مراجعة كتاب (العلم والحياة): العلم هو الحل
كتاب >>>> الكتب العلمية
في الكتابِ آمالٌ عريضة تمنّاها الكاتب في حينه، وعندما نقرأ اليوم ما كتبَ نشعر بالأسى والحزن لما آلت إليه أحوالُنا والّتي لم يكن يتمنّاها العلّامة «مُشَرَفة» أبداً، بل كان يعتقد بأنّ هذا الكتاب سيشكّل حافزاً عند المجتمعات العربيّة من أجل الاهتمام بأمرِ العلم لأنّه السّبيل الوحيد لإصلاح ما فسد من شؤوننا.
ولكنّ قبل الخوض في هذا الكتاب، سنتوقّف قليلاً مع العلّامة "علي مصطفى مشرفة"، أو كما يُلقّب «آينشتاين العرب». وُلد في مصر عام 1898 في محافظة دمياط، وحصل على دكتوراه فلسفة العلوم من جامعة لندن ولُقّب أستاذاً للرياضيات التّطبيقيّة في جامعة القاهرة وهو دون الثّلاثين من عمره.
لعلّ سبب تسميته بآينشتاين العرب عائد إلى مناقشته عدّة أبحاث مع العالم الأشهر صاحب النّسبية "آلبرت آينشتاين". توفي مشرفة في العام 1950، وتتلمذ على يديه العديد من العلماء لعلّ أشهرهم العالمة المصريّة "سميرة موسى".
يضمّ الكتاب ثمانَ مقالات بالإضافة إلى المقدّمة والخاتمة.. تتناولُ هذه المقالات علاقة العلم مع كلٍ من السّياسة والصّناعة والمال والأمم العربيّة والشّباب والأخلاق والدّين والحياة.
حيث يتناول الكاتب بشيءٍ من التّفصيل علاقةَ العلم مع كلّ جانبٍ من هذه الجوانب، ويُبرز أهميةَ العلم في تطوّر جميع مناحي الحياة وأنّه بإدخالنا العلم إلى أيّ مجال من هذه المجالات فإننا سنحظى بخير وفير وعطاء غزير.. فالسياسة مثلاً، يجب أن تتعاونَ مع العلم لكي تسخّر القوى المختلفة لخدمة الإنسانيّة ورفاهيتها طالما أن هدفها الأسمى هو خير البشر وسعادتهم.
كما أنّ الصّناعة في بداية القرن الماضي كانت حرفيّة تعتمد على اليد العاملة دون الآلة، فجاء الكتاب يحثّ أصحابَ الحِرَف على تطوير منتجاتهم من خلال تطوير وسائل إنتاجها والتّحول من اليد العاملةِ إلى الآلة الّتي تعمل دون كلل أوملل وتوفّر الوقت والجهد على الحرفيّ.
أما فيما يخص العلم والمال، حاول الكاتب أن يستفسر من أصحاب رؤوس الأموال العربيّة عن الفائدة من تكديس الأموال دون الاستفادة منها، وقدّم بعض الأفكار العامّة حول أهميّة تطويع هذه الأموال في خدمة الصّناعة والزّراعة والتّجارة على أسسٍ علميّة مما يساهمُ في نماء هذه الأموال وتطوّر البلد ونمائها وتشغيل الأيدي العاملة فيها.
كما وجّه الكاتب الانتباهَ إلى جغرافية الأمم العربية وما فيها من ثروات وموارد طبيعيّة وبشريّة لو أُحسن استخدامها بطرقٍ علميّة لجعلتْ من العرب أمةً رائدة كسالف عهدها الماضي.
يورد الكاتب مقولةً لسقراط: "لا خلاص للدّولة، بل للبشريّة من الشّرور إلا إذا صار العلماء حكاماً أو صار الأمراء والحكام علماء وفلاسفة، فتجتمع القوّة السّياسيّة بالعلم والحكمة"، ويُضيف الدكتور "مشرفة" إلى هاتين القوتين اللتين ذكرهما سقراط قوةً ثالثة هي قوّة الشباب، فالقوّة السّياسية إذا اجتمعتْ بقوّة العلم وقوّة الشباب ستحقق للبشريّة كلّ الخير والسّعادة.
أمّا بخصوص الأخلاق فيقول الدّكتور مشرفة: "العلم أكبر عامل على رفع الأخلاق في الأمة، لأنه يرتفع فوق الصّغائر والدّنايا إلى سماء الحقيقة الخالدة، والعلم عَلم من أعلام الفضيلة، لأنّه يسمو فوق الشّهوات وهو مطهّر للنّفوس من أدناس الأنانيّة، لأنّه يحمل شعلة مقدّسة تُذيب الأثرة وتمحو حبّ الذات وتحمل محلها الإيثار والرّغبة في خير المجتمع."
أمّا بخصوص الدّين فيُخبرنا عالمنا الجليل بأنّ "لا مشكلة بين الدّين والعلم، وما يروّجُ له من خلاف إنّما يرد على قلّة من رجال الدين الّذين يحاولون أن يفرضوا وجهة نظرهم على العلم، إننا نؤمن بالخير ونحارب الشر ونحن لا نقبل جدلاً في ذلك من العلماء، ولا يعنينا في هذا أمر النظريات أو الحقائق العلمية، بل نحيا ونموت مدافعين عن الخير وعن الفضيلة وعن العدل ونحارب الشر والرذيلة والظلم سواءً كانت الأرض تدور حول الشمس أم الشمس هي التي تدور حول الأرض، وسواءً أكانت الأجسام تتبع في سقوطها آراء أرسطو أم مذهب غاليلو".
ولعلّ أهمّ المقالات في هذا الكتاب هي المقالة الأخيرة والمعنونة «العلم والحياة» والّتي يشرح فيها المؤلف أنّ نظراتِ النّاس وتصوراتِهم للحياة تختلف باختلاف طبيعة توجّهاتهم ومستوى قدراتهم.. لذلك يحدث التنافرُ بينهم في هذه الحياة.. من هنا كان العلم ضرورةً من ضرورات الحياة لأنّ العلم يصور الحياة تصويراً صحيحاً أساسه الواقع والمنطق السليم، والعلماء إذا حكموا على الحياة، جاء حكمهم صادقاً قويماً لا يختلف فيه اثنان، والنّاس إذا نظروا إلى الحياة نظرة علمية أراحوا أنفسهم من شرور أهوائهم ونزوات نفوسهم واتفقوا في تصويرهم للحياة وفي الحكم عليها فحل التعاون محل التنابذ والتطاحن وراحوا يسعَون للخير المشترك بدلاً من السعي في الكيد والشر.
هكذا تنتهي هذه المقالات، ولكن قبل الختام، نقرأ فقرة صغيرة لعلها تحمل رسالة الكتاب بشكل عام وتكون أجملَ تلخيص لما ورد سابقاً حيث يقول المؤلف:
"إن الأرضَ ما تزال رحبةً وتتسع للناسِ جميعاً، وإنّ القوى الموجودة على سطحِها عظيمة، فإذا استعان النّاسُ بها على قضاءِ حوائجهم وسخّروها لخيرهم ورفاهيّتهم مستعينين بالعلم والرّوح العلمية كان لنا أن ننتظرَ للبشر مستقبلاً يكفل طمأنينتهم وسعادتهم وسموّهم."
معلومات الكتاب:
الكتاب: العلم والحياة
المؤلف: علي مصطفى مشرفة
دار النشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
عدد الصفحات: 67 قطع متوسط.