هل نستطيعُ التخلُّصَ قريباً من الخَزعاتِ في تشخيصِ السرطان؟!
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة
قد يصبح الكشفُ عن السرطانِ أسهلَ مما كان عليه سابقاً.
مع التطورِ العلميِّ المتسارعِ بدأت أنواعٌ جديدةٌ من الفحوصِ التي تعتمد على إجراءاتٍ غيرَ باضعةٍ (أقل أذية وإيلاماً للمريض) بمغادرةِ المختبراتِ والوصولِ إلى الأسواقِ الطبية، وما زال البعض منها قيد التطوير.
ويأمل الباحثون بأن تقللَ هذه الاختباراتُ المعتمِدةُ على عيناتِ الدمِ والبولِ واللُّعابِ من الحاجة لأخذِ الخزْعاتِ biopsies، والتي غالباً ما تكونُ مؤلمةً وخطيرةً؛ إذ يتطلّبُ أخذُ الخزعةِ عملاً جراحياً لإزالةِ جزءٍ من النسيجِ المشتبَهِ بتسرطُنِه، لدراستِه وتشخيصِ الحالة.
وقد ازدادتِ الأبحاثُ وتسارعَت في السنواتِ القليلةِ الماضيةِ لإيجادِ وسائلَ وأدواتٍ جديدةٍ للكشفِ عن السرطان؛ من هذا ما تعهّدَت به شركةٌ ناشئةٌ تُدعى Grail في مدينةِ سان فرانسيسكو منذ بداية كانون الثاني من هذا العام، من أن تقومَ بتوفيرِ مبلغِ بليون دولار وتخصيصِها لتطويرِ اختبارٍ دمويٍّ يؤمّنُ الكشفَ المبكّرَ عن السرطان.
إنّ الاكتشافَ الذي وضّحَ إمكانيةَ كشفِ السرطانِ عن طريقِ واسماتٍ حيويةٍ محددةٍ مثلَ جزيئاتِ الـ دنا والـ رنا والبروتيناتِ، هو الذي يقودُ عمليةَ تطويرِ هذه الاختبارات، كما أنّ التقدّمَ التقنيَّ الحاصلَ في السنواتِ الـ 5 – 10 الماضيةِ هو ما سمح للعلماءِ باستخدامِ هذه الاكتشافاتِ لابتكارِ أدواتٍ لتشخيصِ الأورامِ السرطانيةِ.
لقد طُرِحت في السابقِ ثلاثةُ اختباراتٍ على الأقلِّ للكشفِ المبكرِ عن السرطانِ في السوقِ الطبّيةِ. وقامت إدارةُ الأغذيةِ والأدويةِ الأمريكيةُFDA في عامِ 2014 بالموافقةِ على اختبارٍ يدعى Cologuard (كولوغارد)، والذي يستقصي سرطانَ القولون. وقامت شركتا Oncimmune و Integrated Diagnostics بتطويرِ اختباراتٍ دمويةٍ تساعدُ في المسحِ عن سرطانِ الرئةِ، وقد طُبِّقَت في المختبراتِ التابعةِ للشركاتِ والمرخّصةِ من قبلِ الحكومة الفدرالية. (لا يَلزَمُ الحصولُ على موافقةِ إدارةِ الـ FDA على الاختبارات إلا إذا ما تمّ تسويقُها تجارياً).
يتضمن كلا الاختبارين إرسالَ عينةٍ من دمِ المريضِ إلى مختبراتِ الشركةِ لتحليلِها.
في الوقتِ ذاتِه أعلنت شركةُ Mayo Clinic and Exact Sciences مؤخراً عن اختبارٍ دمويٍّ واعدٍ للكشفِ عن سرطانِ الرئةِ، يَعتمدُ على اختبارِ Cologuard، وقد تم تطويرُه أيضاً من قبل مجموعة Exact Sciences.
والأمرُ الذي يُجمعُ عليه الخبراءُ هو أهميةُ الكشفِ المبكّرِ عن السرطانِ كمفتاحٍ للعلاجِ، وفي بعضِ الأحيانِ للبقاءِ على قيدِ الحياة.
ولكنْ هناكَ العديدُ من أنواعِ الأورامِ – مثلَ أورامِ البنكرياسِ والمَبيضِ – غالباً ما لا ترافقُها أيُّ أعراضٍ مسبقةٍ، ومن ثَمّ يتأخرُ تشخيصُها إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من المرض، في حين يجري أخذُ الخزعاتِ وإجراءُ اختباراتٍ لمرضى ليسوا بحاجةٍ لها، حيث أنّ الأورامَ لا تكونُ أوراماً سرطانيةً، كالعُقَدِ غيرِالمؤذيةِ في الرئتين.
يقول الدكتور Mazzone، الذي قام بأبحاثٍ عن اختباراتِ التنفسِ والبولِ للتعرُّفِ على سرطانِ الرئةِ، والذي يُعتبر السرطانَ الأكثرَ تسبباً بالوفَيَاتِ في الولاياتِ المتحدةِ: "لا نريد أن نؤذيَ الناسَ بأخذِ الخزعاتِ منهم أو بإجراءاتٍ استقصائيةٍ زائدةٍ، حيث أننا يمكن أن نستخدمَ استقصاءاتِ الدمِ والبولِ والتنفسِ لمساعدتِنا في هذه الناحية".
ويقول أيضاً أنّ اختباراتٍ كهذه يمكنُها أن تميّزَ موادَّ كيميائيةً أو أنماطاً كيميائيةً شاذةً (غيرَ طبيعيةٍ)، تُظهرُ وجودَ المرض، كما يمكنها أن تَضبطَ الطرائقَ الموجودةَ مسبقاً للكشفِ عن السرطان. وعلى سبيل المثال، غالباً ما يجد مسحُ الرئةِ وتصويرُها بجهاز الطبقيِّ المحوريِّ بقعاً صغيرةً تُدعى العُقَيداتِ الرئوية. وفي حوالي 99 % من الحالاتِ تكونُ هذه العُقَيداتُ غيرَ مؤذية. ولكنْ من الصعبِ التمييزُ بين العُقيداتِ غيرِ المؤذيةِ وبين تلك التي تعطي إشاراتٍ بوجودِ سرطانٍ عُدْوانيّ.
يقول الدكتور (ريتشارد شيلسْكي) Richard Schilsky الرئيسُ الطبيُّ في الجمعيةِ الأمريكيةِ لأطباءِ علمِ الأورامِ السريريِّ: " هناك الكثيرُ الكثيرُ من النتائجِ الإيجابيةِ الكاذبةِ (التي تشيرإلى وجودِ المرضِ في حالِ غيابِه في الواقع)، والتحدّي القائمُ هو معرفةُ أيٍّ من هذه النتائجِ غيرِ الطبيعيةِ هو في الحقيقةِ ورمٌ سرطانيٌّ ".
مؤخراً وخلال هذا العامِ نشر الباحثون العديدَ من الأبحاث المتطورة في مجال اختبارات التحرّي عن السرطان، وهي لا تزالُ في المراحلِ المبكرةِ ولكنها تشير إلى الاندفاع الحاليِّ تجاهَ تطويرِ طرائقَ تشخيصيةٍ جديدةٍ للسرطان:
• فقد حدّد الباحثون في جامعةِ بوسطن هويةَ أكثرَ من 500 مورّثةٍ مرتبطةٍ بسرطانِ الرئة موجودةٍ في الانف، إذ يمكن بواسطةِ أخذِ مسحةٍ من الأنفِ تحديدُ ما إذا كانتِ النموّاتُ الورميةُ في الرئةِ أوراماً خبيثةً أم لا.
• وفي مشفى ماساشوستس العامّ طوّر العلماءُ طريقةً لكشف الخلايا السرطانيةِ في الدمِ، يمكن لها أن تحسّنَ التشخيصِ والمعالجةِ المبكرة لسرطانِ الرئة.
• وقد نشرَ خبراءُ في كوريا الجنوبيةِ، في معهدِ أوسلان Ulsan الوطنيُّ للعلوم والتكنولوجيا، دراسةً واعدةً تُظهر قدرةَ اختباراتِ البولِ على التعرُّفِ على الخلايا السرطانيةِ الناتجةِ عن الأورام.
• وقد اكتشف الباحثون في جامعةِ بوردو Purdue أنّ المستوياتِ العاليةَ من بروتيناتٍ معينةٍ في الدمِ قد تشير إلى وجودِ سرطانِ الثدي، كما يمكن لهذا الاختبار الدمويِّ أن يكشفَ عن العديدِ من الأورامِ الأخرى.
وفي بداياتِ شهرِ آذارَ طوّرَ باحثون في جامعةِ كاليفورنيا- سان دييغو اختباراً دموياً قادراً على كشفِ السرطانِ وتحديدِ مكانِه في الجسمِ أيضاً. يتعرفُ الاختبارُ على الخلايا الطبيعيةِ المقتولةِ نتيجةَ نموِّ الورمِ السرطانيِّ، حيث تُجرَفُ هذه الخلايا الميتةُ مع الجريانِ الدمويِّ قبل طرحِها من الجسم. وقد تتبَّعَ الباحثون هذه الخلايا إلى الجزءِ من الجسمِ الذي كانت تنتمي إليه، كالكبدِ أو البنكرياسِ أو الكُلْيةِ أو الرئة. وقد قام الباحثون في هذه الدراسةِ بفحصِ عيّناتٍ دمويةٍ من أشخاصٍ مصابين وغيرَ مصابين بالسرطان.
ويقول أستاذ الهندسة الحيوية البروفيسور زانغ Kun Zhang أنّ الاختباراتِ الدمويةَ الحاليةَ تطبَّقُ فقط على مرضى السرطانِ، وذلك لمعرفة ما إذا كان يمكنُ الكشفُ عن وجودِ السرطانِ في الدمِ بعد معالجتِهم، وأنّهم يعملون الآن على إجراءِ التشخيصِ المبكر. ويسعى البوفيسور زانغ لاستهدافِ سرطانِ البنكرياس في أبحاثِه، ففي وقتِنا الراهنِ- بحسب قولِه- يعني تشخيصُ هذا السرطانِ موتَ المريضِ في غضونِ عامَين، لأنّ التشخيص لا يجري في الوقتِ الأمثلِ للعلاج. فالتشخيصُ والتدخلُ العلاجيُّ المبكرُ يمكن أن يؤدّي لشفاءِ السرطان".
يخطّطَ زانغ هو وزملاؤه –في خطوةٍ لاختبار بحثِه عملياً- لجمعِ عيناتٍ دمويةٍ من عددٍ كبيرٍ من الأشخاص الأصحّاء ومراقبتِهم لمدة 2-3 سنواتٍ ليرى ما إذا كان اختبارُه يحدّد بدقة من منهم سيُصابُ بالسرطان، ولا يمكنُه تحديدُ وقتِ انتهاءِ هذا البحث.
يقول الباحث شيلسْكي: يتطلّب تحديدُ كونِ اختبارٍ ما ينقذُ الأرواحَ بالفعل سنواتٍ من البحث. وعلى سبيلِ المثال، فإنّ تطويرَ اختبارٍ لسرطانٍ عُدوانيٍّ (مؤذٍ جداً) كسرطانِ الرئةِ قد يحتاجُ لحوالي 5 سنوات. والاختباراتُ التي تكشف عن السرطاناتِ البطيئةِ النموِّ مثل سرطانِ القولون والمستقيمِ وسرطانِ الثديِ قد تتطلّبُ حوالي 15 سنةً.
ليست جميعُ السرطاناتِ قاتلةً، وهذه الاختباراتُ قد تساعد الأطباءَ في اكتشافِ الفرقِ بين الأشكالِ الأكثرِ فتكاً للمرضِ وبين تلك الأقلِّ تهديداً للحياة.
إنّ الهدفَ من اختبارٍ ما هو مساعدةُ الطبيبِ على اتخاذِ القرارِ الصائب. وفي بعض الحالات حتى الاختباراتُ الدقيقةُ لا تغيّرُ في القراراتِ المتّخذةِ؛ فالمرضى قد يموتون بالرغم من خضوعهم لإجراءات التقصّي تلك. يعتمد ذلك على الحالة ونوع الورم.
وبرغم هذه الفترة الزمنية الزاخرة بالاكتشافات المثيرة لباحثي السرطان، إلا أنه لا يوجدُ اختبارٌ مثاليٌّ؛ حيث أنّ كلَّ نتيجةٍ إيجابيةٍ (نعم) لا تعني بالضرورة (نعم)، وكلَّ نتيجةٍ سلبيةٍ (لا) لا تعني بالضرورةِ (لا). وإذا ما استُخدِمَ اختبارٌ ما على نحوٍ غيرِ مناسبٍ فقد يتسبّبُ بالضرر. وعلى الهيئاتِ الطبيةِ والبحثيةِ تقييمُ هذه الاختباراتِ بشكلٍ كاملٍ قبل استخدامِها على نطاقٍ واسعٍ."
المصدر:
هنا
.