رهان باسكال
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة الغربية
وتتضمن فكرة الرهان أنه بغض النظر عن صحة وجود إلهٍ من عدمها؛ فمن الأفضل ألَّا نخاطر بعدم الإيمان به لأن الإيمان هو الخيار الأكثر أمانًا، ففي نهاية المطاف إذا كان فعلًا موجودًا سيحصل المؤمنون به على سعادةٍ لانهائية بينما سيعاني غير المؤمنين إلى الأبد، وإذا لم يكن موجودًا؛ فلن يخسر المؤمنون شيئًا بل يكسبون سعادةً دنيويةً مثلهم مثل غير المؤمنين، ولصالح ذلك يحاجج "باسكال" أنه حتى إن كان احتمال وجود الإله محدودًا، فإن ذلك لا يهم ما دامت المنفعة من احتمال وجوده لا محدودة، فإن حاصل جدائهما (التوقع) لا محدود، وبالمقابل فإن التوقع من احتمال عدم وجوده محدودٌ دائمًا حتى لو عدَدْنا الاحتمال قويا (1,2).
فالخِيار العقلاني بالنسبة لـ"باسكال" هو الإيمان لأنه الخِيار (الفعل) ذو التوقع الأعظم: قيمة 1 (+∞) ྾ احتمالية محدودة + قيمة 2 ྾ احتمالية محدودة = +∞، بينما التوقع في خِيار عدم الإيمان هو: قيمة 3 ྾ احتمالية محدودة + قيمة 4 ྾ احتمالية محدودة = توقع محدود وقد يكون ذا قيمةٍ سالبةٍ (1,2)، ويجدر هنا التنويه إلى الخلاف على القيمة 3 التي تمثِّل العذابَ والشقاءَ، فالبعض يعطي هذه القيمة -∞ والبعض يعطيها قيمةً محدودة (2).
أما بالنسبة للاعتراضات فهي عديدة؛ إذ يرى بعضهم أنه لا يمكن أن تكون منفعةٌ ما غير محدودةٍ، أو يرى أنه يجب أن يكون هناك أكثرُ من قيمةٍ لا محدودةٍ في الجدول السابق (كأن تكون القيمة 3 (-∞))، أو أن يحتوي الجدول أسطرًا أكثرَ (خياراتٍ متعددة)، أو أعمدةً أكثرَ (احتمالاتٍ متعددةً كتعدد الآلهة مثلا)، وبعضهم يرى أن الإيمان أو القناعات ليست مسألة خِيارٍ يمكننا اختياره (2).
ومن الاعتراضات أيضًا «مفارقة المنفعة المتساوية - Equi-Utility Paradox» التي تشكك بصلاحية هذا الرهان، فعند حساب التوقع لفعل تفريش الأسنان مثلًا (لا نقصد هنا أن شخصًا قد يدخل الجنة بسبب تفريش أسنانه بل هو مثالٌ عن أي فعل)؛ لنفترض أن شخصًا قام بتفريش أسنانه بانتظام، هناك احتمالٌ ما أن يدخل الجنة ويحصل على النعيم المطلق، وفي الوقت ذاته هناك احتمالٌ أن يدخل الجنة ويحصل على النعيم المطلق حتى دون تفريش أسنانه، لذلك فإن التوقع لفعل تفريش الأسنان ((+∞) + فوائد العناية الفموية = (+∞)) يساوي التوقع لفعل إهمال تفريشهم ((+∞) - مضار تسوس الأسنان والتهابات اللثة = (+∞)) وبذلك لا يجب أن نعد تفريش الأسنان عملًا جديرًا بأن نقوم به لأن التوقع متساوٍ في الحالين. في الواقع إن جوهر هذا الاعتراض ينص على أن أي إضافةٍ لقيمةٍ غير محدودةٍ (±∞) ضمن الحسابات في (نظرية القرار) سيجعل لأي عملٍ منفعةً مساويةً لأي عملٍ آخر (±∞)، فحتى لو أن العقلانية تتطلب منك اختيار الخيار ذي المنفعة الأعظم، لن يكون هناك منفعةٌ أعظم من الأساس لنختارها كما الحال في المثال السابق (1,2).
ومنها أيضًا «اعتراض الآلهة العديدة» الذي ينص على أن (نظرية القرار) لا يمكنها أن تقودنا إلى الإيمان بإلهٍ معينٍ دون غيره، لذا يمكن للجدول أن يأخذ الشكل الآتي على سبيل المثال:
(1,3).
ويرى بعضهم أن هذا الاعتراض غير كافٍ؛ إذ من الصحيح أنه لا يقودنا إلى إلهٍ دون غيره، لكنه يقودنا إلى (الألوهية - Theism) والابتعاد عن الإلحاد واللاأدرية، لكن هذه الفكرة أيضًا لها إشكاليةٌ عند بعضهم لأنهم يعتقدون أنها تستبعد احتمالاتٍ ثيولوجيةً وهي وجود إلهٍ يكافئ الذين يبقون مشككين عند غياب الأدلة ويعاقب الذين يتبنَّون الإيمان بناءً على مصلحةٍ شخصيةٍ على سبيل المثال، أو تستبعد أفكارًا دينيةً كالبوذية التي وفْقها يحصل المرء على (السعادة القصوى - Nirvana) عن طريق صفاء العقل والابتعاد عن الأفكار والرغبات كالإيمان بوجود الإله أو محبته، ويُعدُّ هذا الاعتراض امتدادًا لـ«اعتراض الآلهة المتعددة» (1,3).
يُعدُّ «رهان باسكال» طريقة تفكيرٍ تعتمد على الرياضيات كمحاولةٍ لحساب المنفعة البراغماتية للإيمان من عدمه، وهي ليست في النهاية الطريقة الوحيدة للإيمان بالإله، وبالتأكيد فإن الاعتراضات عليها ليست موجهةً ضد فكرة وجود الإله، بل هي مبنيةٌ على إحدى فكرتين: إما أن الإيمان يجب أن يُبنَى على القناعة لا على المصلحة البراغماتية، وإما أن المصلحة البراغماتية لا تقتضي الإيمان كما يفترض الرهان.
المصادر:
2. Pascal’s Wager [Internet]. Plato.stanford.edu. 2018 [cited 2 November 2020]. Available from: هنا
3. Saka P. Pascal's Wager and the Many Gods Objection on JSTOR [Internet]. Jstor.org. 2001 [cited 2 November 2020]. Available from: هنا