كيف تُصنع الآيس كريم؟ الجزء الثاني – الجودة وعيوب التصنيع
الغذاء والتغذية >>>> رحلة الغذاء
خطوات التصنيع:
تتضمن عملية إنتاج الآيس كريم مزج المكونات المذكورة في الجزء الأول من مقالنا (هنا ) وبسترتها بهدف تقليل أعداد الأحياء الدقيقة والقضاء عليها. يتعرض المزيج بعد البسترة إلى عملية التجنيس Homogenization، حيث يتم تطبيق ضغوط كبيرة على المزيج تؤدي إلى تحويل حبيبات الدهن ذات الأقطار الكبيرة إلى حبيبات دهنية صغيرة الأقطار وكثيرة العدد. تسمح هذه العملية بزيادة تجانس المنتج وتوزيع حبيبات الدسم بشكل أفضل ضمن المزيج، ونحصل بنتيجة ذلك على منتج غني ذي قوامٍ ناعمٍ. يتبع ذلك عملية التبريد والإنضاج (أو ما يعرف التعتيق Aging)، حيث يترك المزيج لمدة 24 ساعة عند الدرجة 4 مئوية، ويتم خلال هذه المدة امتصاص المكونات الجافة للرطوبة كما تبدأ المادة الدسمة بالتبلور. تضاف في هذه المرحلة الملونات ومواد النكهة وقطع الفواكه والمكسرات ويتم خلطها جيداً.
بعد هذه المرحلة يتم نقل المزيج النهائي إلى جهاز التجميد المستمر الذي يقوم بخفض حرارة المنتج إلى جانب عمليات الخفق والخلط التي تهدف إلى دمج الهواء وتوزيع المحتوى المائي ضمن المزيج على شكل بلورات ثلجية شديدة الصغر. وبذلك تكون العمليات التصنيعية قد انتهت وينتقل المنتج النهائي لتتم تعبئته في العبوات المناسبة ليأتي دور عملية التقسية Hardening، وهي الخطوة التي يتم فيها إخضاع الآيس كريم للتجميد الصاعق عند الدرجة -40 مئوية وتجميد معظم كمية الماء المتبقية. ويتم تخزين الآيس كريم وتسويقها عند الدرجة -18 أو -20 مئوية.
ما هو الرَيْع Over-run إذاً؟؟
يعتبر وزن الوحدة الحجمية (أي وزن الليتر الواحد مثلاً) من كل منتج معياراً مهماً من معايير ومواصفات الجودة الفيزيائية، ويتأثر هذا المعيار في صناعة الآيس كريم بنسبة الهواء التي يتم إدماجها في مزيج الآيس كريم خلال عملية التجميد، وتعرف هذه النسبة بالريع أو Over-run. فعندما يتم خفق الهواء بكمية تسبب تضاعف حجم المزيج، يطلق على هذه الحالة 100% ريع، أو 100% over-run وتعني حرفياً أن حجم الهواء أصبح يساوي حجم المزيج، وأن 1 ليتر من المزيج (وزنه 1.1 كغ مثلاً) سيعطي بعد مزج الهواء فيه بنسبة 100% مزيجاً جديداً حجمه 2 ليتر (أي أن الحجم قد تضاعف بعد خفق الهواء)، ولكن وزن الليتر الواحد ينخفض إلى النصف (أي أن وزن الليتر الواحد يصبح 0.55 كغ بدل 1.1 كغ)، وهو أمر شديد الأهمية اقتصادياً من وجهة نظر المصنّع خاصةً، كما أنه يلعب دوراً أساسياً أيضاً في قوام الآيس كريم عند تناوله وذوبانه في الفم.
بناءً على هذا المبدأ، يتم تصنيف الآيس كريم إلى نخب ممتاز Super premium، ونخب أول Premium، ونخب عادي أو تجاري Regular، ونخب اقتصادي Economy. فنجد أن نسبة الهواء تكون قليلة جداً في الآيس كريم الممتاز حيث لا تتجاوز نسبة الريع الـ 25%، أي أن الآيس كريم الممتازة تكون أكثر غنى بالمواد الدسمة مما يعطيها قواماً كريمياً مرغوباً، بينما تصل إلى 110% في الأصناف الاقتصادية (أي أن معظمها من الهواء في الحقيقة).
عيوب الآيس كريم:
1- الانكماش:
هل سبق لكم أن قمتم بفتح علبة الآيس كريم فوجدتم أن أطرافها قد انكمشت بعيداً عن أطراف العبوة؟ إنه عيبٌ مزعجٌ للغاية في الآيس كريم، خاصةً أن المسببات والحلول غير واضحة تماماً. يكمن هذا العيب أساساً في تصلب الآيس كريم، ويتجلى بانخفاض حجمه وانزياحه عن أطراف الوعاء، كما ينتج عن فقدان فقاعات الهواء الكروية وتشكل قنوات هوائية مستمرة. علماً أن انخفاض درجات الحرارة الشديد خلال التجميد، والتغيرات الشديدة في الضغط، وذوبان الآيس كريم وإعادة تجمده من جديد من العوامل التي قد تكون مرتبطة بالانكماش.
2- عيوب اللون:
إن كنتم قد لاحظتم استخدام بعض المصنّعين لكميات كبيرة من اللون الأصفر في آيس كريم الفانيلا، فإن ذلك يعود إلى اتخاذ المصنّع لقرارات خاطئة فيما يخص اختيار المادة الملونة المناسبة أو الكميات المستخدمة منها. ويرجع هذا العيب بشكل رئيسي إلى التطبيق السيء للملونات الغذائية عند تلوين مزيج الآيس كريم، الأمر الذي يعتبر غير مستحبّ من قبل المستهلك، وقد يدفعه إلى رفض المنتج لشعوره بأنه منافٍ للنكهة الموافقة لهذا اللون.
3- عيوب النكهة:
تنتج النكهة غير المستحبّة عن استخدام مواد أولية لا تطابق المواصفات القياسية في تصنيع الآيس كريم، وتعتبر منتجات الألبان المستخدمة في التصنيع المصدر الأكبر لهذه العيوب والتي تشمل عيوب النكهة المطبوخة (تحدث عند استخدام منتجات الألبان المسخّنة أو المبسترة على درجات حرارة عالية جداً)، وارتفاع الحموضة التي تظهر في حال تعرّض منتجات الألبان للفساد، في حين يرجع ارتفاع الملوحة إلى استخدام نسبة كبيرة من المواد الصلبة غير الدهنية في المزيج أو ارتفاع كمية مسحوق مصل اللبن.
وقد تظهر أحياناً نكهةٌ متزنخة نتيجة تحلل المواد الدهنية في منتجات الألبان (وخاصةً الحمض الدهني بيوتيريك الذي يشكل نسبة عالية منها)، ومن هنا تبرز أهمية اختيار النسب الدقيقة والأنواع ذات الجودة العالية لكل مكون. كما يمكن أن تكون المنكهات المستخدمة رديئة النوعية أو منتهية الصلاحية فتبدي نكهة مرّة أحياناً.
3- عيوب القوام والمظهر والذوبان:
يؤدي وجود البلورات الثلجية كبيرة الحجم في المزيج إلى ظهور قوام خشن، في حين يسبب عدم ذوبان سكر اللاكتوز (السكر الطبيعي الموجود في الحليب) بشكل كامل عيباً آخر يمكن تشبيهه بالقوام الرملي (الحبيبي الناعم) في الفم. كما يمكن أن تنتج عيوب أخرى في قوام الآيس كريم نتيجة سوء اختيار نسب المثبتات المستخدمة، أو إدخال كميات كبيرة من الهواء إلى المزيج. كما تؤثر بعض العوامل على استقرار المواد الدهنية وتبلورها بالشكل الأمثل، أو تقلل من ثباتية البروتينات في المزيج، وهذا ما يؤدي إلى انهيار البنية المطلوبة وسرعة ذوبان الآيس كريم. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يلاحظ أن الآيس كريم لا تذوب بالدرجة المطلوبة حتى عند تعرّضها لدرجة حرارة الفم، ويمكن أن يُرجع ذلك إلى فرط في كمية المستحلب المستخدمة، أو فشل عملية التجنيس مما يمنع التوزيع المتجانس للطور الدسم.
ما هي مدة صلاحية الآيس كريم؟
إن انتهاء مدة صلاحية الآيس كريم لا يشير بالضرورة إلى تعرضها للفساد بالأحياء الدقيقة، بل إنه قد يكون مرتبطاً بتغيرات كيميائية وفيزيائية تؤثر على قبول المستهلك للمنتج، وبالتالي يصبح بإمكاننا القول أنه قد فقد صلاحيته للاستهلاك.
تشمل العوامل المؤثرة على صلاحية الآيس كريم للاستهلاك حدوث عمليات إعادة تبلور الدسم خلال التخزين، حيث تميل بلورات الدسم إلى الانتقال من شكل بلوري لآخر بمرور الوقت. وتعتبر تقلّبات درجة الحرارة عاملاً محدّداً لحدوث هذه الظاهرة. ولتفادي هذه المشاكل، يجب على مصنّعي الأغذية أن يضبطوا المعاملات التصنيعية بجميع مراحلها، وخاصة من حيث درجة التجميد وسرعته، وكمية السكر، والمثبتات. إضافةً إلى تجنب تقلبات درجة الحرارة خلال التصنيع والتسويق وحتى وصولها إلى الثلاجة المنزلية والمستهلك.
المصادر:
GOFF H.D. and HARTEL R.W. 2013- Ice cream. 7th ed. Springer، New York، USA. 477 pp.
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا