جائزة نوبل في الفيزياء 2014: مصباح الـ LED الأزرق يُنير مستقبلا من الامكانيات
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
ولكن كيف تعمل الصمامات الثنائية المصدرة للضوء؟
تتألف هذه الصمامات من طبقات من المواد الشبه موصلة للكهرباء. وتتحول الكهرباء في هذه الصمامات مباشرة للضوء مما يجعل مردودها فعالاً كمصدر للضوء مقارنة بالمصابيح المفرغة القديمة التي كانت تتحول فيها الطاقة الكهربائية إلى طاقة حرارية بنسبة كبيرة وطاقة ضوئية بنسبة صغيرة. وكذلك فهي أوفر من المصابيح الهالوجينية (التي كانت أيضاً تدعى مصابيح توفير الطاقة) لأن المصابيح الهالوجينية تعتمد على تفريغ شحنة كهربائية بين قطبين كهربائيين عبر حجيرة تحوي غازاً هالوجينياً مما ينتج عنه ضوء وحرارة. أي أن قسماً من الطاقة المصروفة كانت تضيع بشكل حرارة في جميع مصادر الضوء السابقة.
وفوق ذلك فاداء هذه الصمامات في تحسن مستمر وذلك لتوليد استطاعة ضوئية أكبر فأكبر عن استطاعة ضوئية معينة. فالنسبة بين قدرة المنبع الضوئي على الانارة (تدعى تدفق الضياء) وبين الاستطاعة الكهربائية اللازمة لذلك هي مؤشر على مدى فعالية المنبع الضوئي. ومقارنة مع المصابيح الكهربائية القديمة التقليدية فالثنائيات المصدرة للضوء فعالة أكثر بـ 19 مرة تقريباً أما مقارنة مع منابع الضوء الهالوجينية فالصمامات الثنائية فعالة بأكثر من 4 أضعاف. ولتقدير أهمية هذه الأرقام في حياتنا يكفي أن نعلم أن ربع الاستهلاك العالمي للكهرباء هو بهدف توليد الضوء وبالتالي فمصابيح الـ LED تساهم بشكل كبير في توفير استهلاك المصادر الموجودة على كوكبنا. ناهيك عن عمرها المديد فمقارنة أيضاً مع المصابيح التقليدية التي قد تستمر لـ 1000 ساعة عمل أو المصابيح الهالوجينية التي قد تستمر لـ 10 ألاف ساعة فمصابيح الـ LED قد تستمر لـ 100 الف ساعة عمل مما يخفض من استهلاك المواد اللازمة للتصنيع.
كما ذكرنا فهذه الصمامات الثنائية تتألف من طبقات متتالية من أشباه الموصلات:
- طبقة من النوع n : وهي مواد شحنتها معتدلة ولكنها تملك عدداً من الالكترونات الغير مرتبطة بشكل كبير مع ذرات معينة وبالتالي تنتقل الكهرباء عبر هذه المواد بفضل حركة هذه الالكترونات.
- طبقة من النوع p : وهي مواد شحنتها معتدلة أيضا ولكنها تحوي ذرات تملك قابلية للارتباط بالكترون اضافي. هذه الذرات "المستعدة" للارتباط بالكترونات يمكن تصورها على انها فراغات موجبة الشحنة تنتظر الكترونات لذلك تدعى ثقوب موجبة.
تتوضع بين هاتين الطبقتين طبقة فعالة يتم فيها تحريك الالكترونات و"الثقوب" بتأثير حقل كهربائي وعندما تتلاقى الثقوب مع الالكترونات تندمج معا مما ينتج عنه فوتون (ضوء بعبارة أخرى). يعتمد لون هذا الضوء ( أصفر – أحمر – أزرق .. الخ) بشكل كلي على انصاف النواقل نفسها.
أول من لاحظ هذه الظاهرة هو هينري ج. راوند عام 1907 ولكن التفسير النظري والفهم العميق لهذه الالية استلزم عدة عقود أخرى. اخترعت الصمامات الثنائية المصدرة للضوء الأحمر في الخمسينات واستعملت في العديد من الأجهزة المنزلية (الضوء الأحمر الذي تعرفون بفضله إذا كان الجهاز يعمل أم لا) وأجهزة التحكم عن بعد وحتى في الحاسبات. ولكن العديد من الجهود لتوليد الضوء الأزرق ذو الطاقة الأعلى لم تكن ناجحة.
لتحقيق ذلك اختار آكاساكي و طالب الدكتوراه أمانو ( كليهما في جامعة ناغويا) مادة نتريد الغاليوم لتكون المادة التي سوف يجرون عليها اختباراتهم لتوليد الضوء الأزرق. كما كان ذلك اختيار ناكامورا (الذي كان يعمل في شركة نيتشيا للكيماويات). لقد كانت هذه المادة تعتبر مناسبة في البداية ولكن الصعوبات التقنية التي برزت جعلت كل من يعمل عليها يتراجع عن رأيه. ولكن ذلك لم يثني من عزيمة آكاساكي أو أمانو أو ناكامورا عن العمل بجد لتصنيع البلورات الملائمة من هذه المادة مع أن ذلك كان مغامرة منهم. فقد اضطروا لصنع معداتهم بأنفسهم. وتعلم التقنيات اللازمة وأجراء آلاف التجارب الفاشلة. في معظم المرات لم يكن المجهود ناجحاً ولكن الثلاثي استمر في العمل دون يأس.
عام 1986 كان آكاساكي وأمانو أول من نجح في تصنيع بلورات نتريد الغاليوم بالشكل المطلوب. وفي نهاية الثمانينات تمكنوا من التغلب على صعوبات تقنية أخرى وقدموا أول صمام مصدر للضوء الأزرق عام 1992. أما ناكامورا فقد بدأ بتطوير مصابيح الـ LED الزرقاء خاصته عام 1988 وبعد عامين نجح في ايجاد طريقته الخاصة لتصنيع بلورات نتريد الغاليوم المطلوبة. كما تمكن من تفسير النتائج التي حصل عليها آكاساكي وأمانو وتطوير الاساليب التي استخدموها بطرق أفضل. وعلى امتداد عقد التسعينات طور الفريقين الصمامات التي ابتكروها لتصبح أكثر فعالية وتعقيداً.
كما طور الفريقين ليزراً يحوي مصباح LED أزرق بحجم حُبيبة الرمل كأحد مكوناته الأساسية. مما أدى لاحقاً لإمكانية زيادة المعلومات المخزنة على الأقراص الليزرية ومن ثم لتطوير أقراص الـ Blu-Ray بالإضافة إلى طابعات ليزرية محسنة بشكل أكبر. كما أن العديد من الأجهزة المنزلية أصبحت تحوي مصابيح الـ LED كشاشات الـ LCD وشاشات الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر وكذلك الكاميرات.
لقد غيرت أعمال هؤلاء العلماء واختراعاتهم مجال التقنيات الضوئية بشكل ثوري. مقدمة مصابيح الـ LED التي تملك عددا هائلاً من التطبيقات الحالية أو المحتملة مستقبلاً. وبسبب انخفاض كمية الطاقة الكهربائية اللازمة لعملها فهي تشكل أملاً للعديد من المناطق التي لا تتوافر فيها شبكات الطاقة الكهربائية إذ يمكن تأمين الطاقة الكهربائية اللازمة لعمل هذه المصابيح بفضل مصادر أخرى كالطاقة الشمسية. كما يمكن تعقيم المياه الملوثة باستخدام أن مصابيح الـ LED المصدرة للضوء المافوق بنفسجي والمطورة بالأساس عن مصابيح الضوء الأزرق.
برغم أن هذا الاختراع بالكاد يبلغ العشرين عام إلا أنه قد غير الكثير من جوانب حياتنا وأضاء لنا عالما مليئاً بالأمكانيات المذهلة.
المصدر: هنا