صناعة الآيس كريم – الجزء الأول – المكوّنات
الغذاء والتغذية >>>> رحلة الغذاء
الأمر الملفت، والذي يمكننا وصفه بغير الاعتيادي في الصناعات الغذائية، هو وجود الهواء في المنتج النهائي للآيس كريم. حيث يحتوي الآيس كريم التقليدي الذي نشتريه من الأسواق على حجم متساوٍ من الهواء والمزيج سابق الذكر، وتعرف هذه الحالة باسم Over-run أو الريع، وتؤثر هذه النسبة - كما سنقرأ لاحقاً - على تصنيف الآيس كريم وأنواعه.
ونذكر لكم اليوم بشيء من التفصيل دور المكونات المختلفة الداخلة في تركيب الآيس كريم، وهي:
1. دهن (دسم) الحليب أو المواد الدسمة:
يعتبر دسم الحليب، والدهون بشكل عام (بما في ذلك الدهون من مصادر غير منتجات الألبان)، عاملاً مهمّاً جداً للآيس كريم سواء كان ذلك على صعيد مواصفات المنتج أو العمليات التصنيعية، فهو يغني نكهة الآيس كريم، ويعطيه ملمساً ناعماً ومميزاً في الفم، ويساعد في إعطائه القوام المرغوب، كما يحسن من خصائص الذوبان في الفم، ويلاحظ دور الدسم أيضاً في تسهيل حركة أجزاء جهاز التجميد أثناء التصنيع.
وقد وجد أن أفضل مصدر للدهون من حيث تحقيق نكهةٍ عالية الجودة هو القشدة الطازجة الناتجة عن الحليب الطازج، علماً أن الدهون النباتية تستخدم على نطاق واسع في صناعة الآيس الكريم في العديد من الدول. ويجب ألا تقل نسبة المواد الدهنية من الحليب عن 10% في المنتج النهائي بحسب التشريعات الغذائية العالمية، وقد تصل إلى 16% في الأنواع الفاخرة.
2. المواد الصلبة غير الدهنية MSNF:
أو ما يعرف بجوامد المصل، وتشمل اللاكتوز، والكازئين، وبروتينات المصل، والمعادن (أو الرماد). ونذكر من أهم مصادرها الحليب المركز منزوع الدسم، وبودرة الحليب منزوع الدسم أيضاً. وتأتي أهمية المواد الصلبة غير الدهنية نتيجةً لقدرتها على تحسين قوام الآيس كريم بسبب احتوائها على البروتينات التي تمتلك قدرة وظيفيةً على الاستحلاب وتحسين خفق ومزج المكونات، إضافةً إلى قدرتها على الاحتفاظ بالماء مما يعزز من لزوجة المنتج ويخفف من تشكّل البلورات الثلجية كبيرة الحجم عند خفض حرارة المنتج. كما أن استخدامها يعتبر خياراً اقتصادياً جيداً لرفع نسبة المواد الصلبة في المنتج. وتتراوح نسبتها عادةً بين 9 – 12%.
3. المحليات:
من المعروف أن الأطعمة حلوة المذاق مرغوبة جداً لدى المستهلكين، وبالتأكيد فإن الآيس كريم ليس باستثناءٍ لهذه القاعدة! نتيجةً لذلك، كان لا بدّ من إضافة العوامل المحلية (بنسبة تتراوح بين 12 و 16%) إلى مزيج الآيس كريم، حيث تعمل المحليات على تحسين استساغة الآيس كريم وتعزيز النكهة المرغوبة، كما أن تكلفتها منخفضة نسبياً.
أما الدور الأهم للمحليات والذي يعتبر عاملاً محدداً لصناعة الآيس كريم فيتمثل في خفض نقطة تجمد المزيج، وبدون هذه الخاصية لن نتمكن من تناول الآيس كريم أو قضمها على الإطلاق!! ولكن كيف يتم ذلك؟ تقوم المحليات، بما فيها سكر اللاكتوز الناتج عن الحليب، بالارتباط مع جزءٍ من الرطوبة (الماء) الموجودة في المزيج، وهذا يعني أن الماء الموجود في الآيس كريم لن يتجمد بشكل كامل عند تعريض المنتج إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض. والخلاصة أنك بدون هذه المحليات، وبدون ذلك الجزء البسيط من الماء غير المتجمد، لن تستطيع قضم الآيس كريم أو تناولها عند إخراجها من الثلاجة بحرارة تتراوح بين -15 و -18 درجة مئوية، ذلك لأنها ستكون شديدة الصلابة فيما لو تجمد كل الماء الموجود فيها وتحول إلى جليد.
يستخدم السكروز كمادة محلية رئيسية في صناعة الآيس كريم لأنه يضفي نكهة ممتازة ومرغوبة على المنتج، ولكن أصبح من الشائع في الفترة الأخيرة استبدال كامل كمية السكروز أو جزء منها بالمحليات المشتقة عن شراب الذرة حيث تبين أن هذه المحليات تعطي قواماً متماسكاً وسهولةً في القضم للآيس كريم، كما أنها تعتبر مصدراً اقتصادياً للمواد الصلبة الكلية في المزيج، وتحسن من العمر الافتراضي ومدة الصلاحية للمنتج النهائي.
4. المثبتات:
المثبتات هي مجموعة من المركبات المسؤولة عن إعطاء اللزوجة لمزيج الآيس كريم، وتكون عادةً من الصموغ الغذائية عديدة السكريدات. بدونها، يصبح الآيس كريم خشناً ويتجمد بسرعة كبيرة نتيجة هجرة الماء الحرّ ونمو بلورات الجليد المتشكلة إلى أحجام كبيرة، وهذا يعني أن الآيس كريم سيصبح أقرب إلى قطع الجليد منه إلى ذلك المنتج الهشّ المحبوب. كما أنها تساعد على استقرار فقاعات الهواء التي سيتم تشكيلها لاحقاً في التصنيع، إلى جانب دورها في تثبيت النكهات وتعزيزها.
من أنواعها صمغ الخرّوب Locust bean gum، وصمغ الغوار Guar gum، وكربوكسي ميتيل السيللوز Carboxymethyl cellulose (CMC)، وصمغ الكزانثان Xanthan gum، وألجينات الصوديوم Sodium alginate، والكاراجينان Carrageenan. وتتراوح نسبتها في المنتج النهائي بين 0.2 – 0.5%.
5. المستحلبات:
تكمن أهمية المستحلِبات في تطوير البنية المناسبة للدهون وتوزيع الهواء ضمن هذه البنية، ويعتبر كلا هذين العاملين مهمّين للحصول على الآيس كريم ذي القوام الناعم والقدرة على الذوبان في الفم. ويمكننا فهم مبدأ عمل المستحلِب من خلال معرفة تركيبه، حيث يحتوي كل جزيء من المادة المستحلِبة على جزء محب للماء Hydrophilic وجزء كاره للماء Hydrophobic، ويكون كلٌ من هذين الطرفين متوضعاً على السطح الفاصل بين المادة الدهنية والماء. ونتيجةً لهذا التركيب المميز، فإن المادة المستحلِبة تعمل على تقليل التوتر السطحي (أي القوة الموجودة بين طوري المستحلَب) وتسمح باندماجهما معاً والمحافظة على هذه الحالة دون عودتهما للانفصال ثانيةً (وهو ما نشاهده مثلاً في مزيج من الزيت والماء حيث ينفصلان ويتوضّع الزيت على شكل طبقة أعلى الماء).
ويُذكر من بعض أنواع المستحلبات: الغليسيريدات الأحادية والثنائية، مركب بولي سوربات 80، وإسترات الغليسيرول Glycerol esters. وتتراوح نسبتها في المنتج النهائي بين 0.2 – 0.5% أيضاً.
6. المنكهات:
يمكن أن تكون المواد المنكهة طبيعية، أو صناعية أو مزيجاً من الاثنين معاً. وتشكل الآيس كريم بنكهة الفانيلا حوالي 30% من الإنتاج الكلي، ويتم الحصول على الفانيلا من أحد نباتات عائلة الأوركيد ويدعى Vanilla planifolia، في حين يُطلق على الفانيلا المنتجة صناعياً اسم الفانيلين Vanillin.
تعتبر نكهة الفانيلا عنصراً هاماً وأساسياً في تعزيز النكهات الأخرى وتحسينها، ولذلك يبدأ المصنّع بتحضير مزيج أبيض اللون بنكهة الفانيلا ثم تضاف النكهات المرغوبة لاحقاً (كنكهة الفريز مثلاً للحصول على آيس كريم بالفريز). يستثنى من ذلك الآيس كريم بنكهة الشوكولا، حيث تطغى مركبات النكهة القوية في الكاكاو على الفانيلا. كما يمكن طبعاً أن تضاف الفواكه أو المكسرات إلى مزيج الآيس كريم النهائي.
7. الملونات:
تعتبر الملونات من أهم العوامل الجاذبة للمستهلك، ولا بدّ أن تكون الملونات المستخدمة متوافقة مع النكهة التي يتوقعها المستهلك (فمثلاً يتم اختيار اللون الأحمر لنكهة الفريز، والأخضر الفاتح لنكهة النعناع، والبنفسجي لنكهة العنب)، علماً أن استخدام الملونات بشكل مفرط سيجعل الآيس كريم يبدو رديء النوعية. من جهة أخرى، تعتبر المواد الملونة الطبيعية مكلفةً للغاية، ولذلك يلجأ المصنّعون عادةً إلى استخدام ملونات صنعية، ولكن ذلك يستوجب الالتزام باستخدام الملونات التي تمت الموافقة على تطبيقها في الأغذية، ويفضّل أن تكون حديثة التحضير عند الاستخدام، نظراً لسهولة تلوثها.
تابعوا الجزء الثاني من مقالنا لنتعرف سويةً إلى المعاملات التي تطرأ على هذه المكونات، إضافةً إلى المشاكل التي يمكن أن تعترض ذلك وتسبب ظهور بعض العيوب في الآيس كريم...
المصدر:
1. GOFF H.D. and HARTEL R.W. 2013- Ice cream. 7th ed. Springer, New York, USA. 477 pp.
2. هنا
3. هنا
4. هنا
5. هنا
6. هنا