المغالطة التعريفية (Definist fallacy)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> علم المنطق والأبستمولوجيا
- هدِّئ من قدراتك الاستنباطيَّة يا حسام، ودعنا نلجأ إلى المصادر الصَّحيحة لنتعرف إلى العلم من وجهة نظرٍ محايدةٍ، غيرِ مشوبةٍ برغبتك في تسخيف أفكاري قبل أن أطرحها، والتغلُّبِ عليَّ في نقاشنا هذا.
- ولكن يا صديقي ما تدعوه بالمصادر الصَّحيحة إن هي إلا أكاذيبُ وافتراءاتٌ، تحاول الماسونيَّة العالميَّة أن..
- اسمح لي أن أوقفك هنا وأعرِّفك إلى المغالطةِ الَّتي ترتكبها مرّةً ثانيةً؛ أنت يا صديقي تحاول أن تعرِّفَ المصطلحات والأفكار التي أطرحها بما يناسب حجتك ونقاشك، وهذه المغالطة المنطقية تُدعى المغالطة التَّعريفية (Definist Fallacy)، التي بموجبها تُعرَّف الأفكار في سياقٍ يُضعف من موقف الحجَّة المقابلة، أو يُطالَب بتعريف مصطلحٍ عالميٍّ شرطاً لاستخدامه في النقاش، ومن الجدير ذكرُه أنَّ أصلَ هذه المغالطة هي المغالطة الطبيعية (Naturalistic fallacy) التي وصفها جورج إدوارد مور (G. E. Moore 1873-1958) بأنَّها محاولة لتعريف المصطلحات الأخلاقية العامة بصفاتها الطبيعية، مثل استخدام كلمة (مُفرح) لتعريفِ مصطلح (جيِّد)، ليسمّيها فيما بعد الفيلسوف الأخلاقيّ ويليام فرانكينا (William Frankena 1908-1994) المغالطةَ التَّعريفيَّةَ (1,2).
- أشعر أنّك لا تريد سوى أن تخطِّئ كلامي.
- يحقُّ لك أن تتَّهمني بأنِّي أخطِّئُكَ من منطلقٍ عاطفيٍّ، ولذا سأوضِّح هذه المغالطة التي أتَّهِمُكَ بها اتهاماً منطقيّاً لِأنْفِيَ عن نفسي هذا الاتِّهام.
كثيراً ما نفسِّرُ في أحاديثنا كلمةً أو فكرةً ما بمرادفٍ لها، كأنْ نقولَ: "ضخمٌ"، بدلاً من "كبيرٍ جدّاً"، ولكنَّ هذا الترادف يصبحُ أكثرَ تعقيداً كلما كانتِ الفكرة معقَّدةً أكثرَ، وقد ينتهي الأمر بنا إلى الخروج عن حدود الترادف وارتكاب المغالطةِ السَّابقِ ذكرُها، كأنْ نقولَ: لا بدَّ في الحرب من القتل، لذلك فارتكابُ الحربِ هي جريمةُ قتلٍ يجبُ أن يعاقِبَ عليها القانون..فهنا حددنا الحربَ على أنَّها حادثة قتلٍ فحسب، متناسين ما تشمله الحرب من أسباب ونتائج سياسية واقتصادية وغيرها (1).
أو قد يُعرَّف مفهومٌ معيَّنٌ بطريقةٍ تخدمُ موقفَ الشَّخص الذي يعرِّفه بما يتوافق مع توجهه في النقاش، فيدفع الطرف المقابل لقبول تعريفه والموافقة عليه، وبذلك يكون قد ربح النقاش، وندعوا هذا الأسلوب بمغالطة التعريف المُقنع (Persuasive Definition Fallacy)، فمثلاً عندما تناقشنا في موضوع الإجهاض سابقاً، قلت لي: إنَّ الإجهاض يؤدي إلى موت الجنين، الَّذي ما هو إلا طفلٌ غير مولودٍ، وفي حال وُلِدَ سيكون إنساناً في المجتمع البشري، والإجهاض بذلك يسمح بقتل البشر. نلاحظ في كلامك هذا كيف أنك عرَّفت الجنين بأنّه طفلٌ غير مولود، يحملُ صفاتِ البراءة والضَّعفِ، ثم عرّفتَ الجنين مرةً أخرى بأنَّه إنسانٌ منتمٍ إلى المجتمع البشريِّ، يمتلك حقوقاً وواجبات، وبذلك عرَّفت الجنين بما يخدم موقفك من الإجهاض (1-3).
وهناك استخدام آخر لهذه المغالطة، قد تُطالَب بتعريف مصطلحٍ ما قبل استخدامه في الحديث بحجَّة أنَّ تعريف المصطلحات قبل استخدامها يحدُّ من نشوب الخلافات، إلا أنَّ ذلك ليس صحيحاً بالضرورة، فالخوض في تعريف المصطلحات لا ينتهي؛ لأنَّ تعريفَ كلِّ مصطلحٍ يستدعي تعريف مصطلحاتٍ أخرى، فتُسأَل مثلاً: عرِّف لي أولاً ما الضَّرائب ثمَّ لنتناقش عن فعاليتها في تحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد، وهنا يستخدم الخصم التعريف المحدد الذي ستطلقه على الضرائب، كأن تقول أنها سرقة مقوننة، ثم ستتحدث عن فعاليتها، عوضاً عن الاعتماد على التعريف العام المشترك بين المواطنين في الحديث عنها (1,3).
- إذاً كيف تريد مني ألا أرتكب هذه المغالطة؟
- أبسطُ طريقة أن تُعرِّف مصطلحاتك بطريقةٍ حياديَّةٍ صادقةٍ، بعيدةٍ عن تأثير العواطف وعن استخدام السُّخرية في الحديث عنها، وإن وجدتَ أنها لا تتوافق مع موقفك في الحديث فعليك بالنقاش العقلاني والمنطقي في تعريف الأفكار والمصطلحات لأنَّ هذا النقاش هو السّبيل الأمثلُ لتوضيحها وتعريفها (1)، ويجدر بي هنا أن أذكُرَ لك أنواع التعريفات المعتمدة لكي تميِّز بينها، وهي كالآتي:
1. تعريفات المعاجم: التي نستقي منها معنى مصطلحاً أو كلمةً معينةً في لغةٍ ما.
2. تعريفات توضيحيَّة: تحدِّد كيف يمكن لكلمة أو لجملة أن تُستخدم بواسطة متكلّمٍ ما في ظرفٍ معيّن من حيث السّياق واللَّفظ، مثل كلمة فصل التَّي تُستخدم بمعنى تقسيم أو بمعنى جزء.
3. تعريفات اشتراطية: تُعطي معنىً لمصطلحٍ جديدٍ أو معنىً جديدٍ لمصطلحٍ مألوفٍ، مثل كلمة "googol" التي وضعها الرِّياضيُّون والتي تدل على الواحد وعلى يمينه مئة صفر.
4. تعريفات تحديديَّة: تحدد مصطلحاً ما بدقَّةٍ مثل تحديد وصف مدينة بعدد دقيق للسكان.
5. تعريفاتٌ نظريَّة أو تنظيميَّة: التي تعطي بنية هيكليَّة لموضوعٍ ما، مثل استخدام النقاط والمسافات كمصطلحاتٍ ابتدائيَّةٍ لتعريف الخط المستقيم (4).
وأخيراً أودُّ أن أواسيك بأن أُعْلِمَكَ أنَّ الفيلسوفَ سقراط قد اتُّهم بارتكابه نسخةً من هذه المغالطة في حواراته الموجودة في محاورات أفلاطون، وذلك لإنَّه كان يُطالب محاوريه بتعريف المصطلحات بوضوح قبل الادِّعاء بمعرفتها والحديث عنها، ودُعيَ هذا الأسلوب بالمغالطة السُّقراطيَّة (Socratic fallacy) الَّتي من الجديرِ أن نتحدَّث عنها في وقتٍ لاحقٍ (3).
وهكذا أكون قد طبقت تطبيقاً عمليًّا للنقاش العقلاني في توضيح المغالطة التعريفيَّة، فما رأيك؟
- أعتقد بأنِّي أفهم الآن كيف أنِّي ارتكبت هذه المغالطة، وإذاً علينا الآن أن نتناقش عقلانيّاً بعيداً عن السخرية والتسخيف والعواطف في تعريف العلم ومنهجيَّته ومصادره.
- نقاشاً منطقيَّاً من عقلٍ لعقلٍ...اتفقنا.
المصادر:
2. Dowden B. Fallacies | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. [cited 25 June 2021]. Available from: هنا
3. Blackburn S. The Oxford dictionary of philosophy. 3rd ed. Oxford: Oxford University Press; 2016. p. 370. Available from: هنا
4. Sinnott-Armstrong W, Fogelin R. Understanding arguments. 9th ed. Stamford: Cengage learning; 2014. p. 300-303. Available from: هنا