الإنتقاء الجنسي عند البشر | ترجيح اختيار الذكور على الإناث
البيولوجيا والتطوّر >>>> التطور
إنّ الجهاز العصبي لا يقوم بتنظيم وظائف الجسم وحسب، لكنّه يؤثر أيضاً بشكلٍ غير مباشر على التطور التدريجي للبنية الجسدية وبعض الصفات العقلية، على سبيل المثال: تأثير الحب والغيرة، الصبر، الشجاعة، القوة وكيفية تقدير جمال الصوت أو الشكل أو اللون؛ جميعها تعتمد بشكلٍ واضحٍ على تطور الدماغ.
- ما المقصود بالإنتقاء الجنسي؟
لنتكلم في البداية عن الإنتقاء الجنسي عند الحيوانات التي تحدد بنفسها الصفات التي ستنتقل عبر الأجيال ولا تلعب بيئتها المادية دوراً في ذلك، مثالنا هو أنثى الطاووس التي تعتمد في اختيارها للذكر على حجم وجمالية ذيله فتضمن بذلك أفضل الجينات لفراخها، حيث يمثل الذيل الكبير دليلاً على امتلاك الذكر القدرة على إطعام صغاره، ومقاومة الطفيليات، والهروب من الحيوانات المفترسة وكل الأمور التي تساعد في بقاء سلالته على قيد الحياة.
من المحتمل أن تكون القدرات العقلية البشرية قد تطورت بطريقةٍ مُشابهة، فالمواهب والمهارات الفريدة في اللغة والرقص والموسيقى والفنّ تُشير إلى مورّثاتٍ جيدة من أجل البقاء والإستمرار، وتضفي بذلك مزيداً من الجذب للجنس الآخر، فعندما يتعلّق الأمر باختيار الشريك المناسب يكون الجنس الأكثر انتقاءً هو الجنس الذي يعطي أكثر في عملية التكاثر، وهذا ما يمثل المبدأ القياسي في البيولوجيا التطورية.
وهذا يعني الإناث على وجه التحديد، لما يترتّب عليهنّ من أعباء الحمل، فهناك فرقٌ كبيرٌ جداً بين عملية الإنجاب التي تستغرق تسعة أشهرٍ عند الإناث في حين لا تتجاوز تسعَ ثوانٍ عند الذكور، ولنقل تسعَ دقائق، ويبقى الخلل واضحاً حتى لو كانت تسعَ ساعاتٍ أو أيامٍ أو أسابيع.
يفرض هذا التفاوت الكبير على الأنثى أن تتطوّر "لتمارس اختيار الشريك الأمثل"، الأمرُ الذي يبدو سهلاً جداً من وجهة نظرٍ بيولوجية، لكنّ العوامل الإجتماعية والمادية في أيّامنا هذه تزيده تعقيداً. فلا يمكننا إهمال دور الذكر في الإنفاق المادي على العائلة لحوالي ثمانية عشرَ سنة مقابلَ تسعةِ أشهرٍ من الإنفاق البيولوجي من قبل المرأة، حيث يجب أن تُؤخذ الفترة الزمنية لتوظيف كلٍّ من الجنسين، سواء كان مادي أو بيولوجي، بعين الاعتبار.
- لكن هل يتساوى الرجال والنساء عندما يتعلّق الأمر بالإنتقاء الطبيعي؟
اقترح الباحثون أنّ عملية الإنتقاء الجنسي أكثر أهمية عند الرجال منها عند النساء من ناحية توريث المورّثات، ليس فقط لأنّ الزواج بأكثر من شريكٍ يزيد من فرص نجاح الإنجاب عند الرجل، ولكن أيضاً بسبب ميل الرجال للزواج بإناثٍ أصغر سناً مع إمكانات أفضل للإنجاب. كما أنّ الصفات والخصائص التي تزيد من فرص نجاح الزواج عند الذكور، مثل الجاذبية، تتطور بسرعةٍ أكبر من تلك التي تزيد من نجاحه عند الإناث. فالرجال والنساء غير متساوين عندما يتعلق الأمر بالإنتقاء الطبيعي، لأنّ الرجال قادرون على جذب شريكٍ جديدٍ وزيادة نسلهم، ومن الناحية العملية يميل الذكور في اتّخاذ قرار الزواج إلى الصفات الجسدية بالإضافة إلى نمط سلوك الأنثى.
وقد تطوّر دماغ الإنسان في ظلِّ عدم التوازن الشديد بين توظيف كلٍّ من الذكور والإناث، ويبقى في المقابل تأثير الدوافع العاطفية والتقاليد الثقافية، فعلينا أن نتوقّع أنّ زيادة انتقاء الذكور تتناسب مع زيادة توظيفهم في عملية التكاثر وتأسيس العائلة.
بذلك نكون قد رأينا كيف يتفاوت الإنتقاء الطبيعي في تأثيره على كلٍّ من الجنسين، ونشير أخيراً إلى أنّه يؤثر بالمقدار نفسه على الفقراء والأثرياء في المجتمع.
ويمكن لنا القول أنّ جنسنا البشري مايزال يتطور، تماماً مثل كل الأنواع الأخرى في الطبيعة، وليس كما يُشاع بأن التطور قد حدث منذ وقتٍ طويلٍ مضى، ولكي نفهم أنفسنا جيداً يتوجب علينا النظر بعيداً في العصر البدائي للإنسان؛ عصر الصيد وجني الثمار.
المصادر:
هنا
هنا
هنا