كيف يؤثّر ما في طبقك في البيئة والمناخ؟
الغذاء والتغذية >>>> منوعات غذائية
الإجابة هي نعم بالتأكيد، كلّ خَيار نتّخذه له تأثيرٌ مناخي، يُقاس غالبًا من (البصمة الكربونية Carbon footprint) أيّ كمية الغازات الدفيئة المُنبعثة في عملية إنتاج سلعة أو تقديم خدمة (بمعنى آخر؛ الانبعاثات المُرتبطة بإنتاج أي مادة غذائية ومعالجتها ونقلها)، والأطعمة المختلفة لها تأثيرات بيئية مختلفة للغاية؛ فالمُنتجات الحيوانية والأطعمة المُصنّعة غالبًا ما يكون محتواها من الكربون أكبر من الأطعمة المُصنّعة (1).
بدأت الحركة البيئية الحديثة لأوّل مرة في السّتينيات إذ دُعيَ إلى اتّباع نظام غذائي خالٍ من اللّحوم، ليس لأسباب أخلاقية متعلّقة بتقليل ألم الحيوانات فحسب، بل لأنّ الأطعمة النباتية لها تأثير أقلّ في البيئة. واليوم، نظرًا لأن أزمة تغيُّر المناخ أصبحت أكبر وأعمّ، زاد الإدراك لكيفيّة تأثير الخيارات الغذائية في استخدام الأراضي، واستخدام المياه، وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتحمّض المحيطات (2).
إن النظم الغذائية تُسهم بنحو ربع إجمالي انبعاثات الاحتباس الحراري التي يُسبّبها الإنسان، فهي مثلًا تُسهم بنحو 30% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة وحدَها، وتأتي النسبة الأكبر منها من الأطعمة الحيوانية، إضافةً إلى الجودة الرّديئة للنّظام الغذائي القياسي في الولايات المتحدة (المستويات العالية من اللحوم الحمراء والمعالجة وانخفاض مستويات الفواكه والخضروات) والتي تُعدّ عاملًا رئيسًا في عدد من الأمراض (1,3).
الجزء الأكبر من هذه الانبعاثات مصدره (4):
من هنا ظهر لدينا مصطلح "الأكل المستدام Sustainable Eating":
مصطلح "الأكل المستدام" يعني اختيار الأطعمة بناءً على تأثير إنتاجها في التّربة، واستهلاك المياه، والمبيدات الحشريّة، وتطهير الأراضي، والغازات الدفيئة، واستخدام الوقود الأحفوري، إذ يختارُ الأشخاصُ الذين يحاولون تناول "الأكل المستدام" الأطعمةَ التي تكون الممارسات الزراعية لإنتاجها أقلّ ضررًا وأكثرُ فائدةً للبيئة (5).
إنّ اختيار خيار "الأكل المستدام" ليس له تأثير بيئي فقط، بل صحّي أيضًا، إذ إنّه أكثر فائدة تغذوية من النظام الغذائي التقليدي، فهو يتكوّن على نحوٍ أساسيّ من الخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة وبعض المُكسّرات والفواكه، مع تجنُّب معظَم الأطعمة المُصنّعة مثل السكر والحبوب المُكرّرة.
يُمكن أن يشمل "الأكل المستدام" اللحوم والأسماك التي تُزرَع وتُحصد بطرائق واعية بيئيًّا. ومع ذلك، فإنّ اللحوم الحمراء، وبخاصة لحم البقر، لا تُعدّ مستدامة، لأنّها تُسهم إسهامًا كبيرًا في انبعاثات الميثان وإزالة الغابات، كذلك فقد تُعدّ مزارع الألبان أيضًا غير مستدامة بسبب انبعاثات الميثان (5).
أمّا عن فوائد النظام الغذائي المستدام، فهو أقلّ تكلفة من النظام الغذائي الغني باللحوم، لأن إنتاج البقوليات والحبوب أقلّ تكلفة من الماشية وتتطلّب موارد أقلّ. إنّ هذه الأطعمة غنيّة بالعناصر الغذائية، ومن ثمَّ يُمكنها مساعدة الناس على تجنب الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدّم المُرتبط بنظام غذائي غنيّ باللحوم الحمراء والمصنعة (5).
كيف يمكن أن نُسهم على نحوٍ إيجابي؟
كما ذكرنا، وجد الباحثون أن الأطعمة الصّحيّة أيضًا أفضل لكوكب الأرض. التغييرات الغذائية التي يمكن أن تساعد على الوصول إلى أهداف الاستدامة العالمية تُقلّل أيضًا من مَخاطر الأمراض المُرتبطة بالنظام الغذائي (السكري من النوع الثاني، والسكتة الدماغية، وأمراض القلب التاجية، وسرطان القولون والمستقيم، والوفيات) (2).
وقد أظهرت بعض التجارب أنّ تبنّي أنظمة غذائية صحيّة أدّى إلى تقليل المخاطر النسبية للإصابة بأمراض القلب التاجية وسرطان القولون والمستقيم والسكري من النوع الثاني بنسبة 20- 40 %، وانخفضت تكاليف الرعاية الصحية بمقدار 77 مليار دولار إلى 93 مليار دولار سنويًّا، وانخفضت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المباشرة بمقدار 222 كغ إلى 826 كغ للفرد سنويًا (3).
وأوضحت تجربة أن النظام الغذائي، الذي لا يحتوي اللحوم الحمراء أو المُصنّعة، وفّر 95 مليار دولار من إجمالي التكلفة السنوية البالغة 230 مليار دولار لتلك الأمراض الثلاثة (3).
إذًا كيف نأكل أكلًا مستدامًا؟
بدايةً، يُمكن أن يكون الانتقال الناجح إلى نظام غذائي مستدام عملية طويلة، لكن لا يجب أن تكون صعبة، لذا من المُهم البدء بخطوات صغيرة لكلّ فرد منا مثل:
اتّباع نظام غذائي نباتي أو يميل للنباتيّة، أي أن هذا لا يعني الامتناع تمامًا عن تناول البروتين الحيواني، بل اتّباع نظام غذائي غني بالخضروات والفواكه والبقوليات والمكسرات لأنّه غني بالمغذيات ويقلّلُ خطرَ الإصابة بأمراض القلب والسرطان (5).
يُمكن لاستخدام الأعلاف المحسّنة وتقنيات التغذية المحسنة أن تقلّل انبعاثَ غاز الميثان المتولّد في أثناء تربية الماشية وكذلك كمية الغازات المنبعثة من السماد المتحلل. ويمكن أن تساعد أيضًا أحجام القطيع الأصغر، مع وجود حيوانات أقل وأكثر إنتاجية على تقليل هذه الانبعاثات. ويمكن أن تؤدّي الممارسات الزراعية الأفضل، مثل تحسين إدارة السماد والأسمدة، ومراعاة الدورات الزراعية للحفاظ على تربة صحية لتخزين الكربون، واستعادة الأراضي المتدهورة إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نحوٍ كبير (4).
الاعتماد على الأعشاب البحرية والمحاريات أكثر من الأسماك المستزرعة (5).
شراء المحاصيل في مواسمِها يميل أن يكون أكثر استدامة، فزراعة المحاصيل في مواسمها يتطلّب طاقة ومياه أقل من أن تزرع في بيئات اصطناعية مراقبة (5).
تقليل هدر الطعام يُعدّ أمرًا أساسيًا، إذ يُسهم إنتاج ونقل وتركيز تعفّن الغذاء بأكثر من 8 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية (4).
الميل إلى اختيار التغليف المستدام (المصنّع من البوليميرات الميكروبية القابلة للتحلل الحيوي) (5).
توفّر البروتينات البديلة - مثل اللحوم النباتية وبدائِل الألبان، والبروتينات القائمة على الحشرات، واللحوم القائمة على الخلايا المزروعة، آفاقًا واعدة وتجذب الطلب المُتزايد والاستثمار المالي والابتكار التكنولوجي (5).
المصادر:
2. Keller A. Eating for yourself and the planet: Get you a diet that can do both!. School of Marine and Environmental Affairs [Internet]. 2019 [cited 2023 May 27]. Available from: هنا
3. Cohen J. How Your Diet Affects Climate Change. University of California [Internet]. 2017 [cited 2023 May 27]. Available from: هنا
4. Food and Climate Change: Healthy diets for a healthier planet [Internet]. United Nations [cited 2023 May 27]. Available from: هنا
5. Guide to Sustainable Eating: Improving Your Health and the Planet. Maryville University [Internet]. 2023 [cited 2023 May 27]. Available from: هنا