أتلانتس، القارة الضائعة !
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
وراء أعمدة هرقل، كانت تقبع في يومٍ من الأيام، أعظم الحضارات على الإطلاق، حضارةٌ بكرستالاتٍ أسطوريةٍ لإنتاج الطاقة، وكانت أعظم الأمم قوةً وأعلاها شأناً وأرغدها معيشاً، كانت يوتوبيا، مدينةً فاضلة، لكن وللأسف غمرتها المياه بفيضانٍ عظيم، فغرقت في البحر بين ليلةٍ وضحاها؛ وهي الآن مستلقيةٌ في أعماق البحار، تتنظر من يكتشفها... مهلاً، ألا يبدو هذا الكلام جميلاً وأنيقاً ومناسباً -لفلمٍ من أفلام هوليوود- ؟! ما هي أتلانتس، هل كل ما يُقال عنها صحيح، أم هل كانت موجودةً فعلاً؟!
ولأجيب على هذا السؤال سآخذكم في رحلةٍ علميةٍ لنميز الزائف من الواقع..
قبل أن ننطلق في رحلتنا الاستكشافية في أرجاء كوكبنا، لا بد لنا من بوصلةٍ تبين لنا النقاط العريضة لما نبحث عنه، وعند الفيلسوف الكبير أفلاطون الخبر اليقين، في كتابيه Critias و Timaeus يرد أول ذكرٍ للمدينة الأسطورية، وهي-على حد وصفه- قارةٌ ضخمةٌ تقع خلف أعمدة هرقل، ونعتقد اليوم أن أعمدة هرقل هي ذاتها مضيق جبل طارق، تتألف من حلقاتٍ تحيط بمركزها، وهي ضخمةٌ جداً، تساوي مساحتها آسيا وليبيا مجتمعتين معاً! وفضلاً عن ذلك، فقد كانت غنيةً بالذهب والفضة والمعادن النفيسة حتى أن المعبد الموجود فيها كان مغطىً بالفضة بشكلٍ كامل إلّا بعض المناطق التي غُطيت بالذهب، وسكانها الأتلنتيون، هم من نسل إله البحر والزلازل "بوسيدون".
وقد غرقت قبل أفلاطون بـ 9000 آلاف سنة أي تقريباً قبل 11 ألف سنةٍ من الآن عقاباً من الإله بوسيدون لسكانها الذين انغمسوا في المعاصي.
يقول أفلاطون أن مصدر هذه المعلومات هو كهنةٌ مصريون أخبروا Solon سولون، أحد رجالات ومشرعيّ اثينا، عن هذه المدينة، وينقل لنا فيلسوفنا العظيم الحوار الذي دار بين سولون وكهنة مصر؛ لقد قال الكهنة لسولون أن بلاده-يقصدون اليونان- لها الكثير من الفضل على بلادهم، لكن خير هذه الأفضال كان ما فعلوه تجاه الأتلنتيين، حيث أن أتلانتس ذات القوة والبأس، قد غزت كل المناطق من أفريقيا إلى مصر، ومن أوربا إلى اليونان، ولم يستطع أحدٌ إيقافهم، إلّا اليونانيين الذين أظهروا شجاعتهم وقوتهم وفضلهم العظيم، وهزموا الأتلنتيين-القوة العظمى- فحموا بذلك مصر وباقي البلاد التي لم تُحتل من العبودية، وبكل كرم، أطلقوا سراح الأسرى من المناطق الأخرى التي خسرت أمام أتلانتس.
هذا أهم ما جاء عن أفلاطون حول أتلانتس، ولم يذكر أي شخصٍ قبله هذا المدينة أو الجزيرة أو القارة أياً كان شأنها؛ ولنبدأ الآن بالمناقشة الموضوعية للرواية، فإن هذه النقطة -كون أفلاطون أول من ذكرها- هي نقطةٌ تحتسب بالتأكيد ضد صحتها.
وهذا ليس كل شيء، فالمساحة الضخمة لهذه القارة والتي وفق الدراسات الحديثة للصفائح التكتونية -التي يسبب تصادمها الزلازل وموجات التسونامي- لا يمكن أن تغرق ناهيكم عن عدم عثورنا عليها في قاع المحيطات ! هذا من ناحية المكان، أما الزمان، فهذه معضلةٌ أخرى، فالتاريخ المذكور هو 11 ألف سنة، وهنا لا داعي لأن تكونوا أعزاءنا القرّاء بارعين جداً في التاريخ حتى تدركوا أن اليونان في هذه الفترة لم تكن مسكونةً إلا بتجمعاتٍ بشريةٍ بسيطةٍ جداً، فكيف بنا ونحن نتحدث عن وقوفهم في وجه القوة العظمى وهزمهم لها!
لم ننتهي-أو بالأحرى لم نبدأ بعد- فهذه القصة المروية عن وقوف اليونانين في وجه أقوى الإمبراطوريات شبيهةٌ بقصة وقوفهم بوجه الفرس في القرن الخامس قبل الميلادـ ولدينا أيضاً كمية المديح لليونانين في هذه الرواية، والذي سيسبب التشكيك بمصداقية الرواية، فهي اشبه بالبروباغندا الاعلامية المتّبعة من بعض وسائل الاعلام، فالاسطورة المتعلقة باتلانتس تدور حول بطولة اثينا اكثر من ما تدور حول حضارة اتلانتس المزعومة، فمن دون تلك البطولات والتضحيات لكان الاتلنتيين قد احتلوا العالم باكمله وقتلوا شعوبه أو استعبدوهم..
على الرغم من أننا بالكاد بدأنا، فإن الرواية لا تبدو منطقية، لدينا حادثةٌ تاريخيةٌ تخص قارةً عملاقةً لا يمكن-من الناحية العلمية- أن تغرق بهذا الشكل، هُزِمت أمام أشخاصٍ في فترةٍ لم يكن فيها هؤلاء الأشخاص موجودين فيها،فهل هذه قصةٌ حقيقةٌ؟!
تبدو الإجابة للوهلة الأولى واضحة، لكن وقبل أن نبدأ بهذا النقد التاريخي، لماذا لا نقول أن أفلاطون لم يكن يروي قصةً بل يخترع واحدة؟!
نعم، بكل بساطة، لقد قدم أفلاطون لنا نموذجاً عن المدينة الفاضلة مجسدةً في قارةٍ خياليةٍ، تحولت الى امبراطورية الشر المتطورة تكنولوجياً والمفلسة اخلاقياً، التي هزمت من قبل مجموعة صغيرة من الناس الانقياء روحياً اصحاب المبادئ والاخلاق، فهو كان يعمد تقديم القصة كرمز لا أكثر ولا أقل. لكن يرى من يعتقد بحقيقة أتلانتس أن شأنها شأنُ طروادة في ملحمة الإلياذة الخاصة بهوميروس، فقبل القرن التاسع عشر كان يُعتقد أن طروادة هي مدينةُ أسطورية، إلى أن جاء Heinrich Schliemann أفنى شبابه بحثاً عنها-عن طروادة- إلى أن وجدها في سبعينيات القرن التاسع عشر.
وعلى نفس المنوال، ينتظر من يصدق قصة أتلانتس أن يأتي اليوم الذي يفك فيه أحدهم شيفرتها ويجدها، وهذا كلامٌ غير منطقي، فلو صح اعتقادهم لكان عليهم أن يجدوا أيضاً شوكة الإله بوسيدون الثلاثية ناهيكم عن باقي الأساطير الأخرى، لكن وحتى لو كانت طروادة التي تم اكتشافها هي ذاتها طروادة الخاصة بهوميروس والتي لا تزال موضع نقاش، فإن قصة الحرب التي جرت مازالت ايضاً موضع نقاشٍ وشك.
وبسبب غموض كلام أفلاطون-والذي ذكرنا قبل قليلٍ أنه على الأرجح ساقه على سبيل المثال لا سرد الوقائع- فإن تخمين مكان أتلانتس تعدد بتعدد الباحثين عنها، فمرةً هي في المحيط الأطلسي، أو البحر الأبيض المتوسط وكانت أحياناً في كوبا وأحياناً أخرى في السويد وأخرى في بحر الصين! في الواقع، فإن بعض من يعتقد بوجود أتلانتس لا يقول أنها مدينةٌ متطورة، بل هي أكثر الحضارات تطوراً على الإطلاق، وقد اخترعوا الطائرات والمتفجرات وقمحاً يعود بأصله إلى منشأٍ غير أرضي، وهم ليسوا من نسل بوسيدون، بل فضائيين، ولم يغرقوا في الطوفان، بل دمّروا أنفسهم بقنبلةً نووية أو سلاحٍ خارقٍ من نوعٍ ما-لا أمازحكم-.
وقد عزا بعض الباحثين بعض الرسومات في كهوف أوروبا إلى أتلانتس دون أي دليلٍ، قال بعضهم أن لديه نصوصاً من أتلانتس فك أحجيتها واستعملها في العلاج النفسي ورسم لها البعض الخرائط، وقالوا أنها سبب ما يحدث في مثلث برمودا فجزيرة اتلانتس حسب اعتقاد البعض موجودة في قاع مثلث برمودا وتستعمل طاقتها الكريستالية في ابتلاع السفن والطائرات وهي طاقة ناتجة عن اهرامات ضخمة من الكريستال استخدمها الاتلنتيون في توليد الطاقة، وهو ما سبق وتحدثنا عنه في "الباحثون السوريون"، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره.
وإذا أردتُ أن أزيدكم من البيت شعراً-كما يقول المثل- فإن البعض يعزوا وجود الأهرامات في أمريكا-والتي تعود لسكان أمريكا الأصليين- ووجودها في مصر، يعزوا هذا الأمر إلى أن الأتلنتيين قبل أن يغرقوا، علموا المصريين والأمريكيين بناء الأهرامات؛ فالثقافات القديمة لم تكن متطورة بما يكفي لتطوير هذه الامور من تلقاء نفسها بل اكتسبتها من حضارة متطورة مجهولة، وعلى حد قولهم لا يمكن أن تنشأ هاتان الحضاراتان إلا بدعمٍ خارجي، وهنا يجب أن نتجاهل أموراً هامة كي نصدق هذه الرواية، فالأهرامات لدى كلتا الحضارتين مختلفةٌ في عدة نواحٍ، منها الغرض، فهدف الأهرام لدى المصريين هو دفن الموتى أما على الطرف المقابل فقد تمت عمليات تضحيةٍ للآلهة، أما الدفن فلا ذكر له، ويجب أن نتغاضى عن موضوع النشوء المتدرج للحضارت-على عكس ما قيل من أنهم قد عُلِموا من قبل الأتلنتيين.
ولنزيد الطين بِلة، فقد أدُعي أن الأتلنتيين قد علموا الحضارتين المذكورتين الكتابة أيضاً، علماً أن الكتابة لديهما مختلفتان فكيف نقول أن مصدرهما واحد؟! لكن، ألا يوجد علماء آثار حقيقين وجدوا دلائل قد تشير إلى قارتنا المفقودة؟ حسناً، منذ بضعة أعوام، بعثةٌ علميةٌ صُوِرَت بواسطة قناة National Geographic وقد استعمل العلماء آنذاك أحدث تقنيات السونار والمسح، ووجدوا ما يمكن أن يُعد فعلاً، أتلانتس! ولكي أصحبكم برحلةٍ إليها لن نحتاج إلى بذلة غطس، فالعلماء لم يجدوها تحت الماء، بل تحت الأرض! في محمية دونيانا الطبيعية جنوب غرب إسبانيا، قام العلماء باستخدام صور الرادار ليكتشفوا آثار حلقاتٍ دائريةٍ متحدة المركز وفي وسطها مستطيل، وهذا موافقٌ لرواية أفلاطون، فالحلقات ربما كانت الميناء والمستطيل هو لمعبد بوسيدون.
وباستعمال تقنية تصوير جيوفيزيائية تدعى (ERT) نستطيع تحديد بنىً حجريةٍ تحت الأرض –قد تكون لمدينةٍ- تشابه ما وصفه أفلاطون؛ ولدينا شيءٌ آخر مثيرٌ للاهتمام، هو وجودٌ كبيرٌ لغز الميثان تحت الأرض، الذي ينتج عن تحلل المواد العضوية وتواجده بكميةٍ كبيرةٍ يدل على أن كارثةً قد حصلت وأودت بحياة الكثير من الكائنات الحية وبالتالي تفككت المواد العضوية فيها معطيةً هذا الغاز. نتائج أخرى إيجابية ظهرت أثناء هذا البحث، وهي منحوتاتٌ حجريةٌ صغيرةٌ وُجِد عن طريق استعمال التأريخ بالكربون المشع أن عمرها حوالي 4000 سنة.
والآن نحن نحتاج إلى دلائل على أن هذه المنطقة قد تعرضت لتسونامي، ولدينا دليلٌ يشير إلى ذلك، وهو تواجد بعض الصخور الكبيرة في أماكن لا يمكن أن تتشكل فيها بشكلٍ طبيعي وإنما يمكن أن تأتي من البحر عن طريق تسونامي! جميل، لكن ماذا عن سبب اختفاء المدينة تحت الأرض؟ الجواب يكمن في نهرين يمران بهذه المحمية، ويحملان الكثير من الرواسب التي طمرت المدينة الغارقة على مدى آلاف السنين، ولم يبقى إلا بعض الجدران الحجرية تحت الماء، والتي لم يتفق العلماء المشاركون في هذا البحث إذا كانت فعلاً من صنع البشر أم العمليات الطبيعية.
حسناً، هل وجدنا أتلانتس، هل نفرح وننشر الخبر، هل عادت لنا القارة المفقودة من جديد؟ مممم، حقيقةً، فإن أمامنا معضلةً كبيرةً لم تُحل، هذا الدلائل التي تحدثنا عنها تطابق في بعض الأجزاء أتلانتس، لكنها تتجاهل الكثير من التفاصيل، فالمنحوتات الحجرية-والتي لا تعود بالتأكيد لحضارةٍ خارقة- عمرها 4000 سنة، وهذا ليس التاريخ الذي ذكره أفلاطون، ولدينا مشكلة المساحة، إن المنطقة التي نعتقد أن أتلانتس قد غرقت ودفنت فيها هي أصغر بكثير من أن تكون آسيا وليبيا مجتمعتين! أي أن الاكتشاف يخالف بنتائجه عناصر أساسيةً في رواية أفلاطون لا يمكن تجاهلها، فلا يمكنك تغيير كل تفاصيل قصة افلاطون وتصرّ بعدها ان لديك قصة افلاطون، وحقيقة الأمر، أن هناك الكثير من المواقع حول العالم التي تشابه بعض مواصفاتها –أؤكد على كلمة بعض- تشابه أتلانتس، فأيٌ منها هي أتلانتس؟ فمنذ فترةٍ قام عالم آثارٍ شاب باكتشافٍ مشابهٍ في البحر المتوسط، بل إن أتلانتيس قد اكُتشِفت أكثر من مرةٍ عبر التاريخ، أو بالأحرى أدُعي اكتشافها.
ولأوضح المشكلة التي تقف في طريقنا، أذكر قصة الملكة كليوبترا والملك آرثر، لكلٍ منهما قصةٌ مستقلةٌ عن الآخر، لكن إذا غيرنا الجنس والتاريخ والمكان تصبح كليوبترا هي ذاتها الملك آرثر، فهل هذا منطقي؟! إذاً، يبدو لنا بعد كل ذلك، أن أتلانتس بقيت على قيد الحياة وتم تغذيتها بمخيلة الجمهور وانبهارهم بفكرة المدينة الفاضلة المفقودة منذ زمن طويل، ومع ذلك فان اتلانتس لم تفقد أبداً، بل كانت موجودة دائماً لكن فقط بين صفحات كتب افلاطون...
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا