الحليب المُكثّف والحليب المُبخّر
الغذاء والتغذية >>>> رحلة الغذاء
يتمّ إنتاج الحليبِ المكثف عن طريق تبخيرِ الماء من الحليبِ الطبيعي أو الحليب معدَّل التركيب، ويُقصد بالأخيرِ الحليبُ الذي أزيلَت إحدى مكوناتِهِ أو استبدِلَت بمكوّنٍ آخر، كإزالةِ الدسم من الحليبِ لإنتاج حليبٍ خالي الدسم، أو إضافة الدسمِ النباتي عوضاً عن الدسمِ الحيواني، أو إضافة مادةٍ جديدةٍ كالمحليات.
ويتواجدُ الحليب المكثف على نوعين، هما الحليبُ المكثَّف المحلّى، والحليبُ المكثّف غيرُ المحلَّى.
الحليبُ المكثف غيرُ المُحلّى:
يسمى أيضاً الحليبَ مضاعفَ التركيز، وهو ذو لونٍ كريميٍ خفيفٍ ويستهلك بشكلٍ شائعٍ في البلدانِ الاستوائيةِ والمناطق التي لا يتوفّرُ فيها الحليبُ الطازج، كما يستخدمُ كمبيضٍ للقهوة أو بديلٍ لحليبِ الأم شريطةَ تدعيمِه بالفيتامين D.
الحليب المكثَّف المحلى:
استُخدِمت طريقةُ الحفظ بإضافةِ السّكرلأول مرةٍ من قبل الأمريكيين عامَ 1850،وتطوّرت هذه الطريقة عبر الانتقال إلى الحفظِ بواسطة التعقيم في عبواتٍ محكمة الإغلاق وذلكَ في أوائل عام 1880. وتستخدمُ كلتا هاتَين الطريقَتين اليوم لإنتاجِ الحليب المكثَّف على نطاقٍ واسعٍ، إلى جانب الطرائق المتطورة من التي تشملُ أنظمةَ التسخينِ المستمرةَ مع التعبئةِ العقيمة.
يتميز الحليب المكثّف المحلّى بكونِهِ ذا لونٍ مصفرّ ولزوجةٍ عالية. ويؤدي ارتفاعُ نسبة السكر في هذا النوعِ إلى زيادة الضغط الأوسموزي إلى الحدّ الذي يقضي على معظمِ الأحياء الدقيقة ويمنحُهُ صلاحيةً طويلة، وبذلك فإن هذا المنتجَ لا يُعامل بالحرارة بعدَ التعبئة، علماً أن تركيزَ السكر في الطورِ المائي يجبُ ألّا يقلَّ عن 62.5% وألّا يزيدَ عن 64.5% وذلك تجنّباً لبلوغِ المحلول السكريّ نقطةَ التشبُّع، الأمرُ الذي سيؤدّي في حالِ حدوثِه إلى تبلورِ بلّورات السكر وتشكّل رواسبَ غيرِ مرغوبةٍ.
طرائق التصنيع
كيف يُصنع الحليب المكثّف إذاَ؟
- ضبطُ ثباتيةِ الحليب تجاهَ الحرارة العالية ومنعُ تشكُّلِ الخثرات: تعتمدُ قابليةُ تحمّل الحليب للحرارةِ العالية على حموضتِهِ بدرجةٍ أولى (والتي يجب أن تكون قليلة، أي أن تكون درجة pH للحليب مرتفعةً)، إضافةً إلى توازنِ الأملاح، والذي يختلفُ تبعاً للموسمِ ونوعِ العلف ومرحلةِ الرضاعة. علماً أنَّ تحسينَ مقومةِ الحليب للحرارة أمرٌ ممكنٌ عن طريقِ بعض الإضافاتِ، أو تعديلِ التركيب الذي يعدّ عمليةً ضرورية للحصولِ على منتجٍ نهائيّ ذي نوعية جيدة تشملُ نسبةَ الدهونِ والموادِ الصلبةِ غيرِ الدهنيةِ والمعالجةِ الحرارية المناسبة.
- تعديل التركيب: يجبُ أن تكونَ نسبةُ الدسم في الحليب المكثّف المحلّى 7.5%، ونسبةُ المواد الصلبة غيرِ الدهنيةِ 17.5% وهنا يُطلقُ عليه اسم الحليبِ المكثف مضاعف التركيز، أما الحليب المكثف ثلاثيّ التركيزِ فتتراوحُ نسبةُ الدهون فيه بين 4 و10%.
- التسخينُ الأوليّ للحليب: بهدفِ القضاءِ على الأحياءِ الدقيقة، فضلاً عن أهميةِ هذه العمليةِ في لون ولزوجةِ المنتج النهائي، وهنا تُرفعُ درجةُ حرارةِ الحليب في المبادِلات الحرارية إلى مجالٍ يتراوحُ بين 100 و120مْ ولمدّةِ 1-3 دقائق، تتبعُها مرحلةُ تبريدٍ مفاجئ يهدفُ إلى إحداثِ صدمةٍ حرارية تسبقُ دخولَ الحليب إلى لجهازِ التبخير. في هذه المرحلة تتدنترُ (أي تتشوّه) البروتينات، وتترسبُ أملاحُ الكالسيوم فيصبحُ البروتين في حالةٍ مستقرّةٍ تسمحُ بعدمِ تشكّل الخثرات خلال المعاملات التصنيعية اللاحقة.
- التبخير والتركيز: وذلكَ برفعِ درجةِ حرارة الحليب إلى 65 - 70 مْ تحتَ التفريغ، ممّا يزيدُ من كميةِ الماءِ المتبخرة ويرفعُ نسبةَ المادةِ الجافةِ، مع فحصِ الكثافة بصورةٍ مستمرة.
-التجنيس: يُضخّ الحليب من المبخّرِ إلى جهازِ التجنيس الذي يعمل تحتَ ضغط عالٍ جداً، يُعادل 5-25 ميغا باسكال (أي 25-250 بار)، وتعدّ هذه العملية من أهم المراحل، والتي من شأنها إحداثُ تشتُّتٍ في حبيباتِ الدهن لمنع تكتّلِهِ خلال مرحلةِ التعقيم اللاحقة أو انفصالِه عن المنتجِ أثناء التخزين.
- تعديل التركيب النهائي والتخزينُ الوسيط: بعد الانتهاءِ من عمليةِ التجنيس، يُبرّدُ الحليبُ إلى الدرجة 14 مْ قبلَ أن تتمّ تعبئتُهُ وتغليفُهُ، كما يمكنُ بدلاً عن ذلك أن يتمّ تبريدُهُ إلى الدرجة 4-5 مْ أيضاً. يتمّ في هذهِ المرحلة اختبار نسبةِ الدهن ومحتوى الموادِ الصلبة غيرِ الدهنية بصورةٍ نهائية. يُذكر أن بعض المصنّعين يضيفون أملاح فوسفات الصوديوم في هذه المرحلة لتحسينِ استقرارِ الحليب المكثّفِ حرارياً.
- التعبئة: يتم التحكّم بمعدّل تشكّل الرغوة أثناء التعبئة من خلال درجةِ الحرارةِ في هذه المرحلة.
- التعقيم: ويتمّ في جهازِ الأوتوكلاف الذي قد يعمل إما بنظام الدفعات أو النظام المستمر حيث تمرُّ العبواتُ المختومةُ على سيرٍ ناقلٍ ذي سرعةٍ محددة. يتمّ التعقيمُ على درجةِ حرارة 110-120 مْ لمدةِ 15-20 دقيقةً ثم يبرّدُ إلى درجةِ حرارةِ التخزين، ويتعرّض المنتج هنا إلى تفاعلِ ميلارد بين السكريات والأحماض الأمينية والتي تُكسبُ الحليب لونهُ المميز. وتجدرُ الإشارةُ هنا إلى أن وجودَ أي بروتيناتٍ مترسبةٍ خلالَ المعالجة الحرارية سيتم توزيعُهُ بشكلٍ متساوٍ في الحليب.
ويمكنُ كطريقةٍ بديلةٍ أن يتم التعقيمُ بالحرارةِ فوقِ العالية UHT في جهازِ تبادلٍ حراريّ أنبوبي، حيث تتراوحُ درجةُ حرارة ِالمعالمة بين 122 و140 مْ، وبعد 4-8 ثوانٍ يتم تبريد الحليب وتعبئتُهُ في جو معقم.
- التخزين والمراقبة: يمكنُ تخزينُ الحليب المكثف المعلَّبِ لفترةٍ غيرِ محدودةٍ شريطةَ حفظِه في درجةِ حرارة 0-15م ، علماً أن انخفاض الحرارة أكثرَ من ذلك يمكنُ أن يسبّب ترسّبَ البروتينات.
كان ذلك تصنيعَ الحليب المكثّف، فماذا عن الحليبِ المكثّفِ المحلى؟
يتمّ تصنيعه بنفس الطريقة السابقة باستثناءِ بعض الاختلافاتِ البسيطة. ففي الحليبِ المكثفِ المحلى تلعبُ درجةُ حرارةِ المعالجة الحرارية دوراً هاماً في تحديدِ لزوجةِ المنتج النهائي أثناء التخزين. وتكون المعاملةُ الحراريةُ على الدرجة 82 مْ لمدةِ 10 دقائق إن كانت اللزوجةُ المطلوبةُ للمنتجِ النهائيّ عالية، بينما يُعاملُ على الدرجةِ 116 مْ لمدةِ 30 ثانيةً في حال كانت اللزوجةُ المرغوبةُ منخفضةً.
يُضح الحليب بعد المعاملةِ الحرارية إلى جهازِ التبخير من أجل رفعِ تركيزه، ويُضافُ هنا المحلول السكريّ أو تُضاف حبيباتُ السكر قبلَ المعاملةِ الحرارية بكميةٍ تُعادل 0.05% من المزيجِ الكلي. وتعتمدُ مدةُ صلاحيةِ المنتج على الضغطِ الأوسموزيّ المتشكّل، على أن يكونَ محتوى السكر في الطورِ المائيّ مكافئاً لتركيز 62.5% بغيةَ منعِ النمو البكتيري. يُبرّد المنتج إلى الدرجةِ 30 مْ ثم إلى الدرجةِ 15-18 مْ كي لا يتحسّسَ اللسانُ الشعورَ الرمليّ الناتجَ عن وجودِ بلّورات سكر اللاكتوز في المنتج.
أخيراً، يُعبأ الحليب المكثّفُ المحلّى في عبواتٍ معقمةٍ مسبقاً.
وبالعودةِ إلى الحليبِ المبخَّر Evaporated Milk كاملِ الدسم نلاحظُ العملياتِ التالية:
يتم الحصول عليهِ من خلالِ تركيز الحليبِ كامل الدسم إلى حوالي نصفِ حجمِهِ الأساسيّ، وذلكَ بعدَ تعريضِه لتسخينٍ طفيفٍ بهدفِ قتلِ الاحياءِ الدقيقةِ الموجودةِ والقضاء على النشاط الإنزيمي في المادة (أي حوالي 75 مْ لمدة 15 ثانية)، وبحسبِ الـ FDA فإن الحليب المبخّر يجب أن يحتوي على 7.5% دهون و25% من المواد الصلبةِ غيرِ الدهنية. يكون المنتج صالحاً للتخزين لفتراتٍ طويلة، ولكنّ التخزين الطويل على درجاتِ حرارةٍ غيرِ مناسبة يؤدّي إلى ظهور بعض التغيراتِ في اللزوجة، فضلاً عن انفصال الدسمِ أو المكوناتِ الصلبةِ الأخرى وقتامةِ اللون. ولمنع حدوث هذه التغيراتِ سمحَت الـ FDA بإضافةِ المثبّتاتِ لهذا النوعِ من الحليب مثل الكارجينان التي يؤخّرُ عمليةَ انفصالِ الدهون أو المكونات الصلبة وتزيد من فترةِ تخزين الحليب حتى لو ارتفعتُ درجةُ الحرارة عن الحدّ المرغوب وهو 16 مْ. يُذكرُ أن الحليب المبخّر يُعرّض إلى عمليةِ التبخير، تليها عمليةُ التجنيس التي تُحطّمُ جزيئاتِ الدهون وتمنعُ تشكّل الرغوةِ والتخثّرَ وتُحسّنُ لون المنتج وبنيَتَه.
الجديرُِ بالذكر أيضًا هو اختلافُ نسبةِ الرطوبة بين الحليبِ المكثف والحليبِ المبخر، إذ تبلغ نسبةُ هذه الرطوبة في الحالةِ الأول 27.16% بينما تبلغُ في الحليبِ المُبخّر 74.04%.
كما يوجدُ حليبٌ مبخرٌ خالٍ من الدسم، ويتمُ الحصولُ عليه من خلالِ تركيز الحليب خالي الدسم حتى الوصولِ إلى تركيزٍ لا يقلّ عن 20% من الموادِ الصلبة ولا يزيدُ عن 0.5% للدهون.
المصادر :
هنا
هنا