ظاهرةُ المدّ الأحمر!
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
يَحدُث المدّ الأحمر نتيجةً للتكاثرِ الهائلِ لأنواعٍ معيّنةٍ من الطحالبِ المجهريّة وحيدة الخليّة المعروفة بالسوطيّات الدوّارة dinoflagellates، عندها يتشكّل ما يُعرف بـ "الإزهار الطحلبيّ" أو "الانفجار الطحلبيّ"، والّذي يشير إليه العلماء أحياناً على أنّه إزهارٌ طحلبيّ ضارّ "Harmful Algal Blooms" HABs.
وتستطيع هذه الكمّيّاتُ الكبيرة من الطحالب أنْ تغيّر لون الماء فيظهر ظلٌّ من اللّون الأحمر الباهت على صفحة الماء، وقد يتراوح اللّون ما بين الورديّ أو البرتقاليّ إلى البنّيّ أو الأصفر.
ويوجد ثلاثةُ أنواعٍ من الطحالبِ المسبِّبةِ للمدّ الأحمر يختلف وجودها وتوزّعها حسب المناطق الجغرافيّة.
صورة مكبَّرة للطحلب المسؤول عن ظاهرة المدّ الأحمر
Image: corbisimages.com
المشاكل الناجمة عنه:
لا يشكِّلُ المدّ الأحمر كارثةً على روّاد الشواطئ فحسب، بل يُعدّ أيضاً مميتاً للحياة البحريّة، إضافة إلى آثاره الخطيرة على صحّة الإنسان، هذا عدا عن الخسائر الاقتصاديّة الّتي يتسبّب بها لقطاع السياحة وصيد الأسماك والتي تُقدَّرُ بمئات الملايين من الدولارات.
فقد تحوي الطحالبُ المصاحِبةُ للمدّ الأحمر موادّ سامّةً تؤثّرُ على الأجهزة العصبيّة والهضميّة عند الحيوانات، وعادةً ما يترافقُ المدُّ الأحمرُ مع موتِ أعدادٍ هائلةٍ من القشريّات، والرخويّات والأسماك، وموت الطيور والحيوانات الأُخرى الّتي تتغذى على هذه الأسماك في حال استَهلكتْ كمّيّةً كافيةً من سموم تلك الطحالب.
كان المدُّ الأحمر الّذي حصلَ في شهر آذار من عام 2013 مسؤولاً عن نفوقِ أعدادٍ كبيرةٍ من خراف البحر، أما المدُّ الأحمر الذي حدث في عام 2012 فقد تسبّب في موت أعدادٍ كبيرةٍ من الحبّار في كاليفورنيا.
وليس البشرُ أيضاً بمُحصّنينَ من التأثيرات السمّيّة للمدّ الأحمر؛ إذ يمكنُ لحركة الأمواج أنْ تسبّبَ تحرّر وانبعاث السموم من الطحالب إلى الهواء وهذا من شأنه أنْ يسبّبَ مشاكلَ تنفسيّةً للبشر الّذين يعيشون بالقرب من الشاطئ، وخصوصاً أولئك الّذين يعانون من الربو، وانتفاخِ الرئة أو أيِّ أمراضٍ تنفسيّةٍ أخرى.
ويمكنُ للسموم أنْ تتراكمَ في الرخويّات مثل المحار أو في القشريّات البحرية لذلك غالباً ما يسبّبُ المد الأحمر تَفَشيَ التسمّم الّذي يصيب الجهاز العصبيّ للإنسان بعد تناوله هذه المأكولات البحريّة الملوَّثة، كالتسمّم القوقعيّ الشلليّ الّذي يسبّب شللاً في الجهاز التنفسيّ ينتج عنه الموتُ اختناقاً، أو فقدانَ الذاكرة الناتج عن التسمّم بالمحار الّذي قد يسبّب الدوارَ وعدمَ الاتّزان.
Image: fish.wa.gov.au
أسبابه:
هناك عوامل عدّة تساعدُ على نموِّ واتّساعِ رُقعةِ الإزهارِ الطحلبيّ منها الملوحةُ المنخفضة، ودرجاتُ حرارةِ سطح الماء الأعلى من المعتاد ومحتوى المغذّياتِ المرتفعُ في المياه، فقد وجد الباحثون أنّ اليوريا القادمةَ من المناطق الحضريّة أو الناتجةَ عن الصرف الزراعيّ على حدٍّ سواء ترتبط بنموٍّ محتملٍ لطحالبَ سامّة ضمن الطحالب البحريّة الشائعة؛ إذ إنّ هذه الطحالب قد تفضّل اليوريا "وهو نتروجين عضويّ" على النترات والأمونيا اللّاعضويّة الموجودةِ طبيعيّاً في مياه المحيط، فعندما تزدادُ تراكيز هذه المغذّيات تستطيع الـ dinoflagellates وحيدةُ الخليّة أن تتكاثرَ كثيراً، ويقول Raphael Kudela وهو بروفيسورٌ مساعد في علوم البحار في جامعة كاليفورنيا: "الإزهارُ الطحلبيّ الّذي امتدّ من شبه جزيرة Baja في المكسيك إلى خليج مونتيري كان قد حدثَ بعد تدفّقِ كمّيّاتٍ كبيرةٍ من مياه الصرف الصحّيّ إلى منطقة كاليفورنيا الجنوبيّة" لذلك فإنّ مياه الصرف الصحّيّ الّتي تُلقى في البحر تُحَفِّزُ نموَّ وتكاثرَ الطحالب الضارّة.
المدّ الأحمر ظاهرةٌ تحدثُ في كلّ أنحاء العالم، بما في ذلك الوطن العربيّ وتحديداً منطقة الخليج العربيّ والّتي تعاني من هذه الظاهرة كلّ عام تقريباً، وتبعاً للإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجويّ (NOAA) تشيرُ بعضُ التقارير إلى تَزَايُدِ حدوث ظاهرة المدّ الأحمر عالميّاً، فهي تحدث تقريباً كلّ صيف على طول سواحل خليج فلوريدا، وقد يكون للاحتباس الحراريّ العالمي دورٌ في تزايُدها.
استخدمَ الباحثون في (NOAA) نماذجَ حاسوبيّةً لتحديد الكيفيّةِ الّتي قد يؤثّرُ بها ارتفاعُ درجات حرارة المحيط على تغيُّرِ توقيتِ وتواترِ الانفجار الطحلبيّ المرتبطِ بظاهرة المدّ الأحمر.
وتقول Stephanie Moore من مركز الساحل الغربيّ للمحيطات وصحّة الإنسان التابع لـ (NOAA) "لقد وجدنا أنَّ خطرَ الإزهارِ السامّ سوف يتزايدُ في موسم الإزهار الممتدِّ ما بين تموز وتشرين الأول، وكذلك موسمُ الإزهار نفسه سوف يطول".
وعلى الرغم من تأثيراتِ ظاهرة المدّ الأحمر الخطيرة واسعة الانتشار، ما زال من الصعب التنبّؤُ بأماكن حدوثهِ ومدّة استمراره، ولكنَّ دراسةً جديدة صدرت هذا العام قامت بها جامعة رونستيل؛ رصدتْ تيّاراً محيطيّاً رئيسيّاً في خليج المكسيك يؤدّي دوراً مهمّاً في تغذية طحالب المدّ الأحمر في فلوريدا، ويمكن لهذا التيّار أن يكونَ بمثابة إنذار يُنَبّهُ إلى وجود ظروفٍ ملائمةٍ لتَشَكُّلِ المدّ الأحمر الضارّ في المناطق الساحليّة.
المكافحة الحيويّة للمدّ الأحمر:
فيما يرتبط بالجهود المبذولة بهدف الحدِّ من النموّ الهائل لطحالب المدّ الأحمر؛ حُدّدت جرثومة بحريّة معروفة بأنّها قاتلةُ المدّ الأحمر، وراقب خافيير مايالي "Xavier Mayali" من معهد Scripps لعلوم المحيطات العمليّاتِ الداخليّةَ لإزهار الـ dinoflagellates، فأظهرتِ النتائجُ أنَّ هناك نوعاً من البكتيريا تسمّى بكتيريا RCA" Roseobacter-Clade Affiliated" تهاجمُ عوالقَ الـ dinoflagellate إذ تلتصق مباشرةً بخلايا تلك العوالق مسبّبةً إبطاءَ حركتِها وقتلَها في النهاية، ويمكن أنْ تعيشَ بكتيريا RCA في المياه المعتدلة والقطبيّة.
يقول Mayali "من الممكن أن تؤدّيَ هذه البكتيريا دوراً مهمّاً في إنهاءِ الإزهار الطحلبيّ وتنظيمِ النموّ الطحلبيّ في البيئات البحريّة في جميع أنحاء العالم". وما زال العلماء يتابعون دراسةَ هذه الظاهرة على أمل الوصول إلى حلولٍ للتخفيف من آثارها البيئيّة والاقتصاديّة في المستقبل القريب.
Image: strangesounds.org
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
فيديو
هنا