الآثار السلبية لاستخدام سماعات الأذن المديد
الطب >>>> سؤال طبي
تعددت طرائق سماع الناس للموسيقا الصاخبة -وخاصة اليافعين- من مشغِّلات الصوت الضخمة والأنظمة الصوتية في السيارات إلى بث الصوت إلى الأذن مباشرة عن طريق السماعات الشخصية كالـ(headphones) والـ(earphones).
إذ تُتاح الآن لدى عددٍ كبير من المراهقين وسائلُ متعددة لسماع الموسيقا سواء مشغِّلات الـ(mp3) أم الهواتف المحمولة، وهكذا، أصبح سماع الموسيقا أمرًا سهلًا جدًّا، بما أنَّ تطبيقات الموسيقا أصبحت موجودةً على كل هاتف محمول، فهو الجهاز المتوفر لدى الجميع تقريبًا.
وتوفُّر هذه المشغِّلات المحمولة صوتًا ذا جودةٍ عاليةٍ فضلًا عن مساحات التخزين الواسعة المخصَّصة لتلك الأمور؛ إذ يمكن تشغيل الموسيقا والأغاني وسماعها بمستوى عالٍ دون أن يتشوَّش صفاء الصوت أو يتأثر، وهو ما يثير بعض القلق من تأثير الصوت العالي المستوى في الوظائف السمعية، وخاصةً عندما يُساء استخدام هذه الأجهزة مدةَ ساعات كثيرة.
فقرابة (50%) من الشباب يستمع إلى مستوياتٍ صوتية غير آمنة باستخدام أجهزتهم الشخصية، وهنالك دراسةٌ أفادت أنَّ قرابة (94%) من المراهقين الكوريين بين عمر (13-18) سنة تستخدم السماعات الشخصية مدةً تتراوح بين (1-3) ساعات في اليوم.
ويندرج الضرر الناتج عن الاستخدام السيئ للسماعات الشخصية ضمن ما يُسمَّى فقدان السمع المُحدث بالضوضاء (noise-induced hearing loss أو NIHL)، ويحدث هذا الفقدان نتيجةً للشدة الصوتية؛ (أي الصوت المرتفع) ومدة التعرُّض الطويلة لها، وتُعدُّ مشغِّلات الموسيقا بأنواعها من الأجهزة القادرة على إحداث نقصِ سمعٍ حسي عصبي ثنائي الجانب على الدوام (حسي؛ أي ضرر في الخلايا الحسية كما سنشرحها لاحقًا– عصبي؛ أي ضرر في ألياف العصب السمعي)، وخاصةً عند الاستماع إلى مستوى صوت عالٍ فتراتٍ طويلة.
ولكن؛ كيف نسمع الأصوات عادةً؟
لنفهم كيف تؤثِّر الأصوات العالية في سمعنا.. بدايةً علينا أن نفهم الآلية التي تُمكِّننا من السمع.
يعتمد السمع على سلسلة من الأحداث التي تحوِّل الأمواج الصوتية في الهواء إلى إشارة كهربائية، ومن ثمَّ يحمل عصبنا السمعي تلك الإشارات إلى الدماغ وفق سلسلة معقدة من الخطوات.
فعندما تشغِّل الأغنية التي تحبُّها، تُصدِر سماعاتك موجاتٍ صوتية معينة، وتدخل تلك الموجات القناة السمعية حتى تصل إلى غشاء الطبل، فيهتز وتهتز معه عُظيمات السمع في الأذن الوسطى، وتنقل العظيمات تلك الاهتزازات إلى القوقعة أو الحلزون (cochlea) في الأذن الداخلية، وهي جوف صغير مملوء بسائل.
ويحتوي هذا الجوف على غشاء يُدعى الغشاء القاعدي، وتُوجد عليه أعدادٌ ضخمة من الخلايا الحسية السمعية (الخلايا الشَعْرِية، Hair cells - sensory cells)، ويُوجد على سطح كل خلية عددٌ من الأهداب الساكنة (stereocilia)، والتي تتحرك باهتزاز السائل والغشاء وتنحني، وهذا يؤدي إلى فَتْح قنواتٍ شاردية لتعيد توزيع بعض الشوارد مُولدةً إشارةً كهربائية تنتقل عن طريق ألياف العصب السمعي إلى دماغك، لتُترجَم إلى صوتٍ نفهمه وندركه، وتبدأ بالاستمتاع بالأغنية.
ويحدث فقدان السمع المُحدث بالضجيج نتيجة تضرُّر الخلايا الشَّعرية وموتها، وهذه الخلايا لا تنمو مجددًّا عند الإنسان فالضرُّر دائم، ويلحقه فقدانُ الاتصال المِشبكي بين الألياف العصبية والخلايا الحسية ثمَّ موت الألياف العصبية أيضًا.
Image: https://www.pinterest.com/pin/74450200072356254/?lp=true
صورة تبين الخلايا الحسية السمعية وفوقها الأهداب الساكنة.
فقدان السمع المُحدث بالضوضاء (NIHL):
قد تُصاب أذنٌ واحدة أو الأذنان معًا بفقدان السمع المُحدث بالضوضاء، ويمكن أن يحدث ذلك مباشرةً أو أن يأخذ وقتًا وتَصْعب ملاحظته، وقد يكون مؤقتًا أو دائمًا.
وحتى لو لم يُلاحَظ تضرُّر السمع فورًا، فثمَّة احتمال أن تجد مشكلةً سمعية في المستقبل؛ مثل عدم مقدرتك على فَهْم الآخرين في أثناء الحديث وخاصةً على الهاتف أو في غرفة مزدحمة.
ويمكن أن يحدث الضرر بالتعرُّض إلى صوت شديد (نبضة) مرةً واحدة فحسب كالانفجار، أو بالتعرُّض المستمر إلى الأصوات المرتفعة فترةً زمنية طويلة -والذي هو موضوع حديثنا- كالاستماع الطويل للموسيقا عن طريق السماعات بصوتٍ عالٍ.
فالصوت يُقاس بوحدات تُسمى الديسيبل (dB)، وإذا كان الصوت تحت (70) ديسيبل فلن يُسبب -غالبًا- أيَّ أذى حتى مع التعرُّض الطويل، ولكنَّ التعرُّض الطويل أو المتكرر إلى الأصوات بمستوى (85) ديسيبل وما فوق يمكن أن يتسبب بنقص في السمع، وكلما كان الصوت أعلى قَصُرت المدة المطلوبة لتحدث الأذية.
ولتوضيح الفكرة، هذا جدول يوضح بعض الأمثلة على مستويات الصوت بالديسيبل dB:
Image: SYR-RES
وإذا تعرَّض الشخص إلى أصوات أعلى من (90) dB بمتوسط 8 ساعات يوميًّا وبدون وسائل حماية سمعية ستحدث أذيةٌ في السمع غالبًا.
أما الأصوات الأعلى من (140) dB، فجميعها تُسبب الألم؛ إذ إنَّ أنظمة الصوت في أغلبها تبثُّ الصوت في مجال (95-108) ،dB ويمكن لبعضها أن يصل إلى (115) dB.
وإذا تمكَّنتَ من سماع الموسيقا التي يشغِّلها أطفالك أو أصدقاؤك عن طريق سماعاتهم، فهذا يعني أنَّ الصوت عالٍ جدًّا، ومن الممكن أن يؤدي إلى فقدان سمعٍ دائم، فيجب تحذيرهم حيال خطورة هذا التصرُّف.
كيف أحمي نفسي؟
الكلام السابق لا يعني أنَّه يجب ألا تستخدم السماعات الشخصية، ولكن؛ عليك بالاستخدام الآمن، فمنظمة الصحة العالمية (WHO) توصي بهذه الأمور:
- قلِّل حجم الصوت، فمستوى الصوت اليومي الآمن الذي يُوصى به أقل من (85) ديسيبل مدةً لا تتجاوز الثماني ساعات، ومن شأن خَفْض الصوت ولو بمقدار يسير أن يوفِّر كثيرًا من الحماية. ويمكن خفضه عند الاستماع إلى أجهزة الاستماع الشخصية عن طريق ما يلي:
-الالتزام بمستويات الاستماع الآمنة عم طريق ضَبْط مستوى صوت السماعات على درجة مريحة في مكان هادئ على ألا يزيد على (60%) من الحد الأقصى لحجم الصوت والذي يُمكِّنك من أن تستمع بأمان.
-الحدُّ من الاستعمال اليومي لأجهزة الاستماع الشخصية، فخَفْض الصوت مهم، ولكن؛ يُفضَّل أن ننقص مدة التعرُّض أيضًا، فالحدُّ من الاستخدام لأقل من ساعة في اليوم سيكون له أثرٌ كبير في الحدِّ من التعرُّض إلى الضوضاء.
- انتبه إلى العلامات التي تشير إلى فقدان السمع:
إذا كان لديك شكٌّ في أنَّك ستصاب بفقدان السمع، اطلب مساعدةً طبية من أحد المختصين في مجال السمع وخاصةً إذا كان لديك طنينٌ أو صعوبة في سماع الجرس أو رنة الهاتف والمنبه، أو صعوبةٌ في فَهْم الكلام وتطلب الإعادة أكثر من مرة ولاسيما على الهاتف، أو في متابعة الحوارات في أماكن صاخبة؛ مثل المطاعم أو الأماكن المخصَّصة للقاءات الاجتماعية.
- احرص على إجراء فحوصات السمع بانتظام:
يساعد ذلك على اكتشاف بدء فقدان السمع في مرحلةٍ مبكرة وخاصةً الأكثر تعرُّضًا لمخاطر السمع من مراهقين وشباب.
لذلك، من الأفضل في المرة القادمة التي تستمع فيها إلى الموسيقا يا صديقي أن تأخذ تلك الرسالة التحذيرية على شاشة هاتفك على محمل الجد، وتُخفِض صوت الموسيقا.
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا