مراحل تأثير الكحول.. كيف تحدثُ الثمالة!
الطب >>>> مقالات طبية
يشربُ الكثيرُ من الناسِ الكحولَ لأسبابٍ عديدةٍ منها تأثيراتُه النفسية والعقلية؛ إذ يعملُ الكحولُ على إبطاء حواسِنا ووظائفنا المعرفية العليا وفي النهاية إيقافها. يعلمُ الكثيرون منَّا الشعورَ الذي يُحدِثُه تأثيرُ الكحول ويجدونه شعوراً ممتعاً بمعظمه، ولكن كيف يُحدِث الكحولُ هذا التأثيرَ وما الذي يحدث في الجسم بالضبط وما نتائجُه؟ تابعوا معنا لمعرفة ذلك...
لمن يخوضُ منا تجرِبةَ شرب الكحولِ ويمارسُها بشكلٍ منتظمٍ كعادةٍ من عاداته، ها نحن ذا نسمّمُ أنفسَنا على علمٍ منا بشكلٍ مؤقتٍ في سبيل إذهابِ حواسِنا، وإبطاءِ وظائفِنا المعرفية العليا وفي النهاية إيقافُها. الأمر الآخر المفاجئ هو أنَّنا نفعلُ ذلك كلَّه دون أن نعلمَ غالباً ما الذي يحدثُ لأجسامنا بدقةٍ خلالَ هذه العملية، ولكي نبقَ آمنين ونفهمَ أهميةَ بعضِ القوانين وأسبابِ الآثار الجانبية التي يُحدثها الكحول، سنتعرَّفُ معاً على ما يَحدث عند شربِ الكحول، وكيف يتمُّ التأثير في كلّ مرحلة.
المرحلة الأولى: الامتصاص
في البداية، تشربُ الكحولَ الذي يصلُ إلى معدتك، وهناك يُمتصُّ 20% منه إلى الدم، ثمَّ يُنقلُ إلى أمعائك الدقيقة حيث يُمتصُّ 80% منه، نستنتجُ من ذلك أنَّه كلَّما طالَ بقاءُ الكحولِ في المعدة، سيُمتصُّ على نحوٍ أبطأ وستنخفض قيمةُ تركيزِ الكحولِ في الدم وهذا يُفسرُّ التأثيرَ المُخفَّفَ لتأثيراتِ الكحولِ الذي يحدثه الطعام؛ إذ إنَّ الطعامَ يُبطِّئُ عمليةَ إفراغِ محتوياتِ المعدة إلى الأمعاء، فيُبطِّئ بذلك امتصاص الكحول، وبعد أن يتِمَّ الامتصاصُ، سيتوزَّعُ الكحولُ في الدم. يُعدُّ الكحولُ شديدَ الذوبان في الماء، بينما يُمتصُّ على نحوٍ أقلَّ في الدَّسم لذلك يميلُ لأن يتوزَّع بشكل أساسي في الأنسجة الغنية بالماء (كالعضلات) بدلاً من تلك الغنية بالدسم، فعلى سبيل المثال، لنفترض أنَّ شخصين أحدهما طويلٌ ونحيلٌ، والآخرُ قصيرٌ وسمينٌ لهما الوزنُ نفسُه قد شربا المقدارَ نفسَه من الكحول، عندها سيكونُ تركيزُ الكحولِ في النهاية أعلى في دم الشخص السمين لأنَّ مقدارَ الماء الذي توزَّع إليه الكحول أقلٌّ مقارنةً بالآخر، وبالتالي سيكونُ تأثيرُ الكحولِ لديه أشدّ.
المرحلة الثانية: الاستقلاب
سيحاولُ جسدُك التخلُّصَ من الكحولِ عبرَ التبوُّل، لذلك ستشعرُ برغبةٍ في التبوُّل عندما تشربُ الكحولَ، ما يسبّبُ التجفاف، وعبر التنفُّس أيضاً، كما سيعملُ الكبدُ جاهداً على تحطيمه، ما يؤثّر على الكثير من وظائفه الأخرى؛ إذ يبطِّئ استقلابُ الكحولِ العملياتِ الاستقلابية كتحطيمِ سكر الجلوكوز وبنائه؛ إذ تتوقَّفُ قدرةُ الكبد على تحويل حمض اللاكتيك إلى سكر الجلوكوز ما يؤدي إلى زيادةِ حموضةِ الدم، كما يُبطِّئ استقلاب الكحول عمليةَ تحطيمِ الأحماضِ الدهنية، ما يؤدي لتراكمها بشكلِ دهونٍ في الكبد على المدى الطويل، ويمتلكُ الكبدُ لدى الكحوليين قدرةً أكبرَ على تحطيم الكحول، الأمر الذي يُفسِّر تحمُّلَهم كمياتٍ من الكحول أكثرَ من الأشخاص العاديين. هذا الإجهادُ الذي تتعرَّضُ له الخلايا الكبديةُ هو الذي سيؤدي في نهاية المطافِ إلى الأذية الكبدية وحدوثِ ما يُعرَف بـ "تشمُّع الكبد".
المرحلة الثالثة: السلوك والتفكير
هنا يصلُ الكحولُ إلى الدماغ ويبدأ شاربُ الكحولِ بالشعور بتأثيره "السَّكَر" إذ يُثبِّطُ الدماغُ بترتيبٍ مُحدَّدٍ نتيجةً لتعزيز الناقل العصبي المُثبِّط GABA . كلُّ منطقةٍ في الدماغ مسؤولةٌ عن وظيفة مُحدَّدة، ويؤدي تثبيطُها إلى تبدلاتٍ معينةٍ في السلوك، وكقاعدةٍ عامةٍ، فإنَّ تأثيرَ الكحولِ ينتشرُ من الأمامِ إلى الخلفِ فيبدأ بالتأثيرِ في وظائفِ التفكيرِ العليا لديك كالتفكير والتحليل المنطقي. سيبدأ التأثيرُ على القشرة المخية التي يُمكن أن ننسبَ إليها "الأنا الأعلى" في التحليل النفسي لفرويد التي تنظّمُ سلوكنا، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن نصبحَ متحدثين أكثرَ ونشطين اجتماعياً، وفي بعض الأحيان نقوم بتصرفاتٍ غير لائقة، ولهذا يُمكن أن يُعدَّ الكحولُ منشِّطاً اجتماعياً، ويجعلنا متحدثين وودودين في مجموعة من الناس، ولكن قد يؤدي بنا إلى التصرُّفِ بصورةٍ غير لائقة غير متحكمين بها بشكل كامل.
المرحلة الرابعة: المشاعر والذكريات
الخطوة التالية هي أن يصلَ الكحولُ للحُصَين Hippocampus ، وهو المنطقة من الدماغ التي ترتبط بالتحكُّم بكلٍّ من المشاعر والذاكرة، وسيؤدي ذلك بالنتيجة إلى أن تشعرَ بمشاعرَ مُبالغٍ بها، فإن كنتَ تشعرُ بالتفاؤل في لحظة الشُّرب، فعلى الأرجح أنَّك ستغدو سعيداً جداً ولديك مشاعرُ دافئةٌ نحو الجميع، أمَّا إنْ كنتَ حزيناً قبل أنْ تبدأ الشُّرب، فعلى الأغلبِ ستصبحُ منزعجاً ومكتئباً جداً. وبما أنَّ هذه المنطقةَ مسؤولةٌ أيضاً عن تخزين الذكريات، فقد تكون لديك ذكرياتٌ مُجزَّأةٌ، أو قد لا يكون هناك أيُّ ذكرياتٍ عن الأشياء التي تحدثُ منذ بَدء هذه المرحلة؛ ليس الأمر أنَّك نسيتَ ما حدث، بل إنَّ الذكرياتِ لم تُختَزن بشكلٍ صحيحٍ أصلاً.
المرحلة الخامسة: التوازن
بعدها ينتقلُ الكحولُ إلى المُخيخ المسؤولِ عن التوازن والتنسيق الحركي، فتبدأ بالتعرُّق والسقوط. كما تتأثَّرُ الحركاتُ الأخرى، ما يعني أنَّك ستصبحُ أقلَّ قدرةٍ على تثبيتِ كأسك دون إراقة شرابك، كما أنَّ كلماتِك ستغدو مدغمةً وغيرَ مفهومة.
المرحلة السادسة: الوظائف الحيوية
وهي المرحلةُ الأخطرُ، ففي النهايةِ سيصلُ الكحولُ إلى البصلةِ السيسائية إذا ما شربتَ كمياتٍ كبيرةً خلالَ مدَّة زمنية قصيرة، والبصلةُ السيسائيةُ مسؤولةٌ عن الوظائفِ الحيويةِ كالتنفُّس ونبضاتِ القلبِ ودرجةِ حرارةِ الجسم، فإن حدثَ خللٌ في هذه الوظائفِ، ستصبحُ في حالةٍ خطيرةٍ وتحتاجُ إلى غسيلٍ للمعدة للتخلُّصِ من الكحول، وإن لم يحدث ذلك، وتابعتَ الشُّربَ دون أن تحصلَ على رعايةٍ طبية، فقد ينتهي ذلك بالموت.
وهكذا نرى كيف يبدأ الكحولُ بتعطيلِ وظائفنا مُبتدئا بمهاراتِ التفكيرِ العليا، ثُمَّ التأثير على المشاعرِ، والذاكرةِ، فالتوازنِ، والتنسيقِ ليصلَ في النهايةِ إلى المراكزِ الحيويةِ مهدداً حياتَنا بالخطر.
المصادر :
هنا
هنا
هنا
Harper Text book of Biochemistrt/Alcohol metabolism