في الانتخابات السياسية، لماذا يصوِّت الناس؟
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
لماذا يخرج ملايين الأشخاص للتصويت في كل انتخاباتٍ وطنية في مختلف البلدان؟ وهل يُحكَم على التصويت أو عدمه أخلاقيًّا؟
إذا فكرت في الأمر، فإنَّ التصويت في انتخاباتٍ وطنية كبيرة مثل الانتخابات الرئاسية في بلادك أو في نقابةٍ تهتم بشؤون مهنتك عملٌ قد يُعدُّ غير عقلاني إلى حد كبير؛ لأنَّ احتمالية أن يكون تصويتك فارقًا في النتيجة ضئيل للغاية.
بالإضافة إلى أنَّ التصويت متعبٌ على الصعيد الشخصي؛ لأنَّ التسجيل على التصويت والتعرف إلى آراء المرشحين يستغرق كثيرًا من الوقت (على فرض أنَّ المرشحين يُقدمون برامج انتخابية لإقناع الناخبين) مدركًا طوال الوقت أنَّ فرص تصويتك الفردي التي ستحدث فرقًا بين الآلاف أو الملايين المُدلى بها ضئيلةٌ نسبيًّا (1,2).
هل التصويت فِعلٌ عقلاني؟
للتعمق في عقلانية التصويت، يجب علينا أن نُعرِّف عملية التصويت بأبسط أشكالها.
إنَّ التصويت -اصطلاحًا- الأداةُ الرئيسة التي تُمكِّن المواطنين أو أعضاء أية مجموعة مؤسساتية من التعبير عن خياراتهم والتأثير في السياسة في المؤسسات الديمقراطية عن طريقها. وبذلك يُنظر إلى إقبال الناخبين على التصويت على أنَّه مؤشرٌ حاسمٌ لسير الديمقراطية سيرًا سليمًا غالبًا (3).
والتصويت ليس عملًا سهلًا كما أسلفنا، فمع افتراض أنَّ العملية الانتخابية تشرف عليها مؤسساتٌ محايدة تضمن سلامة إحصاء الأصوات وخصوصية الناخبين وحريتهم في إدلاء أصواتهم لمرشحهم المفضل، فإنَّ عملية التصويت تتطلَّب تحديد المشكلات وجمع المعلومات السياسية والتفكير بشأن هذه المعلومات وأَخْذ القرار بناءً عليها، وهذا يستغرق وقتًا وجهدًا يمكن استخدامهما في أشياء أخرى تكون ذات قيمةٍ أكبر؛ فمن وجهة نظر اقتصادية، إنَّ الأشخاص العقلانيين لن يؤدوا نشاطًا إلا إذا أدى ذلك إلى تعظيم المنفعة المتوقعة (2).
وهناك نظريتان أساسيتان في تفسير عقلانية التصويت: النظرية الأداتية (Instrumental Theory)، والنظرية التعبيرية (Expressive Theory).
ترى النظرية الأداتية لعقلانية التصويت أنَّه يمكن أن يكون التصويت منطقيًّا عندما يكون هدف الناخب التأثير أو تغيير نتيجة الانتخابات.
وفي المقابل، فإنَّ النظرية التعبيرية للتصويت تنص على أنَّ الناخبين يصوتون من أجل التعبير عن أنفسهم وعن ولائهم لمجموعات أو أفكار معينة (2).
ما الحافز الذي يدفع الناس إلى التصويت؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسة تدفع الناس إلى التصويت:
ويمكن تشبيه التصويت هنا برسم وجوه مشجعي فريقٍ ما بألوان الفريق أو الصراخ على التلفاز في أثناء المباراة، مع أنَّهم يعرفون مسبقًا أنَّ فعلًا كهذا لن يغير من نتيجة اللعبة، ولكنَّهم يرغبون مع ذلك في إظهار التزامهم بفريقهم (2).
ومع ذلك، فالناس يعبرون عن هوياتهم الشخصية والاجتماعية ويؤكدون شرعية آرائهم عن طريق التصويت، وخصوصًا بأنَّ التصويت في الدول الديمقراطية بدأ يتسم بكونه أكثر فردانية؛ لأنَّ الناخبين يعتمدون في قراراتهم -بتزايدٍ- على أسباب ومعتقدات شخصية وعلى أولويات أخلاقية. وتطلعات تخصهم فرديًّا (1,3).
هل التصويت واجبٌ أخلاقي؟
تظهر الاستطلاعات أنَّ معظم المواطنين في الديمقراطيات المعاصرة يعتقدون أنَّ هناك نوعًا من الالتزام الأخلاقي للتصويت.
وتظهر استطلاعات أخرى أنَّ معظم الفلاسفة الأخلاقيين والسياسيين يتفقون مع وجهة النظر هذه، فيميلون إلى الاعتقاد بأنَّ على المواطنين التصويت حتى عندما يعتقد هؤلاء المواطنون أنَّ حزبهم أو مرشحهم المفضل ليس لديه فرصة جدية للفوز.
ويفترض بعض منهم بأنَّ على المواطنين التصويت لتجنب السكوت عن الظلم؛ وبذلك فإنَّ المواطنين الذين يرفضون التصويت متواطئون ضمنيًّا في السماح لممثليهم بارتكاب الظلم، ولكنَّ هناك تحفظات عديدة على منطقية هذه الفرضية، ويرى أنَّ المواطنين الذين يمتنعون عن التصويت يفشلون في سداد واجباتهم المجتمعية (2).
كيف يجب أن نصوِّت؟
يجب الانتباه إلى أنَّ السؤال المتعلق بكيفية التصويت يختلف عن مسألة ما إذا كان يجب أن يكون للفرد الحق في التصويت؛ لأنَّ الحق في التصويت يسمح للمواطن بالتصويت، ثم يتطلب من الدولة الإشراف على العملية وإحصاء الأصوات، بينما كيفية التصويت تختلف من شخصٍ إلى آخر من الناحية الأخلاقية؛ مما يترك الباب مفتوحًا فيما إذا كان قرار التصويت للمرشحين الذين يمكن للناخب أن يصوت لهم خاطئ أم صحيح من الناحية الأخلاقية، أي من حقه التصويت لأي مرشحٍ يفضله، ولكنَّ هذا الخيار قد لا يُعدُّ بالضرورة الأكثر أخلاقيةً (2).
المصادر:
2. Brennan, Jason, "The Ethics and Rationality of Voting", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2020 Edition), Edward N. Zalta (ed.), Available from: هنا
3. Caprara GV, Vecchione M, Schwartz SH. Why People Do Not Vote. European Psychologist. 2012;17(4):266–78. هنا