عندما يصبح نقل البضائع وسيلة لنشر السرطان
البيولوجيا والتطوّر >>>> بيولوجي
اكتُشِف نوع من الأورام منتشرٌ لدى نوعين من ثنائيات الصدف المنفصلة جغرافيَّا عن بعضها وهي: Mytilus Chilensis التي تعيش في مياه المحيط الهادئ في أميركا الجنوبية على سواحل الأرجنتين وتشيلي، وM.edulis التي توجد في مياه المحيط الأطلسي في شمال أوروبا.
وقد استُبعِد احتمال أن تكون التيَّارات المائية بين المحيطين هي سبب انتشار الورم؛ كونها لا تساعد على حركة هذين النوعين من المحار باتجاه بعضها البعض، ويرجح أنَّ سبب هذا الانتشار يعود إلى النشاط الإنساني البحري في نقل البضائع بين نصفي الكرة الأرضية، إما عن طريق شحن ثنائيات الصدف المصابة في المحيطات، أو عن طريق التصاقها بالسفن المسافرة.
فالسرطانات تنشأ نتيجة طفرات تحدث في خلايا الكائن الحي نفسه عادةً، وإذا لم يُسيطَر عليها فإنَّها تتابع نموَّها إلى أن تقضي على الخلية المُضيفة، ولكن؛ في بعض الأنواع من الحيوانات -كثنائيات الصدف- تنتقل الخلايا السرطانية من فرد إلى آخر، وتؤدي إلى انتشار سلالات ورمية ضمن أفراد النوع الواحد، وهو ما يُعدُّ ظاهرة شائعة لدى اللافقاريات البحرية وقد لُوحِظ أول مرَّة عام 1969.
ويُعتقَد بأنَّ التلوث والفيروسات القهقرية تؤدي دورًا في نشوء هذه الأورام، ولكنَّ المفاجئ هنا هو انتقال الورم بين أنواع مختلفة من المحار المُتباعدة جغرافيًّا.
وقد بيَّنت الدراسات الجينية التي أُجريَت على الحمض النووي (DNA) المعزول من كلا النوعين من المحار المصاب (Mytilus Chilensis وM.edulis.) تطابقًا جينيًّا للورم لديهما، وتبيَّن بعد التحليل الجيني أنَّ هذا النوع من الورم من المرجح أنَّه نشأ وتطوَّر من نوع ثالث من ثنائيات الصدف وهو (M.trossulus).
ولكي نتمكَّن من فهم التحليل الجيني الذي أُجرِي على هذه الأنواع من ثنائيات الصدف، علينا أن نتعرَّف إلى البنية الجينية للحمض النووي (DNA):
يتكوَّن الـ(DNA) من سلسلتين من الحموض الأمينية التي تحمل الشيفرات الوراثية (المُورِّثات)، وكل مورثة مكونة من أليلين، أحدهما يأتي من الأب والآخر من الأم.
وقد أجرى العلماء تحليلًا جينيًّا على الأنواع الثلاثة من ثنائيات الصدف المذكورة أعلاه، فعزلوا الحمض النووي (DNA) من نوى وميتوكوندريا هذه الحيوانات ورُكِّز على 4 مورثات، اثنان منهما في الحمض النووي للنواة (EF1a وH4) واثنان في الحمض النووي الميتوكوندري (mtCR وmtCOl).
وبيَّنت نتائج التحاليل أنَّ المحار من نوع Mytilus Chilensis المصاب الموجود في سواحل الأرجنتين، وهو يحمل الأليل السرطاني في المورثة (EF1a) مقارنةً مع الأفراد غير المصابة، ولكنَّ هذا الأليل لم يكن موجودًا في Mytilus Chilensis الموجودة على سواحل تشيلي. بالإضافة إلى ذلك تبيَّن وجود الأليل السرطاني نفسه في عينات من M.edulis في المحيط الأطلسي مقارنةً مع نظيراتها غير المصابة.
وينطبق الأمر على الأليلات السرطانية للمورِّثة H4 التي تطابقت لدى كل من Mytilus Chilensis على سواحل الأرجنتين وM.edulis في الأطلسي، ولم تحدد هذه الأليلات في Mytilus Chilensis على سواحل تشيلي. إضافةً إلى ذلك، كُشِف عن وجود الأليلات السرطانية للمورثة H4 في عدَّة أفراد غير مصابة من M.trossulus ممَّا يدل إلى كونها منشأ هذه السلالة الورمية.
وعند تحليل جينات الميتوكوندريا اكتُشِف أليل سرطاني في مورثة mtCR في كل من Mytilus Chilensis وM.edulis مقارنةً مع قريناتها غير المصابة، إضافةً إلى وجوده في أفراد غير مصابة من نوع M.trossulus. واكتُشِف أليل سرطاني موجود في أفراد مصابة من Mytilus Chilensis على سواحل تشيلي وفي أفراد غير مصابة من M.trossulus أيضًا.
وعند التحليل الجيني للمورثة الميتوكوندرية الثانية، لُوحِظ وجود أليل سرطاني في كل من Mytilus Chilensis المصابة والموجودة في سواحل الأرجنتين، وفي M.edulis الموجودة على السواحل الفرنسية مقارنةً مع الأفراد غير المصابة، ولكنَّ هذا الأليل لم يكن موجودًا في Mytilus Chilensis الموجودة في سواحل تشيلي.
وقد يُفسَّر سبب عدم وجود الأليلات السرطانية في بعض العينات المصابة من المحار التشيلي بأنَّها مصابةٌ بسلالة أخرى من الورم غير السلالة المدروسة في المقال.
أُجريَت دراسة من نوع آخر أيضًا على الأفراد التي أُجريَت عليهم الدراسة الجينية الآنفة الذكر ذاتهم؛ وذلك لإثبات أنَّ M.trossulus هي منشأ هذا الورم المنتشر.
وفي هذه التجربة درس العلماء التباين الوراثي لقاعدة نيوكليوتيدية واحدة (النكليوتيدات هي وحدات البناء الرئيسة للـDNA وقد يَحدُث تبديل نكليوتيد واحد بآخر، وهذا ما يُعرَف بالتباين الوراثي لقاعدة نيوكليوتيدية واحدة، وقد لا يكون هذا التغيير خطيرًا وقد يُصاحَب ببعض الأمراض أحيانًا.
ويُستخدَم هذا النوع من التحاليل في دراسات تحديد العرق والنسب)، فقد قُورِن (13) تباينًا وراثيًّا بين M.trossulus والأفراد المصابة من Mytilus Chilensis أو من M.edulis.
ولُوحِظ وجود 5 تباينات وراثية مشتركة بين كل من M.trossulus والأفراد المصابة من النوعين الآخرين.
وقد وضَّح هذا المقال كيفيَّة انتقال سلالات ورميَّة من M.trossulus وانتشارها عبر المحيطات عن طريق عدَّة أنواع مضيفة عمومًا، وأَوضح كيف يمكن للأنشطة البشرية أن تُفاقِم انتشار السرطانات وتسمح بدخولها إلى بيئات وأنواع جديدة لا يُعرَف فيها مدى تأثيرها المرضي .
المصادر: