مقدمة حول الحساسية الغذائية وعدم تحمل الطعام
الغذاء والتغذية >>>> مدخل إلى علم التغذية
إن كنت لا تستطيع التفريق بين الحالتين السابقتين، ولا تدري إن كنت تعاني من إحدَيهما، ما عليك إلا أن تتابع سلسلتنا حول الحساسية الغذائية وعدم تحمل الطعام والتي سنتناول فيها كل نوعٍ على حدة. وفي مقالنا هذا مقدمةٌ تعريفيةٌ بهما..
الحساسيةُ الغذائية Food Allergy:
تنتجُ حساسيةُ الغذاء عندما يقوم الجسم عن طريقِ الخطأ بإنتاجِ أجسامٍ مضادةٍ Antibodies (IgE) لـ"محاربة" غذاءٍ معينٍ، أو مركبٍ غذائيّ محددٍ ضمن هذا الغذاء، فيتعاملُ معه على أنّه مادةٌ ضارةٌ علماً أنّه ليس كذلك. وفي هذه الحالة يتسبب تناولُ الطعامِ (أو ملامستُهُ للجلد في بعض الحالات) بحدوثِ ردّ فعلٍ مناعيّ، مما يؤدّي إلى إنتاجِ الهيستامين Histamine وموادَ أخرى في الجسم، مما يُسبب أعراضاً مختلفةً تبعاً لمكانِ إنتاجها. وعلى سبيل المثال، يسبّبُ إنتاجُ هذه المواد في القناة الهضمية ألماً في البطنِ وإقياءً وإسهالاً، بينما يسبّبُ حكّةً وتورّماً (طفحاً) في الجلد، في حين يُسبّب سيلاناً في الأنفِ أو عطاساً في الشُّعبِ الهوائية العليا، ولهاثاً أو سعالاً في الشُّعب الهوائيّةِ السفلى. وفي بعضِ الحالاتِ شديدةِ النّدرة، يقوم جهازُ المناعةِ بإنتاج هذه المواد الكيميائيّةِ في جميعِ أنحاء الجسم، مما يسبب ردَّ فعلٍ ممنهجاً (مثل الحساسيةِ المفرطة أو الصدمةِ التَأقِيّة).
أنواع الحساسية الغذائية:
هنالك عدةُ حالاتٍ تنتجُ عن حساسية الغذاء، ويتم تصنيفُها عادةً ضمن ثلاثة أقسام:
1- حالاتُ الحساسيّةُ الكلاسيكية (التقليدية) Classic Allergy والتي تتوسّطُها الأجسامُ المضادة IgE: وتحدث وفقَ الآليةِ المذكورةِ آنفاً، وعادةً تظهرُ الأعراضُ في غضون بضعِ دقائقَ من تناولِ الطعام المسبّبِ للحساسية، وقد تتأخر إلى بضعِ ساعاتٍ في بعضِ الحالات. وعادةً ما تتضمنُ أعراض هذا النوعِ من الحساسية طفحاً جلدياً، وصفيراً، وحكةً، وأعراضاً معويةً حادةً، ونادراً ما تُسبّب انهياراً مفاجئاً.
تُساعدُ سرعةُ ظهور الأعراض، والتي تحدثُ دائماً كردةِ فعل على نفسِ نوعِ الطعام، على إدراكِ النوع الغذائي الذي يُسبّب المشكلة، فضلاً عن وجودِ اختباراتٍ للدم أو الجلد قادرةٍ على إظهار وجودِ الحساسية الغذائية من عدمِه.
2- حالاتُ الحساسية التي لا تتوسّطُها الأجسامُ المضادة IgE: هناكَ عددٌ قليلٌ من الأشخاص الذين يقومُ جهازهُم المناعيّ بتطويرِ ردودِ فعلٍ تجاهَ بعض الأطعمةِ دون مشاركةِ الأجسام المضادّةِ للحساسية من نوع Immunoglobulin E، وقد يرجعُ ذلكَ إلى ردودِ فعلِ خلايا الجهازِ المناعي، أو بعضِ الأجسام المضادّةِ غير الاعتيادية. وتكونُ الأعراض الناجمةُ عن هذه التفاعلاتِ أكثرَ تأخراً عن سابقتِها وأقلَّ شدةً، ولكنها قد تُسبّبُ أعراضاً مزمنةً في الأمعاء (كالألمِ، والإسهال، وشعورٍ عام بعدم الراحة) وخاصةً لدى الأطفال.
3- أخيراً، هنالك بعضُ الحالات التي تحدثُ فيها الحساسيةُ لأسبابٍ مختلطةٍ بين الآليّتين السابقتين.
الثمانية الكبار The Big-8:
على عكس الاعتقادِ الشائعِ بأن المضافاتِ الغذائيةَ والنكهاتِ الاصطناعيةَ هي السّبب في معظمِ حالاتِ الحساسيّة الغذائية، فإن الأطعمةَ الطبيعيّةَ هي المُسبّبُ الفعاليّ لغالبيةِ تفاعلاتِ الحساسية. وتُصنّفُ الأطعمةُ الأساسيّةُ المسبّبةُ للحساسية ضمن مجموعةٍ من ثمانيةِ أطعمةٍ، يُشار إليها باسم الثمانيةِ الكبار The Big-8، وتضم:
1- الحليب.
2- البيض.
3- السمك.
4- المحار والقشريات.
5- البندق.
6- الفول السوداني.
7- القمح.
8- فول الصويا.
وتسبّبُ هذه الأطعمةُ حوالي 90٪ من مجموعِ حالاتِ الحساسيةِ الغذائية في الولايات المتحدة مثلاً. وحسبَ توصياتِ هيئةِ الدستور الغذائيّ في العديد من الدول، يتوجّبُ على المصنّعينَ إضافةُ تنويهٍ على غلافِ أي منتجٍ غذائيٍ يحوي أياً من هذه المواد.
وعلى أيّ شخصٍ يجدُ أن تناول أحدِ هذه الأطعمةِ يتسبّبُ له بحساسيةٍ شديدة أن يتجنّبَ تناولَها حتى وإن كان ذلكَ بكميّاتٍ ضئيلة، خاصّةً أن ردودَ الفعلِ التحسّسية يمكن أن تحدثَ في بعض الأحيان بمجرد ملامسة الجلدِ للطعام، أو التواجد بالقربِ من المادة المسبّبةِ للحساسية، كما يحدثُ لبعضِ الأشخاص الذين يعانون من حساسيةِ السمك، والذين تظهرُ عليهم الأعراض بمجرد تواجدِهم في مطبخٍ لطهيِ السمك.
وبالإضافة إلى تجنّبِ الطعامِ المُسبّبِ لردِّ الفعلِ التّحسُّسيّ، ينبغي تزويدُ الشخصِ الذي يعاني من الحساسية ببعضِ الأدوية المساعِدة في حالاتِ الطوارئ. واعتماداً على شدّةِ ردِ الفعل، تتراوحُ الأدويةُ بين الأدرينالين الذي يُعطى عن طريقِ الحقن، ومضاداتِ الهيستامين، والمنشّطات، والستيروئيدات، وذلك طبعاً وفقَ نصائحِ الطبيب المسؤول عن المريض.
عدمُ تحمّلِ الطعام Food Intolerance:
كما ذكرنا، فإنّ حساسيةَ الطعام Food Allergy حالةٌ شائعةٌ جداً، وتحدُث أعراضُها عادةً في غضونِ بضعِ دقائقَ من تناولِ الطعام المُسبّبِ للحساسية، أما عدمُ تحمّلِ الطعام Food Intolerance (أو فرطُ الحساسيّةِ غير التّحسّسيّ Non-allergic hypersensitivity) فهو الأكثرُ شيوعاً. ويكون الوقتُ اللازمُ لظهورِ الأعراضِ عادةً أطول، فقد يحتاجُ بضعةَ ساعاتٍ من تناولِ الطعام، كما يمكن أن تستمرَ الأعراض لعدة ساعاتٍ أيضاً، أو حتى اليوم التالي أحياناً. يُذكر أن حالةَ عدمِ تحمل الطعام أمرٌ مألوفٌ للغاية، وقد يكون لنوع واحدٍ أو أكثر، كما يتّصفُ عادةً بصعوبةِ الجزمِ بكونِهِ السببَ في الحالةِ المرضيةِ المزمنةِ، فضلاً عن صعوبةِ تحديدِ المادةِ الغذائيةِ المسؤولة.
تتنوّع الأعراضُ الناجمةُ عن عدمِ تحمّل الطعام بشكلٍ أكبرَ من الحساسيةِ الغذائية، ويمكن أن تشملَ التّعب، والنفخة، والقولونَ العصبيّ، وآلامَ المفاصلِ، والطفحَ الجلدي، والإكزيما، والصداعَ النصفيّ والعديدَ من الأعراضِ الأخرى. وعلى الرّغم من ارتباطِ بعضِ الحالاتِ المزمنة مثل التهابِ المفاصل، والإكزيما، والقولون العصبي، ومتلازمة التعب المزمن، والروماتيزمِ، والصداعِ النصفيّ، والتهابِ القولون التقرحيّ بالحساسية أحياناً، إلّا أن ذلكَ أمرٌ نادرٌ.
أما عن أسبابِ عدمِ تحمّلِ الطعام، فهي عديدةٌ ومختلفة؛ فبعضُ الناس يفتقرون لإنزيمٍ معيّن ضروريٍّ لهضمِ بعضِ المواد الغذائية بشكلٍ سليم. في حين يعاني بعضُهم في حالاتٍ أكثرَ ندرةً من عدمِ تحمّلِ بعضِ الموادِ التي تتواجدُ في الغذاء بشكلٍ طبيعيٍ مثل الهيستامين Histamine أو الساليسيلات Salicylates أو الكافيين أو المضافات الغذائية والتي لا تؤثّرُ عادةً على الآخرين.
ليسَ من السهلِ تحديد عدمِ تحمّلِ الطعام عبرَ اختباراتِ الدم أو الجلد المستخدمةِ في تحديد الحساسية، ولكّن العلماءَ عملوا على تطويرِ بعضِ الاختباراتِ التي قد تكونُ مفيدةً مستقبلاً، ولكن أيّا منها لم يعطِ نتيجةً محددةً حتى الآن. وتعتبر حِمياتُ العزل Elimination Diet أو الاستبعاد الطريقةَ الأكثرَ دقةً لتحديدِ ما إذا كان عدمُ التحمّلِ هو السبّب في المرضِ المزمن. ويتم في هذه الطريقة تحديدُ الطعامِ المسبّبِ عبر عزلِ النوعِ المشكوكِ به من الحميةِ الغذائية لمدّةِ أسبوعين أو شهرين ومراقبةِ النتائج، فإن تضاءَلت الأعراضُ أو اختَفت إثرَ إزالة بعضِ المواد الغذائية من الحمية، ومن ثمّ عادَت للظهورِ مرةً أخرى بعد إعادةِ إدخالِ الطعام، فإن ذلك يشيرُ إلى تسبّب هذا النوع من الأطعمةِ بحالةِ عدمِ التحمّل. أمّا في حال عدمِ حدوث أي تغيّرٍ أو تحسّنٍ في الحالة الصحيّةِ للمريض أثناءَ هذه الحمية، فإنّ ذلكَ يعني أن هذه الحالةَ غيرُ مرتبطةٍ بعدمِ تحمّلِ الطعام، ويجبُ أن يعودُ المريض إلى النظام الغذائيّ المعتاد. ويجبُ أن يتمّ وضعُ الحميةِ الغذائية بعدَ التشاورِ مع أخصائيٍّ غذائيٍّ مؤهلٍ قادرٍ على وضع نظامِ العزلِ المناسب.
وفي حال أثبتَت حميةُ العزلِ علاقةَ غذاءٍ ما بالحالة الصحيّةِ، فإنّ العلاجَ الوحيدَ هو تجنُّبُ هذا الطعام المسبب، علماً أنّ تجنّبَ تناولِ عددٍ كبيرٍ من الأطعمةِ ليس أمراً مقبولاً نظراً لما تلعبُه التغذيةُ الصحيحة والمتوازنة في حالة الأمراضِ المزمنة. ومن هنا كانَ على أخصائيّ التغذية أن يضعَ نظاماً غذائياً خاصاً يحتوي على كافةِ الفيتامينات والمعادن الضرورية دون أن يكونَ محدوداً بشكل مفرط.
أنواع عدم تحمل الطعام:
• عدم تحمل الكحول Alcohol Intolerance
• عدم تحمل الهيستامين Histamine Intolerance
• عدم تحمل القمح والغلوتين Wheat and Gluten Intolerance
• عدم تحمل الألبان Dairy Intolerance (ومن ضمنه عدم تحمل اللاكتوز Lactose Intolerance)
• عدم تحمل الخميرة Yeast Intolerance
اخيراً، هنالك عدةُ اختلافاتٍ تحدّدُ الفرقَ بين عدمِ التحمّل والحساسيةِ الغذائية، وهي:
• تحدُثُ أعراضُ عدمِ التحمّلِ عادةً بعد عدّةِ ساعاتٍ من تناول الطعام.
• يتطلّبُ ظهورُ أعراضِ عدمِ التحمّلِ تناولَ كميةٍ كبيرةٍ من الطعام مقارنةً بالكميةِ اللازمة في حالةِ الحساسية الغذائيّة.
• لا يعتبر عدمُ التحمّل الغذائيّ مهدداً للحياة أبداً، في حين يمكن أنّ تكون الحساسية الغذائية المفرطة مهددةً للحياة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا