عندما تتوضع أحشاء الجسم في المكان المعاكس (الأعضاء المعكوسة Situs Inversus)
الطب >>>> موسوعة الأمراض الشائعة
قد يتفاجأ بعضُ الأطباءِ أو طلابِ الطبِ بهذه المعلومةِ أحياناً فكيف بمن اكتشفها لأول مرة؟، لقد كانت مفاجأةً كبيرةً لهم بكل تأكيد، لكننا لن نقفَ عن حدِّ التفاجؤ والاستغرابِ في هذا المقال بل سنخطو خطواتٍ أوسعَ محاولين أن نفهمَ ما قد يسببُ هذه الحالةَ الطبيةَ النادرةَ التي لا تتجاوز نسبتُها 1 في كل 10 آلاف ولن يفوقَ ندرتَها سوى متعةُ اكتشافِ سببِها من ناحيةٍ وما تُسببه للمريضِ من ناحيةٍ أخرى.
نسمي الأحشاءَ الموجودةَ في جوفي الصدرِ والبطنِ في أماكنِها الصحيحةِ بـ (Situs Solitus) أما الأعضاءَ المعكوسةَ فتُسمى (Situs Inversus) وهي صورةُ المرآة للأعضاءِ في الحالةِ السليمة.
كلُ شيءٍ كما ذكرنا قبل قليل معكوسٌ، بما فيها القلبُ والطحالُ وحتى الرئتان (الرئة اليمنى مؤلفة من ثلاثةِ فصوصٍ بينما اليسرى من فصين(قسمين) ويصبح الأمرُ معكوساً في متلازمةِ الأعضاءِ المعكوسة، وكما أنَّ المرآةَ تقدم صورةً معكوسةً فيما يخص اليمينَ واليسارَ فقط وليس الأمامَ والخلف فكذلك هو حال الأعضاءِ المعكوسةِ فالقلبُ موجودٌ في الحالةِ السويةِ والحالةِ المعكوسةِ خلفَ الرئتين(وليس أمامَهما) وكذلك بالنسبة لباقي أعضاء الجسم.
ما هي الأعراضُ التي قد تٌرافق هذه الحالة؟
قد تظنون أن الذي قد يسببُ دوراناً كاملاً ومتناسقاً لكل الأعضاء في الجسم، لن يؤثرَ على طولِ الشرايينِ والأوردةِ التي تنقل الدمَ من القلبِ إلى الجسمِ ومن الجسمِ إلى القلبِ طالما أن كلَّ شيءٍ قد انعكس، بالإضافة إلى أن هذا الدورانَ لا يؤثرُ على التفاعلاتِ الكيميائيةِ في الجسم؟ حسناً، الأمرُ بسيطُ جداً، فلن تحتاجوا إلى عناءٍ في التفكير لتدركوا أنَّ المصابين بهذه الحالةِ لن يتعرضوا لأيِّ مشاكلَ حتى أنهم قد لا يكتشفون حالتَهم أو قد يكتشفونها عند مراجعة الطبيبِ لسببٍ لا علاقة له بانعكاسِ أعضائهم.
هذا صحيحٌ تماماً، أليس كذلك؟ كلا ! للأسف الأمر ليس بهذه البساطة، فعلى الرُّغمِ من أنَّها كذلك في بعض الحالات إلا أنَّ هناك حالاتٍ أخرى قد يعاني منها المريضُ من بعض المضاعفات؛ تعتمد هذه المضاعفاتُ على نوعِ الحالةِ المصابين بها -هناك نوعان أساسيان للأعضاء المعكوسة- وعلى السبب الذي أدى إلى هذه الحالة.
أنواعُ الإصابة بـ"الأعضاء المعكوسة":
لقد تعلمنا عندما كنا صغاراً في المدرسة أن القلبَ له شكلُ "هرم" قاعدتُه في الأعلى وذروتُه في الأسفل، وهو موجودٌ على اليسار، أي أن القلب أيسر، ولكي نكونَ دقيقين أكثرَ فإننا نقولُ أن ذروةَ القلبِ هي من تحدد وضعه، فعندما تشيرُ ذروتُه إلى الجهةِ اليسرى يسمى أيسراً أو (levocardia) وهي الحالةُ الطبيعية عند الأشخاصِ العاديين(غيرِ المصابين بانعكاسِ الأعضاء) وعندما تشيرُ إلى اليمين يٌسمى قلباً أيمناً أو (dextrocardia) وقد يسببُ اختلاطاتٍ (مشاكلَ صحيةٍ) لدى الأشخاصِ الذين تتواجد أعضاؤهم في أماكنِها الطبيعيةِ أما أصحابُ الأعضاءِ المعكوسةِ فإننا يمكن أن نقولَ بطريقةٍ ما أن القلبَ الأيمنَ يمثل الحالةَ الطبيعيةَ عندهَم ولا يسببُ لهم عادةً أيَّ اختلاطاتٍ، لكن-وفي حالاتٍ غيرِ شائعةٍ- فإن الأعضاءَ تكونُ معكوسةً عدا القلبَ وهنا تظهرالأمراض القلبية لدى هؤلاء المرضى.
واضحٌ من الشرحِ السابقِ أن هناك أشخاصاً بأعضاءٍ تتواجدُ كلُها في أماكنِها السليمة، وآخرين لا يكونُ عندَهم سوى القلبُ في المكانِ المعاكس، وفئةً أخرى تُعكسُ أعضاؤها كلها أو يستثنى القلب منها.
ولننتقل الآن من مجردِ وجودِ إشكاليةِ القلبِ المعكوس إلى مشكلةٍ أخرى أكبرَ منها هي الأعضاءُ غيرُ المعكوسةِ بشكلٍ كامل، حيث أننا لا نجد هنا الكبدَ لا على اليمين ولا على اليسار بل في المنتصفِ تقريباً، ويترافقُ ذلك أحياناً مع دورانٍ غيرِ كاملٍ للأمعاءِ وقد يكونُ لدى هذا المريضِ أكثرَ من طحالٍ وكِلا الرئتين مؤلفتان من فصين (الحالةُ الطبيعيةُ أن تتألف اليمنى من ثلاثة فصوص واليسرى من فصين) أو قد لا يملكُ أيَّ طحالٍ على الإطلاق وكلا الرئتين مؤلفتان من ثلاثة فصوص.
ماهي أسباب حالة "الأعضاء المعكوسة":
ليست لدينا إلى الآن إجابةٌ شافية، لكن هناك العديد من العوامل الجينيةِ (الوراثيةِ) التي قد تلعب دوراً في هذا المجال.
على كلٍّ، إذا أردنا أن نعرفَ سببَ انعكاسِ الأعضاءِ، وجب علينا أن نعرفَ سببَ تواجدِها في أماكنَ محددةٍ في الحالاتِ الطبيعية، فكيف يعرفُ الجسمُ -جسمُ الجنينِ في هذه الحالة- اليمينَ من اليسار؟
هناك منطقةٌ من جسم الجنينِ تُسمى العقدة، تحوي على أهدابٍ (يمكن تعريفها بشكلٍ بسيط على أنها استطالاتٌ طويلةٌ من أجسامِ الخلايا) تقومُ هذه الأهدابُ بالدوران باتجاهٍ معينٍ مما يؤدي إلى دوران السائلِ الموجودةِ فيه وبالتالي توجيهِ الجزيئاتِ والذراتِ الكيميائيةِ باتجاهٍ معين وبهذه الآلية يتمكن الجنينُ من تحديدِ اليمينِ واليسار.
في حالِ وجودِ مشاكلَ في حركةِ هذه الأهداب فإن حالةَ الأعضاءِ المعكوسةِ غالباً ما تظهر.
تُعرف هذه الحالةُ المرضيةُ بـ "مرضِ تحركِ الأهداب غير السوي"(Primary Ciliary Dyskinesia) واختصاراً PCD ويترافق هذا المرض مع مشاكلَ أخرى تخص أهداباً أخرى موجودةً في أماكنَ أخرى من جسمِ الإنسان البالغِ كالأهدابِ الموجودةِ في الطريقِ التنفسيِّ مما يسببُ مشاكلَ تنفسيةً ومشاكلَ تخص الخلايا المهدبةَ الموجودةَ في الأذنِ الداخليةِ وحتى أن النطافَ عند الذكرِ (والتي تملك "سوطاً" يساعدها على الحركة) تتعرضُ لمشاكلَ تعيقُ أو تمنعُ حركتَها مما يؤدي أحياناً إلى الإصابةِ بالعقمِ وكذلك الأهدابَ الموجودةَ في نفير فالوب عند الأنثى قد تتعرض لخللٍ في حركتِها (نفير فالوب هو أنبوب عضلي تحوي الخلايا المبطنةُ له -الموجودةُ في القسمِ الداخليِ منه- على أهدابٍ تساعدُ على نقلِ البويضةِ الأنثويةِ من المبيض إلى الرحم).
الكشفُ عن "الأعضاء المعكوسة":
عندما يزور المصابُ بهذه الحالة -غيرُ المدركِ لحالتِه الصحيةِ- الطبيبَ لسببٍ ما، فإن الطبيبَ قد يستخدم السماعةَ لسماعِ أصواتِ القلب وهنا تكون الأصواتُ غيرُ طبيعيةٍ وكذلك الأمرُ بالنسبة لتخطيطِ القلبِ الكهربائي، لكن هذا غيرُ كافٍ لتشخيص الحالة، فلا بد من صورٍ شعاعيةٍ لإعطاء التشخيصِ السليم.
قد يعاني المصابون بهذه الحالةِ من مشكلةٍ هامةٍ تخص التدابيرَ الطبيةَ الإسعافيةَ، ففي حالِ عدمِ معرفةِ الطبيبِ المسعفِ بأن الأعضاءَ ليست في الأماكن التي يتوقعُها، فإنه لن يقومَ بالتداخلِ الجراحيِ في المكانِ المناسبِ (فالزائدة الدوديةُ ستكونُ على اليسار وليس على اليمين) وبالتالي فالعملُ الجراحيُ الإسعافيُ المتعلقُ بالزائدة سيبوءُ بالفشل في حالِ عدمِ معرفةِ الطبيبِ بحالِ المريض وتجنباً لذلك، يُفضلُ أن يحملَ المرضى بطاقةَ تعريفٍ تشيرُ إلى حالتِهم الصحيةِ النادرة.
يمكنكم القراءة عن القلب اليميني من خلال الرابط التالي:
هنا
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا