ، وبالإضافة لذلك فإن هذه المواد عند الدرجة 1000 مئوية تكون سائلة وشديدة الميوعة والتدفق بحيث تجعل هذا السائل يتراشق ويتشقق عند السكب وهو ما يتسبب بعيوب في بنية العينة. في حال تسخين الزجاج المعدني إلى الدرجة (500-600) مئوية فإنه سيصل لنفس درجة السيولة للبلاستيك السائل والتي يتطلبها لإجراء عمليات المعالجة، ولكن هذا الامر يحتاج الى بعض الوقت وذلك لكي تنتشر هذه الحرارة عبر جميع اجزاء الزجاج المعدني ، وخلال هذه الفترة لعملية الانتشار ستصل المادة إلى درجة الحرارة التي يتم خلالها عملية التبلور وبالتالي ستفقد خواص الزجاج المعدني الفريدة لذلك في عام 2010 قام الباحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالبحث عن استراتيجية جديدة لتسخين ومعالجة الزجاج المعدني بسرعة كبيرة. فطوروا تقنية جديدة تسمح لهم بصناعة أجزاء من الزجاج المعدني وذلك باستخدام نفس التقنيات غير المكلفة نسبياً والمستخدمة في صناعات البلاستيك (البوليميرات).
وفق هذا الاسلوب الجديد يمكن تسخين قطع من الزجاج المعدني تسخيناً سريعاً بمعدل حرارة قدرها مليون درجة مئوية خلال ثانية واحدة فقط، ثم قولبة هذه القطع إلى أي شكل وذلك ضمن فترة زمنية قصيرة لا تتعدى بضع الميليات من الثانية، بالطبع التسخين لم يستمر لثانية واحدة بل نصف ميلي ثانية وحصلوا على التسخين المطلوب. يقول وليم جونسون قائد فريق البحث " لقد أعدنا تعريف عملية معالجة المعادن وذلك يعتبر نقلة نوعية في الصناعات المعدنية ، لقد اخذنا العامل الاقتصادي لصناعة البلاستيك وطبقنا ذلك على المعادن التي تمتلك خواص هندسية رائعة، حيث حصلنا في نهاية المطاف على قطع ذات تكلفة منخفضة وأداء عالي ودقة تصنيع جيدة توافق ما يتم صناعته بالقطع البلاستيكية ولكن باستخدام قطع معدنية لتكون اقوى واصلب بـ20 مرة من القطع البلاستيكية". تم نشر نتائج هذه الدراسة في ايار ضمن مجلة journal Science .
اكتشف فريق البحث أنه إذا تمت العملية بسرعة كافية فإنه يمكن تسخين الزجاج المعدني لتحويله إلى الحالة السائلة وهذا السائل يتم حقنه ضمن قالب ليتصلب قبل أن تحدث عملية التبلور. استخدم الباحثون طريقة التسخين الأومي، وذلك لتسخين المواد بشكل سريع ومتكامل حيث اطلقوا نبضة قصيرة ومكثفة من التيار الكهربائي وبطاقة قدرها 1000 جول في الميلي ثانية أي حوالي واحد ميغا وات من الطاقة لتسخين قضيب صغير من الزجاج المعدني، النبضة الكهربائية سخنت القضيب الكامل (وهو بطول 2 سم وقطر 4 ملم ) بمعدل درجة حرارة قدرها مليون درجة خلال ثانية واحدة. يقول جونسون " استطعنا تسخين الزجاج بشكل متجانس اسرع بحوالي الف مرة على الأقل من أي شخص قام بذلك سابقاً" في الوقت الحالي يكفي نصف ميلي ثانية للوصول إلى درجة الحرارة المناسبة ويمكن خلال ميليات من الثانية فقط أن نقوم بحقن وقولبة وتشكيل وتبريد الزجاج المعدني .
بالإضافة لهذا فإن تلك العملية تسمح للباحثين بدراسة حالات هذه المواد المنصهرة والتي لم يكن من الممكن اجراءها سابقاً، فعلى سبيل المثال ومن خلال طريقة تسخين المواد قبل ان تتبلور ، يمكن للباحثين دراسة عملية التبلور نفسها على جداول زمنية بتردد قدره ميلي ثانية.يقول جونسون " من خلال هذه التقنية الجديدة تم تسجيل براءة اختراع دعيت بـ عملية التشكيل التفريغي السريع ، وهي حالياً في مرحلة التطوير من اجل التسويق " في عام 2010 قام جونسون وزملاؤه في شركة المواد الزجاجية للتكنولوجيا بتسويق خلائط معدنية زجاجية مبتكرة باستخدام هذا النوع من التكنولوجيا.
يبين الفيديو التالي مقارنة بين الزجاج المعدني ذو البنية اللابلورية ومعدن الفولاذ ذو البنية البلورية:
طبعاً برغم من كون هذه المادة تتمتع بصفات رائعة إلا أنها تمتلك بعض السلبيات فهي لا تمتلك ليونة عالية كما هو الحال في المعادن ولا يمكن تصنيعها بأحجام كبيرة فسماكتها لا تتجاوز بضع السنتيمترات ، وذلك لأن السماكات الكبيرة تؤثر على سرعة تبريدها مما يتعذر انتاجها بدون حدوث عملية التبلور.
_ماهي تطبيقات الزجاج المعدني؟
بفضل الخصائص الفريدة التي يتمتع بها هذا النوع من المواد فيمكن أن يستخدم للعديد من التطبيقات من الهاتف الخلوي إلى قطع غيار الطائرات. من أهم تطبيقات الزجاج المعدني الطلاءات الصناعية للمواد التي تتعرض لعمليات التآكل ودرجات الحرارة العالية وخاصة في المنشآت النفطية وذلك لكون الزجاج المعدني يمتلك أقل معامل احتكاك من أي طلاء معدني آخر، ومن التطبيقات الرياضية رأس عصا الجولف المعدني غير المتبلور والتي صنعتها شركة Liquidmetal وبدأت بتسويقها في عام 1998 ،كما استخدُمت عسكرياً في صناعة الدروع المضادة للذخيرة ، وفي المجالات البصرية في صناعة المرايا ، وفي المجالات التقنية كأغلفة الالكترونيات ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية وأجهزة الهاتف المحمول بسبب كونها أصلب وأصغر حجماً وأقل سمكاً، تستخدم أضياً في الادوات الطبية مثل المباضع والمشارط والسكاكين الجراحية الطبية لأنها أكثر حدة من الفولاذ وأقل تكلفة من الألماس وهي ذات نوعية أعلى من الالماس بالإضافة لكونها طويلة الامد في الاستخدام كما يمكن ان تستخدم في زرع المواد الاصطناعية مثل مثبتات الكسور العظمية. تستخدم ايضاً في المجوهرات كالساعات والخواتم ،كما لها الكثير من التطبيقات الأخرى كونها تتمتع بخواص كهربائية ومغناطيسية.
آخر ماتوصلت إليه الابحاث عن هذه المادة؟
اعلنت شركة تناكا هولدينغ المحدودة في 1 كانون الاول 2014 في عاصمة اليابان طوكيو والتي تعمل في مجال تصنيع المعادن الثمينة عن تطويرها مسحوق من الزجاج المعدني من البلاتين يمكن أن يستخدم في الطابعات ثلاثية الأبعاد 3D الانتقائية وهو ما يعتبر أول نجاح عالمي في تطوير وتشكيل المساحيق المعدنية.
*شرح الصورة: على اليسار قضيب من الزجاج المعدني قبل التسخين والقولبة، في الوسط مسكوبة الزجاج المعدني، على اليمين المنتج النهائي بعد إزالة زوائد السكب
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
حقوق الصورة: NASA/JPL