على الرغم من معرفة خبراء التغذية الحيوانية منذ أكثر من 200 عام أن (الألياف الغذائية - Dietary Fiber) في الأطعمة النباتية لها تأثيرات كبيرة في الهضم، لكنه لم يُبحث بدورها في تغذية الإنسان حتى نهايات القرن التاسع عشر (1)، ولم تتبلور تسميتها حتى عام 1953 عندما استُخدمت لوصف المكونات غير القابلة للهضم التي تشكّل جدار الخلية النباتية. لفترة طويلة شهد تعريفها عديدًّا من التعديلات؛ إذ عرّفها علماء النبات أنها جزء من أعضاء النبات، أما المُحللون الكيميائيون فعرفوها أنها مجموعة من المركبات الكيميائية، وتداخلت مع مصطلح (الكربوهيدرات غير المتوفرة - unavailable carbohydrate) الذي استخدم لوصف الكربوهيدرات التي تفلت من الهضم في الأمعاء الدقيقة، ولا تتحلل بواسطة أي أنزيم في الجهاز الهضمي؛ إذ إنها لا تُستقلب. وعُرّفت لاحقًا بكونها بقايا الخلايا النباتية المقاومة للتحلل المائي (الهضم) بواسطة الأنزيمات الغذائية للإنسان، وتتكون من (الهيميسيليلوز - Hemicellulose) و(السيليلوز - Cellulose) و(الليغنين - Llignin) و(البكتين - Pectins) و(الصمغ - Gums) و(الشمع - Waxes) (2).
وهكذا توالت التعريفات من قبل مختلف الهيئات والبلدان، التي غالبًا ما اتفقت على أنها الأجزاء الصالحة للأكل من النبات أو مستخلصاتها، أو الكربوهيدرات المماثلة التي تقاوم الهضم والامتصاص في الأمعاء الدقيقة للإنسان، وتتخمر جزئيًّا أو كليًّا في الأمعاء الغليظة، وتشمل (السكريات قليلة السكاريد - Oligosaccharides) والليغنين (2).
وتصنف حاليًّا حسب قابليتها للذوبان والتخمر إلى:
الألياف غير القابلة للذوبان في الماء أو الأقل تخمرًّا: وهي السيليلوز في الخضار والنخالة، والهيميسيليلوز في الحبوب، والليغنين في النباتات الخشبية.
الألياف القابلة للذوبان في الماء أو جيدة التخمر: وهي البكتين في بعض الفواكه والخضروات في البطاطا، والصمغ الذي يُفرز عند إصابة بعض أنواع النباتات (2).
الألياف والمرض:
في سبعينات القرن الماضي لوحظ أن عددًّا من الأمراض خاصًّة أمراض الجهاز الهضمي، بدت وكأنها حصر على المجتمعات التكنولوجية الغربية، في حين كانت نادرًّة أو أكثر بدائيًّة في إفريقيا، وهكذا تشكلت فكرة أن الاستهلاك العالي للأطعمة الغنية بالألياف يقي من الأمراض غير المعدية التي تصيب الأمعاء الغليظة (3).
واقترح لاحقًا بناء على دراسات عدة أطباء وعلماء أن النظام الغذائي منخفض الألياف يزيد خطر الإصابة ببعض الأمراض، مما سبب كثيرًّا من الجدل ومزيدًّا من الأبحاث (2,3).
(فرضية الألياف الغذائية - The dietary fibre hypothesis):
ظهرت عام 1972 واستمدت من الملاحظات على السكان الذين يتبعون أنماطًّا مختلفة من الأنظمة الغذائية، وربطت انخفاض المدخول الغذائي وقيم الألياف في الوجبات الغذائية بمجموعة من الحالات المرضية كأمراض التمثيل الغذائي والقلب والأوعية الدموية والسكري وتلك الناجمة عن الإمساك والتهاب الزائدة الدودية وسرطان القولون والمستقيم، واقترح وجود تأثير وقائي للأنظمة الغذائية ذو الألياف المرتفعة؛ إذ يقلل العبور السريع للبراز الضخم الناجم عن اتباع هذا النوع من الأنظمة في الوقت الذي يتعرض فيه الغشاء المخاطي للأمعاء للمواد المسرطنة بيئيًّا التي تنجم عن الغذاء أو استقلاب البكتيريا للمواد غير الممتصة كالأحماض الصفراوية (4).
وعلى الرغم من أن الأدلة الوبائية لم تدعم ارتباط عدم تناول الألياف بالإصابة بسرطان القولون والمستقيم، ولم تثبت عديد من الآليات الأخرى ذلك، لكن لا يمكننا أن ننكر أن هذه الفرضية غيرت وجهات النظر الغذائية حول دور الألياف في الأطعمة، ولعبت دورًّا في التوجيه الغذائي للمستهلك في اختياره طعامه؛ إذ قدمت منظمة الصحة العالمية لاحقًا توصيات واضحة بزيادة تناول الألياف، لكن المدخول الأمثل منها لم يُحدد تحديدًّا واضحًّا (1).
المصادر:
1. Cummings JH, Engineer A. Denis Burkitt and the origins of the dietary fibre hypothesis. Nutrition Research Reviews [Internet]. 2017 [cited 8 July 2022];31(1):1-15. Available from: هنا
2. Dhingra D, Michael M, Rajput H, Patil R. Dietary fibre in foods: a review. Journal of Food Science and Technology [Internet]. 2011 [cited 8 July 2022];49(3):255-266. Available from: هنا
3. Hughes RE. Nonfoods as Dietary Supplements. In: Kiple KF, Ornelas KC, editors. The Cambridge World History of Food. Cambridge: Cambridge University Press; 2000. p. 1685–1694. Available from: هنا
4. Southgate DAT. The Dietary Fibre Hypothesis: A Historical Perspective. In: Schweizer TF, Edwards CA, ed. by. Dietary Fibre — A Component of Food ILSI Human Nutrition Reviews. London: Springer; 1992. p. 3-20. Available from: هنا