مراجعة مسرحية (هَملِت): أكون أو لا أكون! تلك هي المسألة.
كتاب >>>> روايات ومقالات
واحدٌ مِن أشهر عمالقةِ الشّعر المسرحيّ الإنكليزيّ، وِلمَن لا يعلم فقد عاش اثنان وخمسين عاماً فقط!.. وُلِدَ وتوفيَ في "ستانفورد" في أواخر القرنِ السَّادس عشر وبدايات القرن السَّابع عشر.
تميّز "شكسبير" في المسرح الشّعريّ، ويَعتبرُ النّقاد أنّ كلّ من كَتبَ هذا الجنسَ الأدبيّ مِن بعدهِ قد غرفَ مِن بحره الزَّاخر.
في مقالِ اليوم، سنتناول -بكلّ تواضعِ التَّلامذة- الحديثَ عن واحدةٍ مِن أشهر تراجيديات "شكسبير"، وهي مسرحيّةُ "هَملِت".
وللتنويه! المقال ليسَ نقداً أو دراسةً أدبيّةً لمسرحيّةِ "شكسبير" فأنا -عزيزي القارئ- أقلّ شأناً مِن أن أجرؤَ على هكذا عمل، إنّما هَمّي ومُنتهى أملي أن أُحفِزكَ على أن تَقرأَ هذه المسرحيّة وتنهلَ من ماء الحِكمة فيها.
بدايةً، سنعرضُ ملخّصاً قصيراً جدّاً لأحداثِ المسرحيّة:
تَجري الأحداثُ في مملكةِ الدِنمارك في القرن الرَّابع عشر بعد مقتلِ "هَملِت" ملكِ الدّنمارك مباشرةً، ولكنَّه ليسَ بطلنا الّذي سُمّيت المسرحيّة باسمه ولكنَّ البطلَ هو ابن هذا الملك، إذاً فالملك وابنه يحملان نفس الاسم "هَملِت"!.
يُقتَلُ الملكُ على يدِ أخيه "كلوديوس" الّذي يدّعي بأنَّ أفعى قد قتلت أخاه، وسُرعان ما يتزوّج الملكُ الجديد "كلوديوس" من المَلكة "جيرترود" زوجةُ الملكِ السَّابق، عندها انتشرَ الخبرُ بين العامّة بأنَّ الملكة قد أقدمتْ على فِعلٍ شنيعٍ ولم يبرّؤوا المَلك الجديدَ من دمِ أخيه.
تأخذُ الحيرة بِـ "هَملِت الابن" وتبدأ صراعاته النَّفسيّة، فهو يَشكّ بعمّهِ ولا يبرّءُ أُمّه؛ ويحدثُ أن يرى طيفَ أبيهِ يخبرهُ بِأنَّ عمّهُ قد قتلهُ واستولى على مُلكِهِ وفراشه ويحثّهُ على الثَّأر، فتزدادُ صراعاتُ "هَملِت" الدَّاخليّة ويشكّ بأنَّ مَن ظهرَ له هو الشَّيطان وليس روح أبيه الطَّاهرة.
يبدأُ "هَملِت" في محاولةِ التَّحقُق من أنَّ عمّه قد قتل أباهُ فعلاً، فيدّعي الجُنون حتّى يسهّلَ عليه ذلك ولكيلا يَشكّ عمّهُ بأمره ويسعى في قتلهِ!.
تخطرُ لهَملِت فكرةُ أن يدعو فرقةً مسرحيّةً تجسّدُ سيناريو قتلِ أبيه في بَلاط القصر، ويشاهد وقع هذه المسرحيّةِ على عمّهِ وهذا ما يحدثُ بالفعل، وتَصدقُ نُبوءةُ "هَملِت" فلم يستطِع الملكُ اكمالَ المسرحيّة ويضطربُ اضطراباً شديداً يجعله يُنهي هذه المسرحيّة.. مما يؤكّدُ لهَملِت من أنَّ "كلوديوس" قد قتلَ أباهُ فعلاً.
لكن ما الّذي سيحدثُ بعد ذلك؟ وهل يقتلُ هَملِت كلوديوس؟ وما مصيرُ "جيرترود"؟ وما مصيرُ "أوفيليا" الحبيبةُ الّتي اضطرّ "هَملِت" لنُكرانها بسبب ادّعائه الجُنون؟
ماذا سيفعل المستَشار "بولونيوس" وابنه "لايرتس"؟ والسّؤال الأهم ما هو مصيرُ هَملِت نفسه؟؟.
إنَّ أبعدَ ما يمكنني أن أخبركم بهِ هو أنَّ الّنهايةَ ستكونُ محزِنةً جدّاً وغير متوقّعَة ومليئة بالأسى.
هذه هي القصّة المنقوصةُ والمشوّهَةُ للمسرحيّة؛ ولكنَّ العِبرةَ ليست هُنا، العبرة -عزيزي القارئ- تكمنُ في الثّمار الفكريّةِ المُحمّلة على ألسنةِ الشَّخصيات، هذه الثّمارُ الّتي تُعتبر روحَ عبقريةِ "شِكسبير"!.. حيث تراهُ ينفذُ بمهارةِ ثعلبٍ إلى كوامن النَّفس البشريّةِ، يعبّرُ عنها بأبلغِ الصّور وأبهى العبارات ليَضعنا وَجهاً لوجه أمامَ أنفُسِنا.. ويا لها من مُواجهة!!.
أمّا تعريف التَّراجيديا الّذي قالهُ الشَّاعر "فيليب سيدني" فينطبق تماماً على مسرحيّة "هَملِت":
"التَّراجيديا الرَّاقية والمُمتازة، الّتي تَفتحُ الجِراحَ الكبيرة، وتُطلقُ القُروحَ الّتي تخفيها الثّياب، والّتي تجعلُ الملوكَ يخافونَ أن يكونوا مستبدّين، وتُظهِر الطُّغاةَ في مزاجهم المستَبد.. حيثُ أنَّه بإثارةِ مشاعرِ الإعجابِ والمواساةِ تعلمُ الشَّك في هذا العَالم، والأساسات الواهيةَ الّتي تُبنى عليها السُّقوفُ المَطليّةُ بالذَّهب".
ويرى بعضُ النُّقاد بأنَّ "شِكسبير" ركّزَ في كلّ مّسرحيّةٍ مِن مَسرحيّاتهِ التَّراجيديّة على صفةٍ مُلازمةٍ لبطلِ المسرحيّة، وعلى الأعمّ الأغلب تكونُ هذه الصّفةُ هي نقيصةٌ أو هفوةٌ في هذه الشَّخصية. فبالنسبة لِهَملِت يرونَ أنَّ صفةَ التَّردد في حسمِ قرارهِ كانت هي عيبه ونقيصةَ شخصيّته، فلو أنَّه حسمَ أمرهُ منذُ البداية في وجوب قتلِ عمّهِ لكانَ وفّر تلكَ النّهايةَ المأساويّةَ في الفصل الأخير، ولكنّها إرادةُ "شكسبير" الّتي أخذتنا حيثُ يُريد.
كُتِبتْ قصّةُ هذا الأميرِ الدّنِماركي عدّةَ مراتٍ -يُرجّح البعضُ أنّها ثَلاث- قبل أن ينبري لها "شِكسبير" ليخرِجَ لنا هذه الرَّائعةَ الأدبيّةَ الّتي تُعتبرُ من أطولِ التَّراجيدياتِ الّتي كَتبها، فهي تستغرقُ حوالي الأربعِ ساعاتٍ على الخشبة.
عرِضتْ "هَملِت" مرّاتٍ لا حصرَ لها على مسارحِ العالم وألهمَتْ الكثير من المَسرحيينَ على محاكاتها وِإخراجِ مسرحيّاتٍ مِن رَحم قصّتِها، وقد جسّدَتْ على الكثيرِ مِن مسارحِ العالم العربي.
نهايةً، لابُدَّ من الإشادةِ بالشَّاعر "خليل مُطران" الّذي أبدعَ في ترجمةِ هذه المسرحيّة، والّذي لَم يحرِمنا من متعةِ القراءة بلغةٍ شعريّةٍ بهيّةٍ حققت هدف التَّرجمةِ الأوحد.. ألا وهو (عدمُ شعور قارئ التّرجمة بأنَّ النّصَ مترجمٌ من لغةٍ أَخرى).
معلومات الكتاب:
الكتاب: هَملِت.
المؤلف: وِليَم شِكسبير.
التَّرجمة: خليل مطران.
دار النشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
عدد الصَّفحات: 92 قطع متوسط.