النشاء المقاوِم Resistant starch
الغذاء والتغذية >>>> مدخل إلى علم التغذية
أمّا من ناحيةِ التّركيبِ الكيميائيّ للنشاء، فهوَ يتكوّنُ باختصارٍ من جُزأين؛ الأولُ هو الأميلوز Amylose، عبارةٌ عن سلاسِلَ مستقيمةٍ من وحداتِ الغلُوكوزِ المرتبطةِ مع بعضِهَا بِروابطَ غليكوزيديّة Glycoside bond من نَوعِ α-1,4. والثّاني هو الأميلوبكتين Amylopectin والذي يَتميّزُ عن سابِقِه بأنّه مُتفرّعٌ ويحتوي على نَوعينِ من الرّوابط بين وحداتِ الغلوكوزِ، هي α-1,4 في الأجزاءِ المستقيمة و α-1,6في نِقاطِ التّفرّع.
يبدأُ هضمُ النشاءِ في الفَمِ أولاً بِتأثيرِ إنزيم α–أميلاز اللّعابيّ Salivary α-amylase، يتبَعُهُ هضمٌ في الأمعاءِ الدقيقةِ بتأثيرِ عدّةِ إنزيماتٍ هي α–أميلاز البنكرياسيّ Pancreatic α-amylase وكلٌ من غلوكوأميلاز Glucoamylase، ومالتاز غلوكوأميلاز Maltase-glucoamylase، وسكراز إيزومالتاز Sucrase-isomaltase المفرزةِ من بِطانةِ الأمعاءِ الدّقيقة. المهمُّ في ذلك، أن النشاءَ ينقسمُ بِحسبِ معدّلِ تحريرِ الغلوكوز منه وامتصاصِهِ من قِبَلِ البِطانةِ الداخليّةِ للجهازِ الهضميّ إلى ثلاثةِ أنواعٍ:
- النشاءُ سهلُ الهضمِ Readily digestible starch (RDS)، وتبلغُ المدّةُ اللازمَةُ لتَحَوّلِهِ إلى غلوكوز حواليّ 20 دقيقةٍ، ويتمُّ ذلكَ في الأمعاءِ الدقيقة.
- النشاءُ بطيءُ الهضم Slowly digestible starch (SDS)، وتبلغُ مدّةُ تحولِه وهضمِهِ 100 دقيقةٍ، ويتمّ ذلك أيضاً في الأمعاءِ الدقيقة.
- النشاءُ المقاوِمُ Resistant starch (RS).
وتُطلقُ تَسميةُ النشاءِ المقاومِ على الجُزءِ الذي لا يَتحلّلُ مائياً Hydrolyzed (أي لا يتفكّكُ) إلا بعدَ مرورِ 120 دقيقةً على الأقلّ، فهو يمرُ في الأمعاءِ الدقيقةِ دون أن يُهضم، ليتِمّ تخمّره فيما بعدُ في الأمعاءِ الغليظةِ إلى غازاتٍ وأحماضٍ دهنيةٍ قصيرة السِّلسِلة، وذلكَ من قِبَلِ الأحياءِ الدّقيقةِ الموجودةِ في الأمعاءِ الغليظةِ والمتعايشةِ مع جِسمِنا ليلعبَ النشاءُ بذلكَ دور ما يُعرفُ بالبريبيوتيك Prebiotic*.
إذاً، أين يُمكِنُنا أن نَجدَ النشاءَ المقاوم لنستفيدَ منهُ بالشّكلِ الأمثل؟
لا بدّ من التّعرُفِ على أقسامِ النشاءِ المقاومِ لنَتَمكّنَ من التمييزِ فيما بينها، وتشملُ أربعةَ أنواعٍ رئيسيةً هي:
- RS1 ويتواجدُ في الأجزاءِ الخشنةِ من الحبوبِ الكاملة، ويُعتبرُ خارجَ نِطاقِ حِميتِنا الغذائيّةِ نظراً لعدمِ استهلاكِ الحبوبِ الكاملةِ عادةً دونَ تعريضِها لأحدِ أشكالِ المُعاملةِ الحراريّة، ممّا يُغيّرُ من بُنيةِ حُبيباتِ النشاءِ ضمنَهَا.
- RS2 وهو نوعٌ قادرٌ على مقاومةِ عملياتِ الهضمِ الإنزيميّ بسببِ الشّكلِ الطبيعيّ لحُبيباتِهِ والذي يمنعُ الإنزيماتِ من تَفكيكِهِ والتأثيرِ فيه، فيمرُّ دونَ هضمٍ وصولاً إلى الأمعاءِ الغليظة. ومنهُ النشاءُ الموجودُ في الموزِ الأخضرِ الطّازج.
- RS3 وهو النشاءُ الذي تَعرّضَ للتسخينِ ثم تُركَ ليبرُدَ، وهذِهِ العمليةُ هي إحدى خَصائصِ النشاءِ وتعرف بظاهرةِ التَّراجُعِ Retrogradation وتتعلّقُ بتشكيلِ جُزيئاتِ الأميلوزِ والأميلوبكتين لشبكةٍ معقّدةٍ تختلفُ في شكلِهَا عمّا كانتْ عليهِ قبلَ التسخين، حيثُ يحدثُ انتِباجٌ وانفجارٌ للحُبيباتِ ممّا يجعلُ سلاسلَ الأميلوزِ تخرجُ من البُنيةِ الدّاخليةِ للحبيبة، ليُصبحَ تأثيرُ الإنزيماتِ عليها بعد أن تَبرُدَ صعباً جداً ممّا يُؤدي إلى وصولِها إلى الأمعاءِ الغليظةِ دون هضمِ أيضاً. وهذا النوعُ يشملُ على سبيلِ المثالِ نشاءَ البطاطا بعد سَلقِها وتركِها لتَبردَ (كما في سلطةِ البطاطا)، أما عِندَ تناولِها وهي ساخنةٌ فإنّ هَضمها سيكونُ سهلاً ولا يُصنّفُ النشاءُ الموجودُ فيها عندها كنشاءٍ مقاوم.
- RS4 ويشملُ أنواعَ النشاءِ المعدّل كيميائياً Chemically modified، وتعتمدُ عمليةُ التعديلِ أساساً على التأثيرِ في خواصِ النشاءِ من خلالِ التّلاعُبِ بالروابطِ الواصلةِ بينَ جزيئاتِهِ لجَعلِهِ أكثرَ ملائَمَةً للاستخداماتِ التّكنولوجيّةِ المُختلفة، كالتّحكُّمِ بقابلِيّتِهِ للانحِلال على سبيلِ المثال.
بناءً على ما سبق، تتواجدُ أنواعُ النشاءِ المُقاوِمِ المختلفةُ في العديدِ من الموادِ الغذائيّةِ، كالحبوبِ الكاملةِ، والموزِ الأخضرِ، والبطاطا التي تم طبْخُها وتبريدُها حصراً، والبَقوليّاتِ كالفاصولياءِ والحُمّصِ والعدسِ، إضافةً إلى مُحاولاتِ التّعديلِ الوراثيّ لنشاءِ الذّرة بغرضِ زيادةِ ما يحتويه من النشاءِ المقاوِمِ. أي أنّهُ متواجدٌ في نظامِنا الغذائيّ بكمياتٍ مناسبةٍ علماً أنه يُصنّفُ مع الأليافِ الغذائيّةِ Dietary fibers.
ماذا تقول الدراسات عن تأثيرات النشاء المقاوم على الصحة؟
تشيرُ الدراساتُ بأنّ النّشاءَ المُقاوِمَ للهضمِ يتمتّعُ بفوائدَ فيزيولوجيةٍ عديدةٍ للجسم، وتتضمّنُ تأثيراً خافضاً لسُكّرِ الدمِ، حيثُ يعملُ على التّحكّمِ بمعدّلِ هضمِ الغلوكوزِ دونَ حدوثِ ارتفاعاتٍ مفاجئةٍ في سُكرِ الدم كتلكَ التي تحدثُ عند استهلاكِ الأغذيةِ مُرتفعةِ المُحتوى من الكربوهيدراتِ المُكرّرة.
وقد أشارتْ دراسةٌ أجريَت في جامعةِ ساوث داكوتا الحكوميّة South Dakota State University إلى تأثيرِ نشاءِ القمحِ المقاوِم (من النّوع RS4 المعدّل كيميائياً) على مستوياتِ الكوليسترولِ الضّار LDL، والأمراضِ الاستقلابيّةِ المختلفةِ كارتفاعِ الشّحومِ الثُّلاثيّة، والبدانةِ، ومقاومةِ الإنسولين. حيثُ أدّى إلى انخفاضٍ ملحوظٍ في مستوياتِها ممّا يُحسّنُ الصّحةَ ويحمي من أمراضِ القلبِ والسّكريّ من النوعِ 2. وهو ما أكّدتهُ دراسةٌ أجراها Johnston وزملاؤُه تمّ إعطاءُ المتطوّعين خلالَها كميةَ 40 غراماً/اليوم من النشاءِ المقاوِمِ ولمدّةِ 12 أسبوعاً، فلوحظَت زيادةٌ في الحساسيّةِ للإنسولين، الأمرُ الذي يدُلُّ على إمكانيةِ استخدامِ النشاءِ المقاوِمِ لتحسينِ حالاتِ ارتفاعِ سُكّرِ الدمِ بغضّ النظرِ عن المدخولِ اليوميّ من الحُريراتِ واستقلابِ الدّهون.
بالمقابلِ أكّدَ Higgins وزملاؤُهُ أنّ استهلاكَ النّشاءِ المقاوِمِ أدّى إلى زِيادةٍ حادّةٍ وواضحةٍ في أكسدةِ الدّهون، ويُحتملُ أن يكونَ لذلكَ أثرٌ مرغوبٌ في انخفاضِ تراكمِ الدّهونِ في الجسم، خاصةً وأنّ النشاءَ المقاوِمَ يعطي 1.7 كيلوكالوري/غرام وهو أقلّ من نِصف مقدارِ الطّاقةِ الناتجةِ عن النشاءِ العاديّ وغيرِهِ من الكربوهيدرات، ومنَ المعروفِ أنّ انخفاضَ الطّاقةِ يشجّعُ على أكسدةِ الدهونِ مما يؤدي، إلى جانبِ دورِهِ كأحدِ عناصرِ مجموعةِ الأليافِ الغذائية، إلى المساهمةِ في تخفيضِ الوزنِ والتّحكّمِ به.
من جهةٍ أخرى، يعملُ النشاءُ المقاومُ في الأمعاءِ الغليظةِ كرَكيزةٍ لإنتاجِ الأحماضِ الدّهنيّةِ قصيرةِ السّلسلة Short chain fatty acids (SCFA) وخاصةً البيوتيرات Butyrate التي تشكّلُ الغذاءَ الرئيسيّ لخلايا القولون (مما يُفسّرُ انخفاضَ نسبةِ هذا المركّبِ في الدّمِ نتيجةَ استهلاكِهِ من قِبلِ الخلايا)، ويُعتقدُ أنّ تراجعَ كميةِ البيوتيرات يضعُ الخلايا الظّهَاريّةَ القولونيةَ في خطرِ الإصابةِ بالأمراضِ المّزمِنةِ كسرطانِ القولون. إضافةً إلى ذلك، يقومُ النشاءُ المقاوِمُ بتشجيعِ الجراثيمِ المُفيدةِ الموجودةِ في القولون وبشكلٍ خاصٍّ جراثيمَ Lactobacilli وBifidobacteria، مِمّا يُؤكّدُ على دورِهِ كمادّةٍ حيويّةٍ وظيفيّة.
وقد وَجدَت إحدى الدّراساتِ التي أجرَتها الجمعيةُ الأمريكيةُ لأبحاثِ السّرطان American Association of Cancer Research والتي نُشرَت في مَجلّةِ Cancer Prevention Research أنّ تناولَ النشاءِ المقاوِم الذي يسلُكُ سلوكَ الأليافِ يمكنُ أن يُقلّلَ من خطرِ الإصابةِ بسرطانِ القولونِ المستقيميّ (سرطان المستقيم) والمُترافِقِ بتناولِ كمياتٍ كبيرةٍ من اللّحومِ الحمراء. ويُعلَّلُ ذلكَ بتأثيرِ النشاءِ المقاومِ المعاكِسِ لتأثيرِ اللحمِ الأحمر، حيثُ يَمرُّ في المَعدةِ والأمعاءِ دونَ أن يُهضم، وصولاً إلى القولونِ ليسلُكَ سلوكاً مُشابهاً للأليافِ، ويُنتجَ جزيئاتٍ من الأحماضِ الدّهنيّةِ القصيرةِ المفيدةِ كالبيوتيرات Butyrate المذكورةِ آنفاً، كما يُخفّضُ من تراكيزِ جُزيئاتِ miRNA-17-92 في حين يُحفّزُ اللّحمُ الأحمرُ تَشكُّلَها وتراكُمَها في نسيجِ المُستقيم.
كلّ ما سبقَ ليس إلا تَركيزاً إضافياً على أهميةِ الأليافِ الغذائيّةِ بمُختلفِ أنواعِها في حِميتِنا اليومية، الأمرُ الذي يجبُ أن يحُثّنا على الانتِباه إلى نوعيّةِ ما نتناوَلُه من أغذيةٍ بحيث نُحقّقُ التوازنَ في أجسامِنا ونساعدُها على التّمتُعِ بالصّحةِ والسّلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*منتجات البريبيوتيك Prebiotics: وهي مكوناتٌ غذائيةٌ معينة يتمّ تخميرُها انتقائياً، بحيثُ تكونُ قادرةً على إحداثِ تغيراتٍ محددةٍ على نطاقِ تركيبِ الأحياءِ الدقيقةِ في الجهاز الهضمي وفعاليّتِها الاستقلابيّة، مما يعودُ بالفوائدِ الصحيّةِ على المضيفِ (أي جسمِ الإنسان)، وتشكلُ الأليافُ - وخاصةً النشاءُ المقاوِمُ - جزءاً مهماً من هذهِ المكوناتِ الغذائـيةِ.
المصادر:
1. SHI Y.C. and MANINGAT C.C., (2013). Resistant starch sources, application and health benefits. Wiley-Blackwell, UK.
2. ELIASSON A.C., (2004). Starch in food Structure, function and application. Woodhead Publishing, USA.
3. CHARALAMPOPOULOS D. and RASTALL R.A., (2009). Prebiotics and Probiotics Science and Technology. Springer, USA.
4. هنا
5. هنا
مراجع الدراسات:
1. HUMPHREYS K.J., CONLON M.A., YOUNG G.P., TOPPING D.L., HU Y., WINTER J.M., BIRD A.R., COBIAC L., KENNEDY N.A., MICHAEL M.Z., LE LEU R.K., (2014). Dietary Manipulation of Oncogenic MicroRNA Expression in Human Rectal Mucosa: A Randomized Trial. Cancer Prevention Research 7(8).
2. JOHNSTON K.L., THOMAS E.L., BELL J.D., FROST G.S., ROBERTSON M.D., (2010). Resistant Starch Improves Insulin Sensitivity in Metabolic Syndrome. Diabetic Medicine 27, 391-397.
3. HIGGINS J.A., HIGBEE D.R., DONAHOO W.T., BROWN I.L., BELL M.L., BESSESEN D.H., (2004). Resistant Starch Consumption Promotes Lipid Oxidation. Nutrition and Metabolism 1,8.