جزيئات بلاستيكية خطيرة في طعامنا
الغذاء والتغذية >>>> منوعات غذائية
كيف تؤثر المواد البلاستيكية الدقيقة في معدتنا؟
بيّنت دراسة أن التركيزات العالية من جزيئات (البوليسترين - Polystyrene) تسببت بإفراز البروتينات الالتهابية التي تدعى (السيتوكينات - Cytokines) في نماذج الأمعاء في المختبر، إذ ترتبط السيتوكينات بأمراض الأمعاء الالتهابية (IBD)، كمرض كرون والتهاب القولون التقرحي، التي ارتفعت عالميًا من 3.7 مليون حالة في عام 1990م إلى أكثر من 6.8 مليون حالة في عام 2017م.
فالعلاقة السببية ليست واضحةً بعد، لأن عوامل كاتباع نظام غذائي غني بالأطعمة فائقة المعالجة، والتدخين، والتعرض لتلوث الهواء ترتبط بمرض التهاب الأمعاء أيضًا، لكن يعتقد الباحثون أن المواد البلاستيكية الدقيقة المليئة بمواد كيميائية ضارة مختلفة بما في ذلك المواد المضافة، كالبيسفينول A (BPA)، ومثبطات اللهب والفثالات التي تؤدي دورًا أيضًا في ذلك (4).
وأضاف الباحثون -في دراسة أخرى- المواد البلاستيكية الدقيقة إلى منطقة أمعاء منمذجة، ولاحظوا أنه انخفضت البكتيريا المفيدة، في حين أنه زادت سلالتان من البكتيريا المرتبطة بالمرض (5)، وتوصلّت دراسة أُجريت في عام 2021م إلى أن الأشخاص المصابين بمرض التهاب الأمعاء لديهم 50% من المواد البلاستيكية الدقيقة في برازهم أكثر من أولئك الذين لديهم معدة صحية (6).
فعندما تتغذى ميكروبات الأمعاء على الجسيمات البلاستيكية الموجودة في المعدة أو تلتصق بها، فإنها قد تغيّر تركيبها الكيميائي، مما يؤثر في التنوع البكتيري، ويسبب آثارًا سلبية أخرى كالتغيّرات في الملامح الأيضية للأمعاء والالتهابات، وذلك حسب دراسة أجريت في عام 2022م. وهناك حالات أكثر تطرفًا قالوا إنها قد تسهم في حالة تدعى (إختلال الميكروبيوم - Dysbiosis)، إذ يفوق عدد البكتيريا السيئة البكتيريا الجيدة الموجودة في معدتنا، وقد يزيد دسباقتريوز احتمالية الإصابة بحالات خطيرة أخرى، بما في ذلك مرض السكري ومرض كرون وسرطان القولون والمستقيم (7).
مشكلة كبيرة وحل محتمل:
إن موضوع الجزيئات البلاستيكية الدقيقة وتأثيرها في أجسادنا أمر مثير للقلق، ويبدو أنه ليس هناك كثير مما يمكننا فعله فيما يخص الجزيئات الصغيرة التي تشقّ طريقها إلى دمنا وأدمغتنا ورئتينا. لكن المشجع أنه تشير مجموعة من الأبحاث إلى أنه لدينا على الأقل خط دفاع واحد رخيص الثمن وسهل الوصول إليه ضد الأضرار المرتبطة بالبلاستيك في أنظمتنا الهضمية وهو (البروبيوتيك - Probiotics)، وهي كائنات حية دقيقة نشطة توجد في بعض أنواع الأغذية التي تسهم في تعديل تركيب مكونات الفلورا المعوية لتحقيق فوائد صحية، ويشار إليها غالبًا باسم البكتيريا الجيدة في الأمعاء، وتتنافس مع البكتيريا السيئة لدعم الجسم في عملية الهضم الأمثل ومساعدة وظيفة المناعة (8).
وهناك بالفعل أدلة على أن تدعم هذه البكتيريا -الموجودة في الأطعمة المخمرة كالزبادي والمخلل الملفوف والكيمتشي- جهاز المناعة لدينا وتقدم فوائد قد تخفف مشكلات الجهاز الهضمي والالتهابات والحساسية. ويبدو أنها قد تساعدنا على محاربة بعض تأثيرات هذه الجزيئات البتروكيماوية المنتشرة.
كيف تتفاعل البروبيوتيك والجسيمات البلاستيكية الدقيقة؟
لا تستطيع البروبيوتيك لسوء الحظ أن تزيل الجزيئات البلاستيكية من أجسامنا بطريقة سحرية. ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن الميكروبات الجيدة قد تساعد على تخفيف بعض السمية والالتهابات التي ينشرها البلاستيك في أنظمتنا الهضمية.
نشر فريق من الباحثين دراسةً مراجعة تستكشف كيف يمكن للبروبيوتيك أن يحمي من الآثار الضارة للمواد البلاستيكية على نباتات الأمعاء. وكتبوا أن البروبيوتيك قد تتفاعل مع جزيئات البوليسترين لتعديل آثارها السامة في الأنسجة المختلفة (9). فضلاً عن دراستين منفصلتين من عام 2021م حددتا سلالات البروبيوتيك بما في ذلك (العصية اللبنية - Lactobacillus plantarum)، الموجودة في منتجات الألبان والمخللات المخمرة، التي ترتبط بـ (BPA) والمتحللة والفثالات، وهي مواد كيميائية ضارة توجد عادةً في البلاستيك (10).
وفي دراسة منفصلة أجريت في عام 2023م، لاحظ الباحثون الصينيون لأول مرة أن الفئران التي تعرضت للجسيمات البلاستيكية الدقيقة والمواد الكيميائية المسببة لاختلال الغدد الصماء تعرضت لالتهاب الخصية، وانخفاض صحة الحيوانات المنوية، واستنزاف بكتيريا الأمعاء الصحية، ثم وجدوا أن مكملات البروبيوتيك لدى الفئران زادت حيوية الحيوانات المنوية، مما يوفر أساسًا متينًا لمزيد من الأبحاث عن "الضرر التناسلي للذكور الناجم عن الملوثات البيئية" (8).
هل يمكن أن تؤثر البروبيوتيك في المواد البلاستيكية الدقيقة قبل الابتلاع؟
لا تساعد بعض البروبيوتيك أمعائنا بعد تناول الغذاء فحسب، بل قد تساعد أيضًا على تقليل الإضافات الكيميائية التي تتسرب من عبوات الأطعمة والمشروبات قبل أن تصل إلى أجسامنا.
فهناك أبحاث واعدة عن التفاعل بين البروبيوتيك و(BPA) في حاويات المواد الغذائية. توجد مادة (BPA) ومركبات البيسفينول الضارة الأخرى التي تستخدم أحيانًا بدلاً منها في العلب والزجاجات البلاستيكية الصلبة المصنوعة من البولي كربونات المستخدمة لحفظ الطعام والشراب، ومن المعروف أنه تتسرب هذه الإضافات من الحاويات إلى المنتجات الاستهلاكية التي نتناولها (11).
وأظهرت دراسة أجريت في عام 2019م أنه قلل البروبيوتيك تركيز المادة الكيميائية في العصير والشاي المعبأ في علب تحتوي على مادة (BPA) بنسبة 90% على الأقل في يوم واحد عند إضافة مستحضر (probiotic lactobacillus reuteri)(12).
وتوصل باحثون إيرانيون في عام 2020م إلى نتيجة مشجعة مماثلة عن طريق صنع لبن الزبادي من سلالات البروبيوتيك المختلفة من البكتيريا والحليب الملوث عمدًا بـ 100 جزء في المليون من مادة (BPA)، وبعد 28 يومًا من التخزين، نجح لبن الزبادي المصنوع من (العصيات اللبنية - lactobacillus plantarum) و(العصيات اللبنية الحمضية - lactobacillus acidophilus) في إزالة سموم مادة (BPA) بنسبة 95% و90% على التوالي (13).
هل هناك أي سبب للحذر من استخدام البروبيوتيك؟
لا يزال العلم وراء ما يفعله البلاستيك بأجسامنا، والفوائد التي قد تقدمها البروبيوتيك أوليًا. ومع ذلك، يرى الباحثون أن هناك دعمًا للنظرية القائلة بأن السلالات الشائعة من البروبيوتيك، وخصوصًا بكتيريا حمض اللاكتيك التي نجدها في لبن الزبادي والخبز المخمر والمخللات، قد تساعد على مواجهة آثار المواد الكيميائية التي تنقلها المواد البلاستيكية الدقيقة إلى أجسامنا عند تناولها.
من الحكمة التحدث مع طبيبك قبل تناول مكملات البروبيوتيك، التي قد لا تكون دائمًا متسقةً فيما يخص الجودة أو التأثير. ومع ذلك، تعدُّ البروبيوتيك من الأطعمة المخمرة آمنة على نطاق واسع ومفيدة عمومًا لصحة الإنسان. لذلك؛ يمكنكم أن تشعروا بالرضا تجاه تناول المزيد منها، وتأكدوا من الالتزام بأحجام الحصة الموصى بها فقط، إذ إن الكميات الكبيرة من البروبيوتيك قد تؤدي إلى اضطرابات هضمية بسيطة كالغازات والانتفاخ.
المصادر: