سكر الدم ووزنٌ زائد؟ برّد المعكرونة وسخّنها ثانيةً
الغذاء والتغذية >>>> عادات وممارسات غذائية
وإذا ما نظرنا إلى الأمرِ من منظورٍ أخر، نجد أنّ طبقَ المعكرونةِ مع الصلصةِ يجعلُكَ تشعرُ بالجوعِ سريعاً، والسّببُ في ذلكَ هو سُرعةُ امتصاصِ مكوّناتِ هذهِ الوجبةِ في الجهازِ الهضميّ، وتحوّلِها سريعاً إلى سكرياتٍ بسيطةٍ، الأمر الذي يجعلُ تناوُلها بكمياتٍ كبيرة أمراً غيرَ صحيٍّ وسبباً لارتفاعِ مستوياتِ سُكرِ الدّم وتخرّيبِ الحميةِ الغذائيةِ بشكلٍ جائر!
ولكي يتم حلّ هذه المعضلة، ويُعاد إخراجُ المعكرونةِ من قفص الاتهام، عمدَ الباحثونَ إلى إجراءِ تجربةٍ مبتكرةٍ، عملوا فيها على تركِ المعكرونةِ لتبرُدَ بعد الطهي، ثم إعادةِ تسخينِها قبلَ الأكلِ، الأمرُ الذي من شأنِه أن يُقلّلُ مستوياتِ سُكرِ الدمِ إلى النّصفِ تقريباً مقارنةً بتناولِها مباشرةً بعد الطهي! والسبب؟ تحوّلُ النشاءِ الموجودِ فيها إلى نشاءٍ مقاوم Resistant starch.
يمكنكم التعرّف على النشاء المقاوم بشكل أكبر بقراءة مقالِنا السّابق هنا
يتحوّلُ النشاءُ الطبيعيُّ في المعكرونةِ والخُبزِ إلى سُكرٍ بسرعةٍ كبيرةٍ عند الهضم، حيث تتفكّكُ سلاسلُ الغلوكوز المكوّنةُ للنشاءِ بسهولةٍ كبيرةٍ إلى وحداتِ الغلوكوز المُفردة، ليتمّ بعد ذلك امتصاصُها بسرعةٍ كبيرةٍ أيضاً! ولذلكَ عادةً ما يُنصحُ الأشخاصُ الذين يتّبعون حميةً غذائيةً لتخفيضِ الوزن بالابتعادِ عن هذه الأطعمة، لأنّ الكمياتِ الكبيرةَ من السُّكريات ستتحوّلُ إلى دهونٍ، وتسببُ ارتفاعاتٍ شديدةً في مستوياتِ سكرِ الدمِ فيما لو بقيَت دونَ أن يتمّ حرقُها بالتّمارينِ الرياضيّة.
وبحسبِ عالمةِ التغذيةِ الدكتورة Denise Robertson من جامعةِ Surrey في بريطانيا، فإنّ طهيَ المعكرونةِ وتبريدَها يجعلُ الجسمَ يتعاملُ معها كأليافٍ بدلاً عن تعامُلِهِ معها كنشاء، وذلكَ من خِلالِ التّقليلِ من ارتفاعاتِ السّكرِ وتزويدِ الجراثيمِ المِعوِيّةِ بالغذاءِ اللازمِ لها كي تَقومَ بعملِها في الجهازِ الهضميّ. إضافةً إلى ذلكَ، فإن تناولَ المعكرونةِ وهي باردةٌ كلياً يقلّلُ من امتصاصِ الحُريراتِ منها.
وعلى الرّغمِ من أهميةِ هذه المعلومةِ والنصيحةِ التغذوية، إلا أنّ اختبارَ حالةِ النشاءِ الموجودِ في المعكرونةِ كانَ أمراً واجباً لتحديدِ ما إذا كانَ سيتحوّلُ بالفعلِ إلى نشاءٍ مقاوِم بالتبريد، وما إذا كانَ سيُحافظُ على حالتِه هذهِ أم سيعودُ إلى الشكلِ غيرِ المقاوم بعد إعادةِ التّسخين. لذلك تمَّ تصميمُ تجربةٍ جديدةٍ تُستخدم فيها وجبةٌ من المعكرونةِ التي تمّ تبريدُها بعد الطهي، إضافةً إلى وجبةٍ من المعكرونةِ المطبوخةِ سابقاً والمبرّدةِ والتي أُعيدَ تسخينُها من جديدٍ في وقت تناولِ الوجبة. وتمّ تحديدُ توقيتِ جمعِ عيناتِ الدم من المشاركينَ كلَّ 15 دقيقةٍ ولمدةِ ساعتين بعدَ إجراءِ التّجارُب. واتُّبِعَ النّظامُ التالي في تقسيمِ الوجبات:
في اليومِ الأول، تمّ إطعامُ المشاركينَ معكرونةً مطبوخةً مع صلصةِ البندورةِ والثّومِ، وتم تقديمُها لهم فوراً وهي ساخنة. وفي اليوم الثاني، تمّ إطعامُهم معكرونةً مطبوخةً تمّ تبريدُها طوالَ الليلةِ السابقةِ للاختبار. أما في اليوم الثالثِ، فتمّ إطعامُهم معكرونةً مطبوخةً ومبردةً لمدة ليلةٍ كاملة، ومعادٌ تسخينُها قبل تناولها.
أظهرَت النتائجُ أن المعكرونةَ الباردةَ سبّبَت أقلَ ارتفاعٍ في مستوى سكرِ الدمِ والإنسولين مقارنةً بتناولِ المعكرونةِ المطبوخةِ حديثاً. أما الذي فاجَأَ الباحثينَ هو أنَّ تبريدَ وإعادةَ تسخينِ المعكرونةِ المطبوخةِ أدّى إلى ظهورِ انخفاضٍ في سكرِ الدمِ بنسبة 50%، مما يعني إنسوليناً أقل، وسكرَ دمٍ أقل، وجوعاً أقل، وبالتالي تمّ بالفعِل الحصولُ على أليافٍ أكثر!
قد يُعتبرُ هذا الاكتشافُ بسيطاً نسبياً، ولكنّهُ فعالٌ في تحسينِ الصحةِ، وخاصةً لمرضى السكري. كما تطمحُ الباحثة Robenson، بالتعاون مع Diabetes UK، إلى دراسةِ تأثيرِ إضافةِ النشاءِ المقاوِمِ إلى وجباتٍ أخرى لمرضى السكري في تحسينِ سُكرِ الدم لديهِم. حيث يمكنُ لهذا الأمرِ أن يُساعدَ قُرابةَ الـ 26 مليونَ مصابٍ بالسكريّ، إضافةً إلى تقليلِ مستوياتِ البدانةِ بشكلٍ عام في حالِ اتّباعِ المنهجيةِ نفسِها لوجباتِ الأشخاصِ الذين يُعانونَ من البدانةِ وزيادةِ الوزن.
إذاً، في المرةِ القادمةِ التي تطهو فيها والدتُكَ المعكرونة، لا تشعرُ بالذّنبِ لتناوِلها، فقط اترُكها لتبرُدَ وأعِد تسخينَها من جديد.
المصدر: هنا